»فوق صفيح ساخن.. تعيش مصر الآن بسبب الاعتصامات والاحتجاجات والاضرابات، التي تنظمها فئات كثيرة اعتراضا علي الحال والمعيشة والغلاء! المعتصمون يمارسون الضغط باستمرار الاعتصام لحين تنفيذ مطالبهم كاملة وفي اسرع وقت، بينما تحاول الحكومة ارضاءهم بما يتناسب مع الظروف التي تمر بها البلاد! هذه الاعتصامات مستمرة بعد ثورة 52 يناير وحتي بعد مرور عام علي الثورة، آخرها اضرابات سائقي هيئة النقل العام لاسبوعين متتاليين حتي تسببوا في »وقف حال الناس«، واصيبت شوارع القاهرة بالشلل التام! سياسة »لي الذراع« مستمرة »كورقة ضغط« علي الحكومة في رفع الاجور او تحسين اوضاعهم الوظيفية، ضاربين عرض الحائط انهيار موازنة الدولة! واصبح الباب المفتوح والوحيد امام الحكومة الانتقالية هو السمع والطاعة لهذه المطالب خوفا من مليونية جمعة تطالب باقالتها! بين الضغط وفرض الرأي وخيانة الوطن.. تتعدد الاراء حول ظاهرة كثرة الاعتصامات والاضرابات، فهناك من يري انها ورقة جيدة للضغط علي الحكومة في هذا الوقت لتلبية طلبات المعتصمين، التي حلموا ان تتحقق في النظام السابق دون جدوي، وهناك من يري انها خيانة للوطن في ظل ازمة اقتصادية نعيشها ونحتاج فيها للتكاتف معا، للخروج من عنق الزجاجة. عن هذا الحال يقول د. صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والادارة ان قانون العاملين بالدولة لا يتضمن بندا يسمح للموظف العام بالاضراب، واضرابات موظفي الدولة تعد ظاهرة غير صحية لان هناك قنوات شرعية لعرض هذه المطالب دون الاضرار بمصالح المواطنين. ويستكمل النحاس ان هذه الاضرابات تهز كيان الجهاز الاداري للدولة ولذلك قبل ان يرفع هؤلاء سقف مطالبهم عليهم ان يوازنوا بين المطالب والموارد المتاحة لاحداث التوازن والتفكير في تكلفة هذه المطالب وطرق تدبيرها- وخاصة في هذه الظروف الحالية- مشيرا الي ان هناك مطالب قد تحتاج لتعديل تشريعي، وان جميعها ليس مشروعا، كما ان القرارات ليست من سلطات الوزير وحده. ويري النحاس ان مثل هذه الاضرابات باتت ورقة ضغط علي الحكومة ويستغلها البعض استغلالا يضر بالمصلحة العامة والتي يرفضها القانون المحلي والدولي ويمنعها، بل هناك عقوبات علي من يضر بالمصالح العامة للمجتمع. تدابير تدريجية ويشير رئيس الجهاز إلي ان رفع الاجور- علي سبيل المثال- يحتاج الي تدابير مادية من وزارة المالية ومعرفة مدي امكانية تحمل الوزارة تلك النفقات من عدمه، معترفا بوجود مشكلات حقيقية لهؤلاء العاملين ولكن من يريد الحصول علي كامل حقوقه عليه معرفة واجباته تجاه هذا الوطن. من ناحيتها تتفق معه في الرأي الدكتورة يمن الحماقي استاذ الاقتصاد بتجارة عين شمس، قائلة اننا وصلنا لمرحلة في منتهي الخطورة في الوقت الذي تئن فيه موازنة الدولة من اعباء مالية كبيرة، وما يشبه بجفاف في موارد الدولة بسبب هذه الاحتجاجات.. وتراجع الاستثمارات وضعف الموارد المتاحة. خيانة الوطن وتشير د. الحماقي الي ان البعض يعتقد ان الوقت الحالي هو انسب الاوقات لاخذ الحق، ولكن بطرق غير مشروعة، فهناك عدم احساس بالمسئولية الوطنية، في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة من العجز وامامها تحديات اقتصادية مرعبة- علي حد قولها- ايضا فهي تصف هذه السلوكيات بخيانة الوطن في الوقت الذي يحتاج فيه لتكاتف الجميع لدفع عجلة الانتاج والخروج من هذه الازمة.. وتؤكد استاذ الاقتصاد ان الهدوء والتريث في الحصول علي الحقوق، هو افضل السبل حاليا لان المرحلة القادمة ستحمل الخيرات للجميع ونتائجها مبشرة، اما في حالة الاستمرار في هذه الاعتصامات فستقع الدولة ونحن معها. وتضيف ان من يطالب بزيادة المرتبات وتحسين الاوضاع الوظيفية عليه ان يفكر في واجباته الانتاجية وهل تساوي مطالبه ام لا؟ ولكن هناك من يفكر في مصالحه الخاصة ولا يبالي بالمصلحة العامة التي نحن تحت ظلالها جميعا دون تفرقة. هروب الاستثمارات وتوضح د. يمن الحماقي ان مثل هذه السلوكيات الغريبة علي طبيعة المجتمع المصري تساهم في هروب الاستثمارات الاجنبية من السوق المحلي، وهي بمثابة رسالة سلبية للمستثمر، فيخشي ان يضع رأس ماله في مشروع ما ثم يتعرض بعد ذلك لخسائر واضرار كبيرة بسبب توقف العمل او اضراب العاملين به، وهي رسالة لا تبشر لاي مستثمر بالخير اطلاقا. وتطالب بضرورة زيادة وعي المواطنين بحجم المشكلة والضغوط الاقتصادية التي نمر بها حاليا، وعلي النقابات ان تلعب دورا محوريا في امتصاص هذا الغضب، وايضا علي الحكومة ان تطبق القوانين بحزم شديد والتعامل بشدة مع ما يتعارض ومصلحة الوطن لوقف نزيف الخسارة التي نتكبدها يوما بعد الآخر. حق شرعي اما الرأي القانوني لهذه الظاهرة يقول المستشار علاء قطب نائب رئيس مجلس الدولة ان الاضراب عن العمل حق من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المكفولة دوليا، وتلتزم الحكومات بعدم حظر هذا الحق الشرعي الا ان هناك حظراً للاضراب في المنشآت الاستراتيجية والحيوية، والتي يترتب عليها توقف العمل فيما يتعلق بالإخلال بالامن القومي وخدمات المواطنين الاساسية. ويضيف ان الاضراب من وسائل الضغط التي يلجأ اليها العمال في حال التعسف ضدهم وحرمانهم من بعض الامتيازات المهنية، وقد كان شكلا من اشكال الاحتجاج قبل الثورة، ولكنه تزايد بعدها وتطور الي قطع الطرق وتعطيل العمل مما يهدد الامن القومي للدولة. وبالنسبة لعقوبات هذا الاضراب، يفسره قطب بانه حق واجب التنظيم، واذا خرج عن الاطار الشرعي له فهو يعاقب عليه جنائيا، ويعد تعطيل المرافق العامة من اعمال البلطجة مما اثار بعض نواب الشعب للمناداة بتشديد العقوبات عليها، وهنا يجب التفرقة بين الاعتصام السلمي المنظم وبين غلق الطرق وتعطيل المواصلات العامة والاسعاف ونقل المواد الغذائية وهو شكل من اشكال الفوضي، وليس رفضا لاوضاع خاطئة. إعلان الإضراب ويستكمل المستشار قطب قائلا: ان المادة 291 من قانون العمل 21 لسنة 3002 تنص علي ان للعمال حق الاضراب السلمي ويكون اعلانه وتنظيمه من خلال منظماتهم النقابية، دفاعا عن مصالحهم المهنية، وفي نفس الوقت نصت المادة 491 من نفس القانون علي حظر الاضراب او الدعوة اليه في المنشآت الحيوية التي يترتب عليها توقف العمل وتعطيل مصالح المواطنين، وفي حال مخالفة ذلك يقع العامل تحت طائلة الجزاء التأديبي، ويكون للمشرع الحق في التصرف بما جاء بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. ومن ناحية اخري صدر المرسوم بقانون رقم 43 لسنة 1102 بتجريم الاعتداء علي حرية العمل وتخريب المنشآت وتجريم تعطيل واعاقة احدي مؤسسات الدولة عن اداء عملها، وهو نفس الوضع للعاملين المدنيين بالدولة حيث يحظر عليهم تعطيل مصالح المواطنين.. ويري قطب ضرورة تصدي البرلمان لهذه الظاهرة من خلال تشريع جديد يحقق التوازن بين ممارسة حقوق الاعتصام ومبدأ سير المرافق العامة وضمان وصول الخدمات للمواطنين، وحظر جميع صور قطع الطريق وتهديد أمن البلاد.