بدون لف أو دوران!! عرفت 5 رؤساء وزراء عن قرب، خلال فترة عملي محرراً لشئون مجلس الوزراء. كان لكل واحد منهم أحلامه وآماله في تحقيق إنجاز، في مجال ترشيد وحسن استثمار الدعم، وضمان وصوله لمستحقيه. غير أنهم جميعاً فشلوا في تحقيق ذلك، أو إيجاد بديل عملي لعملية الدعم الذي يمثل أحد الأركان الأساسية للبعد الاجتماعي في عملية التنمية. ولحساسية القضية، آثروا جميعاً البعد عن فتح ملف الدعم، غير أن ذلك أدي لاستفحال المشكلة، مع الأخذ في الاعتبار الطفرات التي حدثت في عدد السكان، وفاتورة الدعم التي تكاد تبتلع كل أموال الموازنة. القضية ببساطة هي أن الدعم مخصص للفقراء ومحدودي الدخل، الذين يشكلون نسبة كبيرة من عدد السكان، غير أنه لا يصل إليهم بالكم والنوعية المطلوبة، وفي كل الأحوال يساء استخدامه. وإذا كانت حكومة الدكتور أحمد نظيف نجحت بعض الشيء في ضمان وصول »بعض« الدعم »لبعض« مستحقيه، عن طريق تحديث نظام البطاقة التموينية، وتطوير نظم المعلومات التي تساعد في التعرف والوصول لمستحقيه، إلا أنها تعود دائما للنقطة صفر، كطبيب يعرف الحقيقة الشافية لمريض، غير أن هناك محاذير كثيرة تجعله يتردد في اتخاذ قراره الصعب ببتر موضع الداء واللجوء للمسكنات، التي يضعف تأثيرها يوماً بعد يوم. علي مدي سنوات كثيرة، عرفت المهندس سامح فهمي وزير البترول، الذي سوف يسجل التاريخ له أكبر انجاز تحقق في قطاع البترول، سواء في مجال التنقيب والكشف أو زيادة الاحتياطي، أو نجاحه الكبير في اعداد جيل من الكوادر والمهندسين وخبراء البترول، أصبحوا مفخرة لمصر في كل بلاد العالم. رغم ذلك لم يعجبني أو تطربني تصريحات المسئولين بوزارة البترول حول أزمة الكيروسين، وهي نفسها تكاد تكون صورة طبق الاصل، من تصريحاتهم حول ازمة انابيب البوتاجاز. وأعرف مقدماً انها ستكون أيضا تصريحاتهم حول اختفاء »البنزين 80« إن لم يكن اليوم فغداً.. وذلك لأن التصريحات حول ضخ كميات اضافية، أو وجود تلاعب في الاسواق حول انواع محددة من المنتجات البترولية، يمثل محاولة للابتعاد عن الحقيقة المرة.. هذه الحقيقة هي أن هناك هوة كبيرة بين احتياجاتنا من الطاقة، وقدرتنا الانتاجية منها، وأيضا قدرتنا المالية علي مواجهة اعباء استيرادها في ظل زيادة مستمرة في عدد السكان تكاد تبتلع كل ماحققناه، أو مانستطيع تحقيقه في مجال الاقتصاد. المهندس سامح فهمي وزير البترول وكل قيادات وزارته يسابقون الزمن، من أجل المواءمة بين الزيادة المطردة في حجم الاحتياجات من الطاقة، وحجم الانتاج والأموال الضخمة التي تمثلها فاتورة دعم أسعار المواد البترولية والتي تقارب 66 مليار جنيه، سوف تتضاعف خلال سنوات قليلة. غير أن علاج الازمات التي يعانيها سوق المواد البترولية يتطلب نوعا من علاجات البتر، وليس استخدام المسكنات، التي تتحول هي نفسها إلي نوع من السأم والمرض، يصعب ويستحيل علاجه مع الايام، لانها تجدد قناعات الناس بأن الحكومة ستظل السند والداعم مهما كانت النتائج والتحديات!! أزمات سوف تتكرر، وسوف تزداد وطأتها مع السنين، إذا ظل تعاملنا مع اسعار الطاقة يدور في مفهوم كفالة الحكومة والتزامها الذي تحول إلي أغنية وطنية، تؤكد انه لامساس بالدعم. أغنية سوف يضعف حماس منشديها، مع حقيقة إساءة استخدام الدعم، وتضاعف فاتورته يوما بعد يوم، وزيادة سكانية لم تفلح كل الجهود في وقفها او تهدئة تسارع خطاها. أعرف ان جوقة الصراخ والصوت العالي ومروجي الشائعات، ومحترفي الإثارة من أدعياء حرية الصحافة والتعبير، سوف يهبون في وجه كل من يحاول الاقتراب من قضية دعم المنتجات البترولية، بمفهوم جديد لايعرف المسكنات او تصريحات امتصاص الغضب، وينتهي دائما إلي خبطات قاتلة علي رأس وزير مالية، اصبح لاحول له ولا قوة امام طوفان العجز المالي الذي نطلب منه وحده التصدي له، دون أي مساندة أو تأييد. قضية الدعم في حاجة إلي نوع من الشفافية، ليس علي طريقة الحوار المجتمعي، الذي حوله بعض الغوغائية إلي نوع من الشقاق وتباعد الهوة، وضعف الثقة بين الحكومة والمواطنين. حوار تعلن الحكومة فيه بصراحة وشفافية برنامجاً زمنياً لتحريك اسعار الطاقة والمواد البترولية، وتعلن فيه أيضاً الاسلوب الذي تعالج به مشاكل بعض الفئات الخدمية، مثل سائقي النقل والاجرة وأصحاب المصانع، والذين سيتم استهدافهم أو تعويضهم نتيجة الإلغاء التدريجي للدعم. إن ظلماً حقيقياً يقع علي كل المصريين، عندما يقوم أحد المواطنين الذي يركبون سيارات يزيد ثمنها علي المليون جنيه، بملء سيارته بنفس سعر البنزين الذي يستخدمه موظف استطاع بالكاد ان يشتري سيارة »سكند هاند« لايتجاوز ثمنها بضعة آلاف من الجنيهات، لا تتجاوز عدد اصابع اليدين. سلعة أخري هي أنابيب البوتاجاز، وسبق ان طرحت هذه الفكرة منذ أسبوعين. ان الأنبوبة المدعمة بسعر 572 قرشاً هي النوع الوحيد المتاح بالأسواق، يشتريها الفقراء والأغنياء علي حد سواء. ويمكن رفع الدعم التدريجي عنها، بإدخال نوع جديد مميز اللون ويباع بالسعر الحر، وهو ما يؤدي لتخفيف الأعباء عن طالبي الأنابيب المدعمة. وشريطة ان تتواجد منافذ الأنابيب المدعمة في الأحياء الشعبية والفقيرة والقري، والحد التدريجي من تواجدها بالمدن والأحياء الراقية. وعلي ان يتم تحريك السعر مثلاً إلي 01 جنيهات للأنبوبة المدعمة، ترتفع تدريجياً خلال الفترة الزمنية المحددة لالغاء الدعم. أعرف ان إلغاء الدعم كلمة مرة وبديل صعب، لكنه يظل هو الخيار العملي الوحيد، مع التأكيد علي ضرورة وصول الدعم بصورة أخري لمستحقيه، عن طريق الزيادة السنوية في المرتبات، ورفع الأعباء عن محدودي الدخل. والتي يصرف جزء منها اعانة للبطالة، أو رفعا لمعاشات الضمان، أو خفضا تدريجيا في اشتراكات التأمين الاجتماعي والصحي. لم يعد هناك شك في أن مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والمرافق، سوف تعطي دفعة جديدة للاقتصاد القومي، وتساهم في زيادة الاستثمارات، وإتاحة المزيد من فرص العمل. لكن مشاركة القطاع الخاص لاتزال مجالاً للحوار والنقاش بين مؤيد ومعارض، ومن هنا تظهر الحاجة الماسة لتشريع قانوني ينظم هذه المشاركة، ويضمن حقوقاً متساوية لكل أطرافها. التشريع أعلن عنه الرئيس مبارك خلال لقائه مع قيادات وأهالي بني سويف، وتمت إحالته للبرلمان، وطلب الرئيس سرعة مناقشته وإقراره خلال الدورة البرلمانية الحالية. يحتوي مشروع القانون علي 4 فصول، تتضمن 93 مادة تنظم عملية مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة، في علاقة تعاقدية طويلة الأجل، بين الجهات الإدارية بالدولة والقطاع الخاص، الذي يقوم بتقديم الخدمات أو تنفيذ المشروعات ذات الطبيعة العامة وما يرتبط بها من أنشطة متنوعة، مثل التصميم والتمويل ونقل التكنولوجيا والخبرة، والسمعة والبناء والتشغيل والإدارة والصيانة، علي أن تؤول هذه المشروعات إلي الجهة الإدارية بانتهاء مدة التعاقد. ويهدف المشروع إلي: - دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والحفاظ علي معدلات نمو مرتفعة، من خلال الارتقاء بمستوي الخدمات. - تحفيز القطاع الخاص لزيادة الاستثمارات المباشرة، في مجال تنفيذ مشروعات البنية الأساسية. - زيادة كفاءة الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وذلك من خلال تطبيق نظم إدارة القطاع الخاص المتطورة، مع تدعيم دور الدولة كرقيب ومنظم لمستوي الخدمات المقدمة. - إتاحة الفرصة أمام المقاولين المحليين، للاستفادة من تطبيق تعاقدات المشاركة مع القطاع الخاص. - تنشيط سوق السندات والتوريق للحقوق الآجلة بضمان وزارة المالية. - وضع إطار قانوني متكامل لتنظيم مشاركة القطاع الخاص، في مشروعات البنية الأساسية والمرافق، علي النحو الذي يضمن اختيار المستثمرين وفقاً لمبادئ الشفافية والمنافسة. - تحديد دور الحكومة في اختيار واعتماد ومتابعة تنفيذ المشروعات، التي يتم تنفيذها من خلال مشاركة القطاع الخاص. القانون في مجمله لا يهدف لحماية المستثمرين، بقدر ما يهدف لحماية الدولة، حيث يقطع الطريق أمام أي محاولة للتحايل من جانب القطاع الخاص. قانون يعني رفع شعار »حقي وحقك«، ويضع قواعد قانونية واضحة يتم الاحتكام إليها عند أي خلاف أو تقصير.