ممتاز القط لا أدري سببا واحدا وراء هذا الصخب والضجيج الذي تشهده الساحة السياسية حول لجنة إعداد الدستور، والتي جاء تشكيلها مخيبا لآمال معظم المواطنين.. ومخالفاً لكل الأعراف الدستورية خاصة بعد تدخل المجلس الأعلي للقوات المسلحة ولقائه مع الأحزاب والقوي السياسية في محاولة للتوفيق وإتاحة فرص المشاركة لعدد أوسع. لقد شهدت مسيرة العمل الوطني اخطاء كثيرة، يصبح التوقف أمامها مضيعة للوقت والجهد ان لم نبادر جميعا إلي محاولة انجاحها وتحمل تبعاتها، والقناعة بأن ما لا يدرك كله لا يترك جله. لا أعتقد ان خلو اللجنة من بعض الأسماء والرموز القانونية يجعلنا نتناسي ان المهم هو خروج الدستور الجديد إلي النور، لاننا نملك بالفعل كل الوسائل الكفيلة برفضه وعدم الموافقة عليه، إذا حملت بعض مواده أي نكوص عن ثوابتنا الوطنية. وفي ظل وجود آلة إعلامية ضخمة تصل بالشفافية لأعلي حدودها لا يصبح للمخاوف أي وجود. حزب الحرية والعدالة أو حزب النور السلفي ليسوا ملائكة لا يخطئون. لكنهم أيضا ليسوا شياطين أثمين عندما انحازوا لمنطق الأغلبية في سباق للديموقراطية، علينا جميعا ان نحترم آلياته وتبعاته. لا يهمني من قريب أو بعيد أشخاص لجنة إعداد الدستور، ولكن يهمني مواده والتي ستحظي بنقاش واسع، يمثل صمام أمان لإعلاء صوت المواطنين. ولست أيضا منحازا إلي المقولة الصماء بأن الدستور يجب ان يكون قادرا علي البقاء لعشرات السنين، لان المتغيرات والمستجدات علي الساحة السياسية العالمية تجعل من ذلك امرا مستحيلا. ومن هنا فإنه لا مكان ابدا لهذه المخاوف المتزايدة. تجربة الإخوان المسلمين وكل التيارات الإسلامية في الحكم تمثل تجربة جديدة تماما، علينا ان نعطي لها الفرصة كاملة بعيدا عن محاولات تصيد الاخطاء وتضخيم بعض الأمور التافهة. واعتقد ان الأغلبية التي تعبر عنها هذه التيارات ستجعلها مع الأيام قادرة علي تصحيح المسار، والذي يمثل ضرورة حتمية لاستمرار وجودها وتعبيرها علي المواطنين. شموخ القضاء يبدو بالفعل ان هناك محاولات جادة لزعزعة الثقة في قضاء مصر الشامخ، والتي جعلت من قضية الإفراج عن بعض الأمريكيين المتهمين بقضية تمويل المنظمات الحقوقية كبش فداء لها. وبعيدا عن الملابسات التي تتعلق بالاتهامات الموجهة للمستشار عبدالمعز إبراهيم والتي نترك للتحقيقات والقضاء القول الفصل فيها، فاننا لابد ان نناقش الأسباب التي أدت لتضخيم هذه القضية وصولا لهدف واحد هو النيل من قدسية القضاء من خلال زعزعة ثقة المواطنين. لقد سادت مصر خلال الشهور القليلة الماضية حمي التشكيك في بعض أحكام القضاء، بل والتدخل السافر في سير التحقيقات والعدالة من خلال التناول الإعلامي وممارسة الضغوط في اتجاهات محددة تمثل اخلالا واضحا بسير العدالة. تعبئة الرأي العام وعمليات الشحن المستمر، جعلت الناس تعلي من سقف توقع الأحكام والتي تواجه رفضا واستنكارا ان هي قد حادت عن هذه التوقعات. ومن هنا تتحول المشكلة إلي اختراق واضح للعدالة يرفضه قضاء مصر الشامخ الذي يجب ان نذود جميعا عنه، لانه حصن الامان الوحيد لنا جميعا كمصريين. لقد تناسينا جميعا ان الذي كشف القضية هم قضاة اجلاء -وبعيدا عن التحقيقات التي تتم فيها - فان محاولة استغلال هذه القضية في زعزعة ثقة المواطنين باحكام القضاء تمثل محاولات استباقية في الاحكام التي سوف تصدرها المحاكم خلال الفترة القادمة، كما تمثل محاولة استباقية أيضا للتشكيك في نتائج أي انتخابات قادمة، وأقصد تحديدا انتخابات الرئاسة مستغلين في ذلك وجود القاضي الجليل المستشار عبدالمعز إبراهيم ضمن اللجنة المشرفة علي هذه الانتخابات. ان القضاة ليسوا ملائكة ويخضعون لاشد أنواع العقوبات في حالة ثبوت أي اتهامات موجهة لهم. ليس لهم حصانة أو عصمة سوي ثقة الشعب الكاملة فيهم، والتي يجب ان تبتعد تماما عن هذا المناخ المسموم والذي يمثل جزءا من مؤامرة كبري هدفها اسقاط مصر وشعبها. بقاء مصر سوف يرتبط بشموخ قضائها وقضاتها. قدرك يا رئيس الوزراء قلبي مع الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء وهو يسبح ضد التيار. تيار جارف يعصف بمصر وشعبها ويكاد يضرب في مقتل أي أمل أو رجاء في الوصول إلي بر الامان. لقد توقفت كثيرا أمام اللحظة التي قبل فيها الرجل رئاسة الحكومة في ظروف كانت بالغة القسوة والمرارة. وهي لحظة اعتقد انه قد توقف أيضا أمامها. وكان قراره بقبول المنصب بعيدا عن كل الحسابات الدقيقة والتي اجاد فنونها عبر تاريخه الوطني المشرف. فعندما يقبل قبطان الابحار بسفينة تهوي إلي قاع البحر فان قراره يمثل جزءا من الثقة الكبيرة في قدرته علي النجاح، والذي كان اهلا له طوال حياته. واعتقد ان أحد أكبر اخطائه عندما قبل التحدي الذي ينبع من حب وانتماء ووطنية هو انه لم يقل لنا الحقيقة، بل حاول تجميلها!! الأمل والثقة كانا دافعين لان يجمل لنا صورة اقتصادنا أو يخفي عنا الحقيقة المرة. وتحمل الرجل احاديث بعض الجهلاء ولم يتوقف ابدا أمامها، وبدأ في صبر وصمت إعادة تعويم سفينة وطن غارقة بعد عام كامل من حكومة تولاها بعض الهواة انفقوا خلالها رصيد سنين طويلة من الاحتياطي النقدي والذي كان قد تجاوز 63 مليارا من الدولارات، بالاضافة لتوقف كل منابع وموارد الدولة. الدكتور كمال الجنزوري لم يقدم لنا بيانا للحكومة كما يدعي البعض من الذين يطالبون بحجب الثقة عن حكومته، لأن حكومات تسيير الأعمال لا تقدم بيانات لقصر مدة عملها، ولقيامها بمهام محددة فقط، لكنه قدم رؤية سريعة للمستقبل غاب عنها الواقع الأليم والمر الذي رفض الافصاح عنه تجملا وتفاؤلا، والذي أطالبه بضرورة كشفه للمواطنين. يا دكتور جنزوري.. أعانك الله علينا.. فمصر قدرك الذي تحبه.