ممتاز القط أعتقد أن أهم المواصفات المطلوبة في رئيس الجمهورية القادم هي في مدي قدرته علي القضاء علي حالة الانفلات والفوضي والتسيب التي تسود أرجاء مصر كلها. وقراءة متأنية لبرامج المرشحين للرئاسة تؤكد بالفعل غياب هذا العنصر المهم، فقد اقتصرت كل البرامج علي بديهيات وكلام مرسل لا يخرج في قليل أو كثير عن أبجديات تدور كلها حول حلول تقليدية لمشاكل مصر المزمنة. ساهم في ضبابية الموقف عدم وجود أي معالم واضحة لاختصاصات الرئيس المنتظر، والتي سوف تتضح بعد موافقة الشعب علي الدستور الجديد الذي يمر اليوم بمرحلة الولادة المتعسرة. وأخشي ما أخشاه ان تؤدي هذه الولادة إلي موت الجنين، وربما الأم، لينتهي الموقف بدراما ضرب الطبيب وتدمير المستشفي والذي سيكون في هذه الحالة وطنا كاملا. لا أستطيع أن أخفي مخاوفي الشديدة، ولا أستطيع ان أتجمل بكلماتي وأنا أرصد عن قرب كل الارهاصات والأسباب التي تزيد من قلقي علي مستقبل مصر، وقدرتنا علي أن نحقق كل الأهداف النبيلة والشريفة التي ولدت من رحم الشعب المصري كله يوم الخامس والعشرين من يناير. وإذا كان التاريخ المعاصر يرصد عن قرب بعض تجارب الدول التي حققت طفرات اقتصادية واجتماعية وسياسية خلال المرحلة الماضية، فإنه عادة ما يشير إلي القدوة والزعامة التي كانت القوة الكامنة في هذه التجارب. مثال لذلك ما حققه مهاتير محمد في بلاده، أو ما حققته كوريا الجنوبية أو البرازيل والتي حمل لواء القيادة فيها قادة امتلكوا الإلهام والبصيرة. غير انني في الحقيقة لا أميل كثيرا إلي مدي التأثير الذي يحدثه هؤلاء دون أن نعطي الحق الكامل للشعوب، والتي أثق انها صاحبة الفضل الأول والأخير فيما حققته بلادهم. مصر قد تكون في حاجة إلي رئيس ملهم يملك الأفق والبصيرة والقوة والقدرة علي مواجهة كل التحديات. لكنها في حاجة قبل ذلك إلي وحدة وصلابة وإيمان شعب بأكمله. لسنا في حاجة أبدا إلي قائد مثل مهاتير محمد، بقدر حاجتنا إلي شعب مثل شعب مهاتير محمد!! شعب لم تتناحره الرؤي والأفكار المشتتة ومحاولات استعراض العضلات والقوة. شعب مثل شعب مهاتير محمد لم تتنازعه وتمزقه حمي الكلام المرسل ولغة الضجيج، ومحاولات الانتقام والثأر من ماض يجب أن تطوي صفحته تماما إن كنا بالفعل ننشد الغد الجديد. شعب لا تلجأ نخبته إلي نفاق رخيص لشباب الثورة. علي حين تعبث آياديهم الخفية لتشتيت رؤاهم وأفكارهم. لا أبالغ عندما أقول ان في سباق الرئاسة حتي الآن رموزا وطنية تستحق كل التقدير والاحترام، وتستطيع بالفعل ان تعتلي هذا المنصب الحيوي والحساس، ولكن ليس الآن!! مازلت أعتقد ان الرئيس الذي تحتاجه مصر لم يظهر حتي اليوم، وأسبابي لذلك كثيرة!! إن نظرة متفحصة ومتأنية علي مصر كفيلة بأن تحدد بعضا وليس كل هذه الأسباب. يأتي علي رأسها التغيير الكبير الذي حدث في سلوك المصريين واختفاء شبح الخوف والرهبة وهو ان كان من الأمور الايجابية إلا انه في أحيان كثيرة قد تحول إلي سلوك عدواني واسقاط متعمد لهيبة الدولة ولسيادة القانون. فسيادة القانون تنتهك اليوم في أبشع صورها، سواء بالاعتداء الآثم علي بعض القضاة ومنعهم من ممارسة أعمالهم ومحاولة القتل المتعمد لضمائرهم في كل القضايا المعروضة أمامهم، من خلال التعرض للأحكام، بل التعرض للقضايا المنظورة أمام المحاكم أو لاتزال في دور التحقيقات. أو محاولات جر القضاء المصري إلي ألاعيب السياسة والتأثير علي الصورة الناصعة لقضاء مصر الشامخ في نفوس المواطنين. أسباب نراها في محاولات التدخل السافر في عمل جهاز الشرطة، والقضاء علي البقية الباقية من هيبتها في نفوس المواطنين وعدم الاحترام في التعامل معها، ومحاولات كسر العظام التي تمارسها بعض القوي السياسية ونواب الشعب ضدها. أسباب نراها في تهلهل الخدمات والمرافق والانهيار الكامل لها. نراها في تلال القمامة والموت المروري الذي تعيشه كل طرق مصر. نراها في الأيدي المرتعشة التي تحكم عقلية غالبية المسئولين الذين يتهددهم جميعا الخوف من المجهول. أسباب نراها في حالة التفكك والتشكك ولغة التخوين بين المصريين. نراها في تحديات تتربص بأمن مصر وسيادتها علي كل حدودها. نراها في قطيعة ترتدي ثوب الحياء والخجل في تعاملاتنا مع العديد من دول العالم عربية وأجنبية. نراها في حمي لا توجد لها أي تحصينات أو لقاحات، وهي حمي المطالب الفئوية ونفاد ما تبقي من احتياطي مصر. أسباب نراها في هروب مستمر لحركة الاستثمار وحرب انتقامية ضد حكومة الدكتور كمال الجنزوري التي سوف تدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لأنها تحملت ما لا يطيقه بشر من أجل انقاذ مصر. نراها في تفشي أعمال البلطجة والتحدي السافر للقانون. أسبابي كثيرة في أننا في حاجة إلي رئيس استثنائي يملك القوة والقدرة علي أن يوقف بسيف القانون مجتمعا يتجه كله إلي الانتحار الجماعي. رئيس يعرف لغة الضبط والربط، ولديه إلمام كامل بمواجع أنين الوطن. رئيس استثنائي يكون قادرا علي صياغة علاقة تكامل وليست تناحر بين المؤسسة العسكرية والادارة المدنية وكما قلت من قبل نحتاج رئيسا يملك قوة وعدل عمر بن الخطاب ويملك أيضا خاتم سليمان. نحتاج رئيسا لا يبدأ من أول السطر!!