لأن أهل مكة أدري بشعابها فقد كان الحديث عن مستقبل القضاء بعد ثورة 52 يناير والتحديات التي تواجهه تقتضي أن يستضيف مجلس الأعمال المصري الكندي عدداً من رموز القضاء المصري.. كان هناك المستشار أحمد الزند رئيس نادي قضاة مصر، وكان هناك أيضاً المستشار عبدالستار إمام رئيس محكمة جنايات القاهرة ورئيس محكمة أمن الدولة العليا ومعهما فريد الديب المحامي الشهير الذي ترافع في العديد من قضايا الرأي العام! الحوار، وإن كان يتسم بصبغة قانونية إلا أن القضية المثارة حتمت أن يتطرق إلي قضايا أخري عديدة ترتبط بالأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر.. وكما قال المهندس معتز رسلان رئيس مجلس الأعمال المصري الكندي صاحب الدعوة لهذا الحوار فإن الجميع يتساءل بعد مرور 8 شهور علي ثورة يناير: هل نحن علي الطريق الصحيح؟ ورد مشيراً إلي أن وجهات النظر بالتأكيد لن تتشابه، ولكنه يري أن شوطاً كبيراً قطعته مصر حيث بدأت ملامح المستقبل تتكشف تدريجياً خاصة بعد الاستقرار النسبي في الأوضاع وبدء محاكمات قضايا الفساد والتي يتحقق معها أهم الشعارات التي رفعتها الثورة وهي العدالة، وهو ما يضع القضاء المصري تحت المجهر حالياً حيث ستشكل أحكامه في تلك القضايا نقاطا فارقة في تاريخ مصر لدرجة أن البعض يري أن نجاح الثورة في يد القضاء علي حد قول المهندس رسلان. وأضاف رئيس مجلس الأعمال قائلاً إنه علي مر العصور ومع اختلاف أنظمة الحكم في مصر كان القضاء هو الحصن الذي يحتمي به المصريون مهما كانت شدة الظلم الواقع عليهم. المهم.. انه بعد الثورة كان الجميع ينتظر من القضاء الكثير والكثير خاصة مع ما يتم حالياً من تعديل قانون السلطة القضائية. والأهم أن الجميع ينتظر قضاء عادلاً لا يفرق بين قوي وضعيف أو غني وفقير. كلمات معتز رسلان فتحت الشهية للحديث حول استقلال القضاء بصراحة شديدة حيث بدأ المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة بالتأكيد علي أن القضاء والسياسة غريمان لا يلتقيان. وقال إنه إذا دخلت السياسة في القضاء أفسدته، ومن ثم كان المشرع حكيماً علي النص صراحة علي عدم اشتغال القضاة بالعمل السياسي. وفي معرض حديثه عن استقلال القضاء أشار الزند إلي أنه من موقعه كرئيس لمحكمة استئناف القاهرة وخلال عمله بالقضاء طوال أكثر من 04 سنة يؤكد أن أي شخص وزيراً كان أو خفيراً لم يكن لديه الجرأة علي التحدث مع قاضي في قضية مطروحة عليه ليقول له »احكم بكذا أو كذا«. وقال إن أي سلطة لم تتدخل في هذا الشأن علي الإطلاق. وأضاف أن القضاء كان ومازال مستقلاً ومحايداً ونزيهاً. ولكن يضيف الزند في بعض الأحيان كان المساس باستقلال القضاء يتم عبر بعض التشريعات، فالقضاء عصي علي أن ينصاع لرغبة أحد. وقال إن مثل هذه التشريعات هي التي كانت تجور علي استقلال القضاء. والدليل علي ذلك ما حدث في انتخابات مجلس الشعب عام 5002 عندما قررت المحكمة الدستورية العليا تحديد قاض لكل صندوق انتخابي وقد أتت النتائج كما تعلمونها، ولكن في الانتخابات الأخيرة تم تعديل القانون ليقتصر علي رؤساء اللجان العامة علي فرز الأصوات وإعلان النتائج.. أي يقومون بما تقوم به الآلة الحاسبة!.. وحدث ما حدث!! وأضاف الزند مؤكداً أن القاضي لا يستطيع التعقيب علي أي تشريع مهما كانت عوراته وهو ممنوع من إبداء رأيه في ذلك التشريع لا بالاستحسان ولا بالاستهجان.. أي لا يمدحه ولا يقدحه.. وإن فعل فقد حياده. باب واسع وأضاف قائلاً إن استقلال القضاء باب واسع لا يقتصر علي السلطة القضائية بل يمتد لكي يكون للقضاة مخصصاتهم التي تعينهم حتي يتفرغوا لأداء مهامهم.. وكذا زيادة حجم الخبرات التراكمية.. وبالطبع استغناء القاضي عن الناس فلا يرهب أحداً ولا يخشي أحداً.. هذا بجانب ألا يتعرض القضاء صباح مساء للسب والتجريح في الصحف والفضائيات.. إن الهدف من استقلال القضاء يتمثل في أن ينكب القضاة علي أمورهم دون رقابة من أحد إلا لضمائرهم والقانون وفقاً لنص الدستور. ومن هنا كما قال المستشار الزند جاء التفكير في إعداد مشروع بتعديل قانون السلطة القضائية بهدف دعم مبدأ الاستقلال الحقيقي للقضاء، وبمقتضي التعديل الجديد تؤول أمور القضاء كلها لمجلس القضاء الأعلي بداية من التعيين مروراً بالترقيات والنقل وانتهاء بالتأديب.. ولم يقتصر الأمر علي ذلك فقط بل امتد إلي سد الثغرات التي يتم النفاذ من خلالها للعبث باستقلال القضاء.. وعلي سبيل المثال مبدأ الاختيار للمناصب القضائية التي كانت تتم ربما عن هوي أو غرض.. ولذلك تم حسم الأمر بإقرار مبدأ الأقدمية فالأحدث لا يتقدم الأقدم أبداً. قطع الطريق وقال الزند إنه بذلك تم قطع الطريق علي أصحاب الهوي والغرض بحيث لا يكون هناك مجال للمجاملة أو الواسطة أو »خفة الظل وخفة الدم«! وأشار إلي أنه كان هناك مساساً باستقلال القضاء من داخل القضاء نفسه وليس من السلطة التنفيذية.. فهناك سلطات مطلقة ربما تصل إلي حد التأليه ولذا تم إرساء مبدأ »العصمة في النفوس وفي النصوص« وتم تفكيك السلطات المطلقة فلم يكن مقبولاً أن يجمع شخص ما داخل القضاء بكل الخيوط والاختصاصات في يديه وهو علي مشارف السبعين.. وحتي لو كان في سن مناسبة! وتطرق الزند إلي قضية ندب القضاة فقال إن مشروع القانون الجديد ألغي تماماً ندب القضاة لغير الأعمال القضائية. كما تم إخضاع إدارة الكسب غير المشروع لمجلس القضاء الأعلي بدلاً من وزير العدل. وهنا وجه رئيس نادي القضاة رسالة للمستثمرين مصريين أو أجانب قائلاً لهم: »اطمئنوا«.. وأضاف: حتي في ظل الاستقلال المنقوص كان القضاء المصري صمام أمان للمستثمر المصري أو العربي أو الأجنبي. وأكد أن القضاء المصري سيظل حائط الصد الفولاذي.. وأضاف أن الأحداث مهما تعاقبت علي هذا البلد الآمن لن تؤثر فيه ولن تنقص منه إلا كما ينقص المخيط من ماء البحر.. مصر في أمان محروسة من رب العزة.. والمصريون طيبو القلب مدعوون إلي التآلف وليس التناحر. مصر تعاني منذ عدة عقود من غياب العدالة وانعدام الحرية وفقدان للثقة بين السلطة والشعب، ومن هنا انتشرت الرشوة والمحسوبية وتواري القانون وضاعت هيبته.. كل ذلك أدي لقيام الثورة التي التف الشعب حولها.. هكذا جاءت أقوال المستشار عبدالستار إمام رئيس محكمة جنايات القاهرة ورئيس محكمة أمن الدولة العليا ورئيس نادي القضاة بالمنوفية والذي أضاف قائلاً: صحيح إن بناء دولة القانون يبدأ بسن التشريعات مروراً بقضاء عادل مستقل وانتهاء بتنفيذ الأحكام، ولكن عماد القانون هو السلطة القضائية المنوط بها تحقيق العدالة. وتساءل: هل نحن في حاجة ماسة لدعم استقلال القضاء؟ وهل القانون الحالي يحتاج لتعديل؟ وجاءت الإجابة: نعم يحتاج.. وشرح بعض ملامح التعديلات مشيراً إلي أهمها التي تتمثل في تعيين النائب العام بقرار من مجلس القضاء الأعلي وفق قواعد موضوعية مجردة وليس بقرار من رئيس الجمهورية. ومن جانبه كرر المستشار عبدالستار أهمية عدم اشتغال القاضي بالسياسة حتي يظل محايداً فقال إن القاضي إذا ارتدي ثوب السياسة يفقد في نفس اللحظة حياده ونزاهته. أمر آخر أكد عليه يتمثل في خطورة ظاهرة المحاكمات الموازية التي تتم عبر وسائل الإعلام وكذا التعليق علي الأحكام.. وقال إن ذلك يعتبر جريمة كبري تهدف إلي هدم مصر كلها. وبدوره أكد نفس الشيء فريد الديب المحامي مشيراً إلي تأثير الإعلام علي سير العدالة وقال إن الخطورة تكمن في أن النشر يؤثر علي القاضي دون أن يشعر! وفي تعليقه علي التعديلات الخاصة باستقلال القضاة قال إن العبرة ليست في النصوص فقط بل تتعلق أولاً وأخيراً بنفوس القضاة.. إنهم المسئولون عن الزود عن أنفسهم وألا يقبلوا تدخلاً من أحد. وأضاف مشيراً إلي أن القاضي بالدول الأجنبية لو رأي أي عدد من الأفراد يتظاهرون خارج المحكمة فإنه يوقف المحاكمة علي الفور خوفاً من تأثر القاضي.. ولا أقول خوفه! وقال إن ذلك هو أخطر ما يمس استقلال القضاء. شهوة الحديث! وبالطبع كانت كلمات المستشارين الثلاثة مثيرة للحوار الذي بدأه المفكر السياسي د. مصطفي الفقي الذي جاءت أقواله متسقة مع رفض اشتغال القاضي بالسياسة، وأضاف لذلك رفضه أيضاً للتعقيب علي الأحكام وقال إن البعض وصل به الأمر إلي ترشيح أنفسهم مطالباً إياهم بأن يترفعوا عن ذلك.. وقال الفقي إنه لا يجب أن يجمع القاضي بين العمل في القضاء وبين شهوة الحديث في الصحف والفضائيات.. هذا يضرب القضاء في مقتل! وبالطبع جاءت كلمات د. الفقي علي هوي المستشار الزند فقال له: يا دكتور مصطفي.. لقد أصبت كبد الحقيقة وفقأت عين من لا يري الشمس! وأضاف: لهذا فإن القانون الجديد تضمن نصوصاً مانعة بعدم إبداء الآراء السياسية للقضاة ومنع الاشتغال بالسياسة أو الانضمام للتجمعات السياسية. وكذا تم حظر التحدث في الإعلام حول ما يتصل بالسياسة. وسؤال مهم طرحه المستشار عبدالستار إمام مشيراً إلي أن القانون الحالي يحظر الاشتغال بالسياسة والاشتراك في المظاهرات والتجمعات ذات الطابع السياسي.. كما أن التعديلات المقترحة في القانون الجديد تحظر ذلك.. وبالتالي ما هو الحل؟! ورد قائلاً: نحن جميعاً نعاني من ذلك.. ومن هنا يجب أن يكون الجميع في صف واحد حتي يمكن تفعيل النصوص في القانون الجديد. القانون فقط وقال المستشار أحمد الزند مؤكداً أنه لا أحد يكلف القاضي سوي القانون.. وأضاف إنه لم ير من يستنكر اشتغال القضاة بالسياسة كما أن نادي القضاء أصبح »منتدي سياسي« لفريق دون آخر.. وفي الجانب الآخر تحولت المحاكم إلي ما يشبه »مأوي للشحاتين« بالإضافة إلي أوضاع لا تسر عدواً ولا حبيبا.. فالقاضي ينظر 005 جنحة في اليوم وكذا يسافر من منزله إلي المحكمة 051 كيلو متراً ذهاباً ومثلها في العودة.. كل ذلك مع ألغام لا حصر لها في القانون! وفجأة كما قال الزند وجدنا رئيس محكمة النقض يشكل لجنة لتعديل القانون برئاسة قاض وعضوية 5 كلهم من تيار أطلق علي نفسه تيار الاستقلال.. وصباحاً ومساء يقولون لنا: أنتم »فلول«! وأضاف: أنا صبور جداً ولكن لي طاقة.. فأنا أحرص الناس علي وصول المركب إلي بر الأمان والخلاف مرجعه الفشل. والقانون الجديد لا يجب أن ينفرد به أحد.. ولكن لا أحد يسمع. قضية أخيرة مثارة تتعلق بتوريث مهنة القضاء وقد تحدث عنها المستشار عبدالستار إمام مؤكداً أنه تم الاتفاق علي ضوابط تطبق علي الجميع تمنع عمليات التوريث. وقال إنه لا استثناء لأبناء المستشارين في التعيينات بالسلك القضائي.