أصاب المشير طنطاوي.. فلا اعتقد ان احداً في مصر كلها لم يثلج صدره نبأ اختيار الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء الاسبق وتكليفه بتشكيل حكومة الإنقاذ الجديدة في تلك الفترة العصيبة من تاريخ مصر. والاختيار في حد ذاته يتضمن عديداً من المعاني التي تؤكد كلها انحياز المجلس الاعلي للقوات المسلحة برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي لنبض المواطن المصري. وقبول التكليف يؤكد من جديد معادن رجال قدموا اروع النماذج في الانتماء والوطنية المجردة. وأعرف عن يقين ان الدكتور كمال الجنزوري رفض تولي أي مهام أو مناصب خارج مصر بعد تركه للحكومة رغم كل ما حملته من اغراءات وهو رئيس الوزراء الوحيد الذي لم تسند له اي مهام أو اعمال داخل مصر بعد تركه الحكومة. لقد استطاع الدكتور كمال الجنزوري خلال فترة رئاسته للحكومة ان يكسب رصيدا من المحبة والاحترام والتقدير والذي جاء من واقع عطاء وجهد دءوب بذله الرجل من اجل إنصاف المواطن المصري البسيط لايمانه الكامل بمبدأ وضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقق في عهده اكبر حركة لإنصاف العاملين بالجهاز الاداري للدولة وتطوير جميع الخدمات التي توجه للمواطنين خاصة غير القادرين كما بدأ سلسلة كبيرة من المشروعات العملاقة التي واجهت صعوبات كبيرة بعد تركه للحكومة. قاد الدكتور كمال الجنزوري معركة شرسة لتصويب عمليات الخصخصة ووضع شروطاً وضوابط صارمة تضمن تحقيق الاهداف المنشودة منها في توسيع الملكية وتطوير الادارة والاداء، والحفاظ علي حقوق العاملين. وكان الرجل بايمان عميق ووطنية مجردة يعرف انه يسبح ضد التيار لانه وضع لنفسه في البداية خطاً لا يحيد عنه وهو مصلحة المصريين وقناعته الشخصية بأي عمل او مهمة تسند اليه أو تُطلَب منه. وقد تعددت الصدامات والخلافات بين الدكتور الجنزوري والنظام السابق لكن الرجل استطاع رغم الصعوبات ورغم كل »العكوسات« ان يحقق طفرة في اقتصاد مصر وكان كل نجاح جديد يحققه يعني قرب انتهاء مهمته كرئيس للوزراء!! وانتهي الامر بتركه للحكومة ليصيب الشارع المصري كله بدرجة من الصدمة والاحباط لم يعرفها من قبل. رصيد الحب والتقدير ظل يلاحق الرجل في كل مكان يذهب اليه وفي أحد الاحتفالات الكبري التي حضرها الرئيس السابق دوت بالقاعة عاصفة من التصفيق والهتاف الحاد باسمه عندما دخل الدكتور كمال الجنزوري للقاعة وتكرر ذلك في العديد من المناسبات وأدي ذلك إلي اغفال اسمه في بعض الدعوات التي تلت ذلك. لقد عملت عن قرب مع الرجل خلال تغطيتي الصحفية لمجلس الوزراء. تعرفت فيها علي شخصيته وسلوكه واعتزازه بنفسه. وتابعت طريقة الاداء والانضباط الشديد الذي سرعان ما اصبح سمة مميزة داخل مجلس الوزراء كله. اختيار الدكتور الجنزوري يؤكد أن مصر بالفعل سوف تمضي علي الطريق الصحيح. فالرجل رغم تركه للعمل كرئيس للوزراء إلا أنه كان حريصا علي المتابعة الدقيقة لحقائق الاقتصاد المصري. حقائق تجعل مهمة الرجل نوعا من العمل الفدائي لتصويب مسيرة اقتصاد متهالك عصفت به نظريات وتجارب وأهواء كادت تهوي بسفينة الوطن. وأثق أن الدكتور كمال الجنزوري قادر علي أن يعيد دفة الاقتصاد ومصر كلها نحو تحقيق أحد أهداف ثورة 52 يناير وهو تحقيق العدالة الاجتماعية. فقط امنحوا الرجل فرصة للعمل والانجاز. ألمح المشير محمد حسين طنطاوي إلي إمكانية إجراء استفتاء حول استمرار المجلس العسكري في تأدية عمله بإدارة أمور البلاد خلال الفترة الانتقالية الحالية. إن الاستفتاء قد يكون رداً عملياً علي المزايدين والمتاجرين بمستقبل مصر لكنه في نفس الوقت قد يعني قبولا بمنطق أعوج تحاول بعض القوي السياسية فرضه علي أرض الواقع رغم كل ما يحمله من زيف وكذب وبهتان. منطق يهدف إلي دفع البلاد إلي مستنقع الفوضي وتمزيق أوصال الوطن. ونخطئ كثيرا عندما ننساق وراء المحاولات المضللة لمصادرة رأي الأغلبية الساحقة للمصريين. ولا أبالغ عندما أقول انها تثق ثقة عمياء في قواتها المسلحة والدور الهام الذي يقوم به المجلس الأعلي للقوات المسلحة بكل رجالاته الشرفاء، وعلي رأسهم المشير طنطاوي. أغلبية تدرك عن يقين أن المجلس قد تحمل اعباء كثيرة وتعرض لمزايدات رخيصة كانت وطنية رجاله جبالا من الصبر أمام حملات التشكيك ومحاولات الوقيعة التي يقوم بها من باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان والذين لم يقدموا للثورة سوي نعيق حناجرهم. ويخطئ كثيرا من يعتقد ان نجاح ثورة 52 يناير كان من الممكن ان يتم دون الدعم والمساندة والتأييد الذي قدمته قواتنا المسلحة والتي انحازت تماما لرغبة الشعب. كان موقف المشير طنطاوي والقوات المسلحة هو النقطة الحاسمة والفاصلة والتي لا يجب بأي حال من الأحوال اغفالها عند مناقشة أي تصورات خاصة بمستقبل مصر وكيفية الخروج من مستنقع الفوضي الذي نتجه إليه. نعم نحن نجتاز أزمة حقيقية وقد كشفت أحداث ميدان التحرير الأخيرة عن حقيقة أبعادها وضرورة إعادة الحسابات من جديد وقبل ان تتحول هذه الأزمة إلي واقع مر سوف ندفع جميعا ثمنا باهظا له والذي سوف تمتد آثاره لكل أجيالنا القادمة. لقد دمعت عيوننا جميعا ونحن نري شبابا في عمر الزهور يدفعون دماءهم من أجل حرية وكرامة أوطاننا. تملكنا الغضب الشديد والاستياء من آلة البطش والقتل العمياء التي حصدت أرواحهم الزكية في لحظات سادها الهرج والمرج وحملات البلبلة والتشكيك التي بثت سمومها في أوصال وطن كاد يئن ويبكي، والتي نطالب بسرعة القصاص ممن قاموا بها. تملكنا الغضب من هؤلاء القتلة الحقيقيين الذين دفعوا شبابنا إلي اتون معارك رخيصة رافعين شعارات براقة للحرية والديمقراطية وهي منهم براء.