سعىد إسماعىل كان لايزال شابا في حوالي الثلاثين من العمر، عندما رأيته لأول مرة في صالة التحرير بدار أخبار اليوم، ولكنه كان بالنسبة لي واحدا من الكبار الذين عرفت أسماءهم وألفتها قبل أن التقي بهم وجها لوجه. كان نائبا لرئيس تحرير الأخبار، وكنت قريبا منه بحكم عملي في سكرتارية التحرير.. ورغم الفارق بيني وبينه في العمر والمكانة، توسمت فيه القدوة لما كان يتمتع به من أدب جم، ورقة الاحساس، والتواضع الشديد في التعامل، بالاضافة إلي سعة الأفق، وغزارة المعرفة. لم يكن الأستاذ محسن محمد، الذي رحل في الأسبوع الماضي عن دنيانا، مجرد صحفي يلهث وراء الخبر، ويلقي الضوء علي ما ورائه.. ولكنه كان خبيرا بعلوم الصحافة وفنونها، وكان يحرص علي متابعة الصحف البريطانية بصفة خاصة، ويعتبر الصحافة الإنجليزية أم الصحافة، والمدرسة التي تعلم فيها رواد الصحافة في العالم.. وكان يعتبر الصحيفة الناجحة هي التي تكون عين القارئ وأذنه التي تري ما يهمه، وتسمع ما يفيده، وتوسع مداركه، وتكون خادمه الأمين. قال لي ذات يوم ان الصحيفة التي تعجز عن خلق الألفة والصداقة بينها وبين القارئ هي صحيفة فاشلة.. ولهذا السبب كان يحرص علي استخدام لغة المخاطبة المباشرة في كتابة بعض الأخبار.. كأن يبدأ الخبر الخاص ببرودة الجو مثلا بعبارة »احترس الدنيا برد اليوم«، أو بعبارة »البس معطفك«.. وعندما انتقل إلي جريدة الجمهورية وترأس تحريرها، حرص علي نشر أخبار المواليد الجدد.. وأعياد الميلاد علي الصفحة الأولي.. وحرص علي ابتكار أبواب جديدة علي الصفحات الداخلية تحت عناوين مثل »أي خدمة«، و»في خدمتك«، و»شقة للايجار« و»وظيفة تنتظرك«. كان الأستاذ محسن محمد طوال حياته، صحفيا مهنيا.. لم يطبل لحاكم، ولم يزمر لمسئول.. كان يعتبر نفسه خادما للقارئ، فأحبه زملاؤه وقراؤه أيضا.. رحمه الله رحمة واسعة.