العسكري ساند الثورة والثوار .. وحاكم مبارك ورموز نظامه شاءت الأقدار أن يظل مبارك متربعاً علي عرش مصر ثلاثين عاماً .. تعرض خلالها لمحاولات اغتيال داخلية وخارجية، ولكنه نجا منها جميعاً، ورغم حرصه علي تأمين نفسه بجهاز أمني قوي قوامه أكثر من 1.3 مليون ضابط وصف ومجند إلا أن شباب مصر وشعبها أجبروه علي التنحي عن الرئاسه، في 18 يوماً فقط وهم عزل لايملكون سلاحاً أو سلطة إنما كانوا يملكون إرادة التغيير .. وإذا الشعب يوماً أراد فلابد يتحقق له ما يريد.. وقد تحقق. وشاءت الأقدار أيضاً أن يمر اليوم عام كامل علي تنحي مبارك .. ومعه قرار برلماني أو توصية بنقل مبارك من المركز الطبي العالمي إلي مستشفي السجن في طرة، وما بين التنحي عن العرش وصولاً إلي " البورش" في طرة .. رحلة عمرها عام كان هو الأسعد بالنسبة للمصريين ولكنه الأسوأ في حياة مبارك وعائلته علي الاطلاق .. في بداية العام .. خرج الشعب المصري إلي الميادين في 25 يناير 2011 ينادي ب " جملة " واحدة وهي "الشعب يريد اسقاط النظام" .. حاول مبارك بخطاباته المطولة أن يستقطب الشعب، ويخيفه من المستقبل الغامض، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، بل وتسببت خطاباته في استفزاز الشعب أكثر وأكثر، كما حاولت أجهزة الأمن وفشلت، وأشاعت الفوضي وفشلت وكل يوم كان عدد المتظاهرين يزداد، وازداد يقين الشعب بامكانية حدوث التغيير بعد ظهور شعار " الشعب والجيش .. ايد واحدة" .. وبعد 18 يوم فقط خرج عمر سليمان نائب الرئيس وقتها ليعلن تنحي مبارك وتكليفه للقوات المسلحة بادارة شئون البلاد خرج يومها وليلتها متظاهرو التحرير وكل ميادين المحروسة في مسيرات احتفالية ليؤكدوا للعالم قدرتهم علي تحقيق أهدافهم، في وقت فشلت فيه جميع أجهزة المخابرات في العالم في التنبؤ بامكانية حدوث ذلك .. لم ينفع مبارك وقتها قواته الأمنية المتمثلة في جهاز حبيب العادلي، ولم تشفع له علاقاته الدوليه وجميعهم "خانوه" لأنهم تيقنوا من انتصار الشعب علي النظام . إيد واحدة وبدأت مسيرة الشعب والجيش تحت شعار ايد واحدة في بناء مصر الجديدة .. وفي نفس الوقت بدأت محاولات فلول النظام في تنظيم ثورة مضادة لاجهاض ثورة الشعب المجيدة، ولازالت هذه المحاولات مستمرة إلي الآن ولكن المجلس العسكري بدأ المواجهة مبكراً في 12 فبراير 2011 باصدار قرار بحل مجلسي الشعب والشوري في ضربة موجعة لرموز الحزب الوطني الذي زور انتخابات 2010 وهي التي كانت المسمار الأخير في نعش حكم مبارك، وأتبع المجلس العسكري قراره بقرار آخر أكثر أهمية أصدره في 9 مارس 2011 بالتحفظ علي كافة مقار الحزب الوطني واسترداد كافة أصوله، وكان ذلك قبل أن تصدر المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة حكماً نهائياً بحل الحزب الوطني في 16 ابريل الماضي وتصفية جميع أمواله وممتلكاته هذه القرارات كانت البداية لمجموعة قرارات حولت حياة الرئيس السابق إلي جحيم .. فمع نهاية شهر مارس من العام الماضي بدأت السلطات القضائية في اتخاذ اجراءات فورية ضد الرئيس السابق وأفراد أسرته و18 من كبار المسئولين في نظامه الذي أسقطه الشعب لجنة التحقيق وفي 5 ابريل الماضي قرر المجلس الأعلي للقوات المسلحة تشكيل لجنة قضائية للتحقيق في بلاغات ضد الرئيس السابق وعائلته بشأن امتلاكهم لعقارات ومنقولات وحسابات بنكية خارج مصر، ورأس اللجنة المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع وبعد 7 أيام فقط وتحديداً في 13 ابريل وقعت الكارثة بالنسبة للرئيس السابق حيث أصدر النائب العام قراراً بحبس كل من الرئيس المخلوع ونجليه جمال وعلاء احتياطياً علي ذمة التحقيقات في قضيتي قتل المتظاهرين والفساد المالي، وفي 12 مايو بدأ جهاز الكسب غير المشروع أولي جلسات التحقيق مع الرئيس السابق وزوجته في شرم الشيخ، حيث كان مبارك يقضي حبسه الاحتياطي وتتوالي الكوارث فوق رأس مبارك .. ففي 24 مايو تم إحالة مبارك إلي المحاكمة لدوره في قتل المتظاهرين وجرائم أخري قد تصل عقوبتها إلي الاعدام لو ثبتت عليه المحكمة ع الهوا وفي 3 أغسطس وعلي الهواء مباشرة وفي حدث تاريخي لم يشهد العالم كله مثيلاً له بدأت أولي جلسات محاكمة مبارك ونجليه علاء وجمال ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، كانت علانية الجلسة وما تلاها كفيلة بازالة الشكوك من صدور الجميع حول سماح المجلس العسكري بوضع قائده الأعلي في السنوات السابقة في قفص الاتهام، ولاتزال اجراءات وجلسات محاكمة هؤلاء تتم حتي اليوم وحتي لايتعلل الرئيس السابق ورموز نظامه بعدم وجود تشريع يحاكم الموظف العام سياسياً، فقد ضغطت القوي الشعبية علي الحكومة، حتي تحقق لها ما أرادت وفي 17 فع أغسطس وافق مجلس الوزراء علي التعديلات التشريعية، لقانون الغدر وتم رفعه للمجلس الأعلي للموافقة عليه واعتماده، وفي 21 نوفمبر الماضي وخلال أحداث شارع محمد محمود صدر قانون افساد الحياة السياسية والذي يقضي بمعاقبة كل من يعمل عملاً من شأنه التسبب في افساد الحكم أو الحياة السياسية واستمرت جلسات محاكمة مبارك بعد هذا القانون، وكل يوم يمر تنخفض الروح المعنوية لمبارك وانصاره وترتفع الروح المعنوية للثوار والشباب وكافة أفراد الشعب وجاءت انتخابات مجلس الشعب التي شارك فيها 30 مليون مواطن لتؤكد أن الشعب المصري بدأ يخطو أولي خطواته علي طريق الديمقراطية اليوم .. يمضي عام كامل علي تنحي مبارك وغدأ تبدأ مصر عامأً جديدا ستشهد أسابيعه الأولي ولأول مرة منذ عهد الفراعنة اختيار مصر لرئيسها عن طريق الانتخاب الحر المباشر. وسيسلم المجلس العسكري البلاد له في نهاية يونيو المقبل أي بعد 4 شهور من الآن لتبدأ مصر مسيرتها مع الديمقراطية الحقيقية