المتأمل لتداعيات الموقف السوري وما وصل اليه من ترد بشيء من التروي يجد تضاربا هائلا بين ما هو مفروض علينا يوميا أن نشاهده ونسمعه من قتل للثوار واعتقال لهم واستخدام للقوات المسلحة السورية في قمع المتظاهرين والرافضين لنظام حكم الاسد لهم. ثم تداعيات هذا التصعيد الخطير لهذه الازمة والواضح في قرارات مجلس الجامعة العربية من تعليق لعضوية سوريا والتلويح بسحب السفراء منها.. وارسال وفد من المراقبين تحت مظلة الجامعة لإنهاء العنف والافراج عن جميع السجناء واجراء الاصلاحات السياسية الحقيقية المطلوبة من قبل الشعب تعزيزا للديمقراطية وحقوق المواطن السوري في ظل نجاح العديد من ثورات الربيع العربي.. المتأمل لذلك كله.. يجد تعارضا واضحا بينه وبين ما هو واقع فعلا في دمشق.. فليس من رأي كمن سمع. حيث عدت منذ ايام من زيارة لسوريا استغرقت خمسة ايام بدعوة كريمة من رجل الأعمال السوري غسان بسطاطي وبصحبة رجل الاعمال صاحب الاصول الاخوانية/ عبدالحليم فوزي.. ولا أخفي سرا انني سافرت وكلي خوف وقلق من هذه الزيارة وفي هذا التوقيت الخطير حيث تمر سوريا بمنعطف خطير وظروف غاية في الصعوبة من اجل الحصول علي حريتها الكاملة وغير المنقوصة وانضمامها إلي دول ثورة الربيع العربي. وما إن وطئت قدماي مدينة دمشق وما حولها من مدن متجولا فيها حتي وجدت واقعا مخالفا تماما لما يشاع أو يشاهد عبر شاشات الفضائيات سامحها الله حيث يعيش اغلب الشعب السوري يومه طبيعيا في سهولة ويسر. وأمن وأمان.. ولا يوجد بها أي مظهر من مظاهر الاعتصام أو الخروج علي الشرعية في جميع ارجاء دمشق واهمها ميدان المسجد الاموي وهو من اكبر واشهر الميادين السورية مثل ميدان التحرير.. أو ما حولها من محافظات وسط دعاء كل من التقيت بهم ان يجنب بلادهم شر الفتن ومكائد الاعداء لتنعم بلادهم بالاستقرار مؤكدين علي وجوب اعطاء الرئيس بشار الاسد الفرصة الكافية لتنفيذ حزمة الاصلاحات السياسية والدستورية التي وعد بها مع وقف كل اشكال العنف ضد الثوار لتجنيب بلادهم شر القتال والانقسام في ظل مخططات كثيرة من الاعداء نحو سوريا والعالم الاسلامي بأسره. وأكدوا علي ان بؤرة الاحداث تقع في محافظتي درعا وحمص نتيجة للمعالجة الخاطئة من قبل الشرطة منذ بداية الازمة مما ادي الي تصاعدها وزيادتها وبالتالي الزيادة في عدد الضحايا والمصابين وهكذا تصاعدت الاحداث يوما بعد يوم.. احسست ان الصورة ليست بهذه البشاعة التي صورها كبار السياسيين والمحللين الذين استقوا كل اخبارهم من تلك الفضائيات ولهم أقول أذهبوا الي دمشق وتجولوا وفيها وتحدثوا مع أهلها فليس من رأي كمن سمع. كان حديثا شيقا لأحد الاصدقاء السوريين حينما أكد علي ان ما تذيعه الفضائيات عن أعداد الشهداء في حمص وحماة ودرعا والذي يقترب من الثلاثين فردا يوميا أمرا مستحيل.. ويخفي اغراضا اخري بنية غير خالصة لوجه الله والوطن السوري.. هم يريدون اصلاحا فعليا.. يريدون حرية كاملة.. ويريدون ايضا استقرارا لبلادهم.. بعيدا عن الاختلاف أو الفرقة فيما بينهم أو التبعية لاحدي الدول او الاستقواء بالحماية الدولية أو الناتو.. يريدون من الحكومة السورية والمعارضة الجلوس للحوار الوطني السلمي وطرح البدائل من أجل رفعة بلدهم وتقدمها وفي ظل رؤية عربية خالصة بعيدة عن الاسقواد بالخارج في ظل تهديدات امريكية واسرائيلية وأوربية خطيرة بضرب إيران لجرأتها النووية بما يزيد العالم العربي انهيارا وضعفا متعمدا.. حديثي ليس دفاعا عن الرئيس السوري بشار الاسد في استخدامه للعنف المفرط ضد شعبه أو انتقاصا من قدر الثوار في العديد من المحافظات السورية ولكنه استقراء للعديد من الاحداث والشواهد التي ظهرت منذ بداية الربيع العربي والدليل علي ذلك ما حدث في ليبيا ويحدث الآن في اليمن ثم القلاقل والفتن والاعتصامات والمطالب الفئوية التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي ظهرت في مصر منذ نجاح الثورة..