مجدي عبد العزيز تلقيت في الأسبوع الماضي خطاباً رقيقاً من الأستاذ حلمي عبدالجواد عبداللطيف المدير الأسبق بالسيرك القومي في عصره الذهبي يتحدث فيه عن ذكرياته مع د. ثروت عكاشة أعظم وزير ثقافة شهدته مصر مع قيام ثورة يوليو 2591 حيث ارتبط اسمه بإنشاء مشروعات ثقافية عملاقة حملت مشاعل التنوير للدنيا كلها وكان من أهمها الصوت والضوء وأكاديمية الفنون والثقافة الجماهيرية والسيرك القومي وهي منارات مضيئة حتي الآن تحمل اسم هذا الرجل القدير الذي فقدناه منذ أيام بعد حياة حافلة بالعطاء الثقافي والإنساني سوف يظل خالداً علي مر الأجيال. ويكشف عمنا حلمي عبدالجواد في خطابه عن قصة إنشاء السيرك القومي في عهد د. ثروت عكاشة بعد أن لاحظ تجاهل معظم أصحاب الأقلام التي تحدثت عنه الحديث عن مشروع السيرك وكأنه لم يكن من المشروعات العملاقة التي ارتبطت باسم هذا الوزير العملاق الذي ساهم ايضا من خلال اتفاقه مع اليونسكو ف مشروع انقاذ اثار النوبة اثناء مراحل بناء السد العالي . وتقول سطور الخطاب الذي جاء بمثابة شهادة للتاريخ عن الراحل العظيم إنه في أوائل الستينيات قام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بزيارة ما كان يسمي آنذاك بالاتحاد السوفيتي واصطحب معه د. ثروت عكاشة وزير الثقافة وكان ضمن البرنامج الرسمي للزيارة حضوره لحفل داخل السيرك القومي الروسي وقد أعجب عبدالناصر بالمستوي المبهر للسيرك وطلب من د. عكاشة أن يتضمن الاتفاق الثقافي مع الروس إرسال خبراء في السيرك لإنشاء خيمة للسيرك في القاهرة ويخضع لإشراف وزارة الثقافة مؤكداً أن مصر بها خبرات هائلة في هذا المجال وقادرة علي أن تمتلك سيركاً عالمياً لا يقل عن الروس. ويضيف حلمي عبدالجواد أنه كان شاهد عيان علي مراحل تنفيذ هذا المشروع حيث كان يعمل بمكتب الراحل عبدالمنعم الصاوي وكيل وزارة الثقافة في ذلك الوقت وكان مقرها آنذاك في قصر عابدين حيث جاء إلي القاهرة الخبير الروسي »مايسترنكو« وتم تشكيل لجنة ثلاثية لمرافقته كانت تضم كلا من الفنان أحمد سالم والفنان عبدالغني أبو العينين وحلمي عبدالجواد صاحب هذا الخطاب وهؤلاء كانوا من أعمدة وزارة الثقافة خلال تلك الفترة حيث قاموا باصطحاب الخبير الروسي لزيارة أكبر وأعرق عائلتين في مصر تعملان في مجال السيرك وهما »الحلو« و»عاكف« لاختيار العناصر الفنية من أصحاب المواهب لتدريبها كنواة لإنشاء السيرك المصري. ويواصل حلمي عبدالجواد سرد ذكرياته مع الراحل د. ثروت عكاشة ويؤكد أنه أي د. عكاشة قد قام بنفسه بالإشراف علي إنشاء مركز تدريب لاعبي السيرك من المصريين داخل حديقة قصر عابدين واستمرت لمدة أربع سنوات إلي أن تم تجهيز أرض وخيمة السيرك القومي في العجوزة والتي لاتزال في مكانها حتي الآن وقد قام الزعيم الخالد جمال عبدالناصر في 21 يناير عام 6691 بافتتاح هذا الصرح الفني الكبير في مظاهرة ثقافية وإعلامية شهدها العالم كله علي الهواء مباشرة ثم أصبحت عروض هذا السيرك مع فرقتي رضا والقومية للفنون الشعبية خير سفير لمصر في الخارج. وتنتهي سطور تلك الرسالة التي حملت كل معاني التقدير والوفاء لسيرة رجل عظيم رحل عن عالمنا خلال الأيام الماضية وهو قيمة ثقافية وإنسانية أثرت حياتنا علي مدي سنوات طويلة بمؤلفات ومراجع وكتب علي مستوي فني عال حملت توقيع ابن مصر البار د. ثروت عكاشة أحد أهم فرسان عصر التنوير في بلادنا منذ خمسينيات القرن الماضي وحتي رحيله عن دنيانا في هذا العام ومهما تحدثنا عن مشروعاته وإنجازاته في مجال العمل الثقافي لن نوفيه حقه من التكريم والحفاوة والتقدير وحسبنا أنه من جيل المبدعين الكبار الذين يعيشون بإبداعاتهم داخل ضمير أمتهم حتي قيام الساعة وهو التقدير الحقيقي والفعلي لذكراه التي لن تنسي أبداً.