الأرمل والارملة هو من مات عنه زوجه، أي بقي احد الزوجين ومات صاحبه، فهو أرمل وهي أرملة، وسمي من مات عنه زوجة كذلك إما لسرعة الفراق عنه حيث أرمل الميت الحي أي كان الاسرع الي الموت، من الرمل بمعني الهرولة، واما لصيروة الحي من الزوجين فقيرا ومحتاجا بموت صاحبه من قولك أرمل المكان، أي صار ذا رمل، وأرمل فلان أي نفد زاده وافتقر.. وتختص المرأة الارملة عن الرجل الارمل بأحكام شرعية من أهمها: العدة، وهي اسم للمدة التي تتربصها بدون زواج تعبدا أو تفجعا علي زوجها الذي مات عنها. وقد أجمع الفقهاء علي وجوب تلك العدة علي الارملة سواء مات عنها زوجها بعد الدخول أو قبله وأجمعوا علي ان مدة تلك العدة أربعة أشهر وعشرة أيام اذا لم تكن حاملا لظاهر قوله تعالي: »والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا« البقرة: 432 اما اذا مات عنها زوجها وهي حامل فالجمهور علي ان عدتها بوضع الحمل لعموم قوله تعالي: »وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن« (الطلاق: 4)، ولما أخرجه الشيخان من حديث سبيعة الاسلمية أنها نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت الي النبي »صلي الله عليه وسلم« فاستأذنته ان تنكح فأذن لها فنكحت.. وفي رواية للبخاري، أنها وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة. وفي رواية لاحمد والطبراني والنسائي: أنها وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين ليلة، وفي رواية للطبراني وابن ماجه: أنها وضعت بعد وفاة زوجها بخمس وعشرين فتهيأت تطلب الخير، فمر بها ابو السنابل بن بعكك فقال: قد اسرعت، اعتدي آخر الاجلين أربعة أشهر وعشرا. فأتت النبي »صلي الله عليه وسلم تقول: يا رسول الله، استغفر لي.. قال: »وفيم ذلك« فأخبرته.. فقال: »إن وجدت زوجا صالحا فتزوجي«. وذهب الامام علي وابن عباس في احدي الروايتين عنه وابن ابي ليلي وسحنون من المالكية الي ان الحامل المتوفي عنها زوجها تعتد بابعد الاجلين: وضع الحمل أو مضي أربعة اشهر وعشرة ايام، اعمالا للدليلين. واختلف الفقهاء في تحديد البيت الذي تقيم فيه الارملة تعبدا، بمعني هل يجب عليها قضاء عدتها في بيت معين أم يجوز لها ان تقضي عدتها في أي البيوت شاءت، والمقصود بالبيت مكان المبيت وليس محل الحبس مدة العدة، لان من حق الارملة بالاجماع ان تخرج لقضاء حوائجها ومصالحها علي ان تعود الي مأواها وهو البيت، فقد أخرج البيهقي وعبدالرزاق عن مجاهد قال: استشهد رجال يوم احد فأقام نساؤهم وكن متجاورات في دار فجئن النبي صلي الله عليه وسلم، فقلن: يارسول الله انا نستوحش بالليل فنبيت عند احدانا، فاذا اصبحنا تبدرنا الي بيوتنا؟.. فقال النبي صلي الله عليه وسلم »تحدثن عند احداكن ما بدا لكن فاذا اردتن النوم فلتؤوب كل امرأة منكن الي بيتها«.. واخرج البيهقي وعبدالرزاق عن علقمة ان نساء من همدان نعي لهن أزواجهن، فسألن ابن مسعود رضي الله عنه، فقلن.. إنا نستوحش.. فأمرهن ان يجتمعن بالنهار فإذا كان الليل فلترجع كل امرأة الي بيتها. ويمكن اجمال أقوال الفقهاء في تحديد بيت معين تقضي الارملة عدتها فيه، في ثلاثة مذاهب: المذهب الاول: يري انه يجب علي الارملة ان تقضي عدتها في بيت الزوجية حصريا، وهو البيت الذي كانت تسكنه قبل مفارقة زوجها وقبل موته، أو عندما بلغها خبر موته. فإذا كانت في زيارة أهلها أو غير ذلك، فبلغها خبر موته وجب عليها العود الي منزلها الذي كانت تسكن فيه للاعتداد فيه، واذا خرجت الارملة لقضاء مصالحها وجب عليها العود ليلا للمبيت في بيت الزوجية مدة العدة تعبدا. وهو مذهب جمهور الفقهاء، وهو ما عليه الائمة في المذاهب الاربعة المشهورة، وروي عن اكثر الصحابة والتابعين.. وحجتهم. 1 ان الله تعالي نهي عن اخراج المرأة أو خروجها من بيتها في العدة مطلقا، فقال سبحانه: »يا أيها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه« الطلاق: 1.. قالوا: وبيت المرأة هو الذي كانت تسكن فيه قبل مفارقة زوجها أو موته، وهذه الآية في المطلقة عموما سواء كان الطلاق رجعيا او بائنا، والمتوفي عنها زوجها في حكم البائن. ويدل علي عموم هذه الآية الكريمة في البائن ما اخرجه مسلم عن أبي اسحاق قال: كنت مع الاسود بن يزيد جالسا في المسجد الاعظم ومعنا الشعبي، فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس ان رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يجعل لها سكني ولا نفقة، ثم اخذ الاسود كفًا من حصي فحصبه به، فقال: ويلك تحدث بمثل هذا؟.. قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلي الله عليه وسلم لقول امرأة لعلها حفظت او نسيت لها السكني والنفقة قال الله عز وجل: »لا تخرجوهن من بيوتهن ولايخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة« الطلاق: 1«، وفي رواية للنسائي: قال عمر: ان جئت بشاهدين يشهدان انهما سمعاه من رسول الله صلي الله عليه وسلم- والا لم نترك كتاب الله لقول امرأة. 2- ما اخرجه مالك في موطنه بسند فيه مقال واخرجه الترمذي وقال حسن صحيح، ان الفريعة بنت مالك بن سنان، وهي اخت ابي سعيد الخدري جاءت الي رسول الله صلي الله عليه وسلم تسأله ان ترجع الي اهلها في بني خدرة، فان زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا- اي هربوا- حتي اذا كانوا بطرف القدوم- قال ابن الاثير: بالفتح والتشديد اسم موضع علي ستة اميال من المدينة- لحقهم فقتلوه قالت: فسألت رسول الله صلي الله عليه وسلم ان ارجع الي اهلي في بني خدرة فان زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة.. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم »نعم«.. قالت: فانصرفت حتي اذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلي الله عليه وسلم- او امر بي فنوديت له- فقال: »كيف قلت؟«.. قلت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي.. فقال: »امكثي في بيتك حتي يبلغ الكتاب اجله«.. قالت: فأعددت فيه اربعة اشهر وعشرا.. قالت: فلما كان عثمان بن عفان ارسل الي فسألني عن ذلك؟.. فأخبرته فأتبعه وقضي به. 3- ان كثيرا من الصحابة والتابعين منع الارملة في عدتها من التنقل والمبيت خارج بيت الزوجية، وهم لا يقولون ذلك الا عن توقيف لحسن الظن بهم، ومنهم عمر وعبدالله بن عمر وعثمان وابن مسعود وغيرهم. واخرج عبدالرازق ان عمر بن الخطاب ارخص للمتوفي عنها زوجها ان تبيت عند ابيها وهو وجع ليلة واحدة. وللحديث بقية بإذن الله