صحوت صباح الاثنين لثمان خلون من ربيع عربي علي اهزوجة نصر يمنية تفرح لانتصار شعب شقيق ملمحة الي قرب أنتصار الشعب اليمني، والسوري معا بعد الليبي فقد كان اليمنيون يهتفون باصواتهم الشجية وبكل زخم ثورتهم التي اخر انتصارها ثعلب مناورات كان حنطيا وصار أسود اللون بعد حادث مسجد القصر الرئاسي. وعلي ذكر ذلك اللون الغامق المكتسب لثعلب صنعاء فقد انتج ثوار الانترنت السوريون فيديو للاسد اطلقوا عليه اسم »الخطاب الخامس« وفيه يقلدون صوت بشار الذي يخطب في جمهوره المعتاد ليخبره انه وصديقه الرئيس اليمني يحبون »البرونزاج« لذا اختاروا ذلك اللون طوعا ليترشحوا للرئاسة في جنوب السودان بعد ان تتم الأطاحة بهما. المهم كان اليمنيون الذين سبقت ثورتهم ثورة ليبيا وسوريا يهتفون »يا صالح ويا بشار القذافي راسه طار« هذا طبعا قبل ظهور سيف الملتحي ليثير الشكوك حول سيطرة الثوار علي طرابلس دون حاجة لحادث مسجد فالقذافي مناضل الخيمة والبادية ومع انه أمير للمؤمنين حسب زعمه لا يصوم ولا يصلي وبعض مرتزقته يهتفون »لا إله الا معمر« قبل ان يبتكر مرتزقة النظام السوري هتاف »لا إله الا بشار ولا إله الا ماهر« ويفرضونه بالقوة علي ضحاياهم كما شاهدنا في أكثر من شريط تلفزيوني مثبت وموثق. وساعتها وفي ذاك الصباح المبكر علي ضفاف النيل حيث انتصرت ثورة مباركة أخري تساءلت عما دفع علي عبد الله صالح الي رفض المبادرة الخليجية التي كانت تضمن له الخروج بكرامة مع ملياراته وحشمه وقات دهره ولم يكن حب الكرسي هو الجواب الوحيد فكل من سفكوا دما وأذلوا شعبا، وسرقوا وطنا يعرفون أنهم ومهما أعطيت لهم من ضمانات ليسوا في منآي من الملاحقة، فرامبو لاهاي اوكامبو الذي صار »بعبع« الديكتاتوريين العرب يحفظ ملفات الجميع، وينتظر الفرصة لتسلم رأس عربي كبير قبل تسلم فرخ صغير اسمه سيف الاسلام القذافي سينتهي في لاهاي ان لم يقتل رغم ممارسة »العنتريات« أيمانا منه - ربما - بأن محكمة لاهاي ليس فيها أحكام إعدام وبهذا ينقذ رأسه ويرضي غروره بالظهور إعلاميا، ولو في قفص الاتهام بجرائم ضد الانسانية. وقبل ليلة سقوط طرابلس واندحار كتائب ثائر الخيمة أستمعت مشدوها الي الممانع للكرامة والصامد في وجه الحرية الرئيس السوري في مقابلته التلفزيونية الممنتجة عدة مرات لتخفي خوفه، وضياعه وتشتت أفكاره، وقد نجحت تلك الاصلاحات الفنية الي حد ما في تحسين الصورة لكن من اين لها او لغيرها؟ أن تخفي الذعر في صوت رئيس يعرف انه يجلس في ذاك المنصب زورا وبهتانا منذ احد عشر عاما ومع ذلك لا يخجل من الحديث عن الشرعية والافتاء في مستقبل شعب أحبه الي درجة انه خرج الي الشوارع فور أنتهاء مقابلته وهو يرفع بوجهه الأحذية. ان حالة بشار في خطبه كلها لا ينطبق عليها غير اسم كتاب بوب وودورد عن جورج بوش الابن »حالة إنكار« فالرجل حكي اربع مرات ولم يعترف في أي من تلك الخطب والمقابلات المتباعدة بان في بلده أزمة وطنية عميقة خلفت بعد ثلاثة آلاف شهيد وثلاثين الف معتقل خمسة عشر الف جريح ومصاب برصاص الأمن السوري هم نتيجة الاصلاح السياسي الذي وعد به وما عاد ينقصه ليكمل إصلاح الا ان يرفع شعار »رصاصة في قلب كل مواطن« ليحقق المساواة مع الديمقراطية معا ويجعل من نفسه نموذجا في المنطقة بشهادة وزير خارجيته الذي ألغي نصف العالم عن الخارطة بجملة واحدة، ونام قرير العين بانتظار نهاية يعرفها جيدا وينتظرها بدبلوماسية منهكة رغم إظهار التماسك. وأغرب ما في حديث رئيس أدمن الاقتصاد في قول الحقيقة إصراره علي تأكيد ان اقتصاد البلاد في حالة ازدهار بما في ذلك القطاع السياحي فكانت الناس تسافر الي سوريا زرافات ووحدانا لتنعم بالأمن والرخاء والتفرج علي أفلام رعب حقيقي في شوارع المدن السورية دون أن تغرم بدفع ثمن تذكرة لمشاهدة افلام الرعب في السينما. ولعل الذين تابعوا مسار الأزمة السورية من بدايتها قد لاحظوا ان بشار الأسد يخشي مواجهة شعبه في خطبة مباشرة يحكي فيها جزءا من الحقيقة المرة، فتراه يخاطب السوريين مرة من خلال جامعة يفرغها من طلابها ويأتي لها بمشاهدين ومستمعين متكرشين يطربون لسماعه مهما قال او ادعي وتارة يخاطبهم متسترا خلف كمشة وزراء أو حزبيين وثالثة من خلال مقابلة تلفزيونية يضع طاقمه الاعلامي أسئلتها واجوبتها ويأتي المقدمان ليمثلوا التلقائية في حوار كان بمثابة حلقة دراما رمضانية فاشلة في بلد لا يحتمل المزيد من واقعية القتل والتدمير المبرمج لاقتصاده وروح شعبه. ولم يعد سرا والمليارات السورية في حسابات الفاسدين المحيطين بالاسد تسرح يمينا وشمالا بحثا عن ملجأ قبل وقوع ما لابد من وقوعه، وتهرب الي جميع بلاد الدنيا من دبي الي بخارست مرورا بتشيكيا وصوفيا أقول لم يعد سرا ان خمسة وثمانين بالمائة من موارد سوريا يذهب الي اسرة الرئيس وزبانيتها من رجال الاعمال الوهميين ليعيش شعب كامل علي فتات يتبقي من مائدة رئيس يريد شعبه التخلص منه فورا لكنه ما يزال يزعم وربما يعتقد فعلا ان الشعب يريده ويحبه مع ان الأحذية المرفوعة يوميا في وجه الرئيس المحبوب لم تترك مجالا لأي سوء فهم حول ما يوده الناس، وما يريدونه. القذافي أيضا لم يعترف بوجود من لا يحبونه ولا يطيقون وجوده، فمن لا يحبه لابد ان يكون »جرذا نجسا وحقيرا« لكنه في هذا يظل واهما علي طريقته وافضل من نظيره السوري الذي يريد »شبيحته« إجبار الناس علي حبه بالقوة كما شهدنا في »فيديو الباص« المهرب من قبل مخبرين يتاجرون بفضائحهم وفيه نشاهد أشاوس بشار يضربون المعتقلين ويركلونهم ويشدون شعورهم الي ان يبوحوا بالصوت العالي بحب الرئيس المفدي ويضعوه ثالثا بعد الله وسوريا أما هو فيضع نفسه قبلها وفوق كل مصالح شعبها ولو أمتلك الجرأة لقال كما قال فرعون لشعبه: انا ربكم الأعلي، فمأساة هذا الذي بلغت فيه العنجهية والغرورمبلغا عظيما أنه وجد من يسجد علي صورته ووجد من فقهاء السلطان من يجيز ذلك شرعا، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم في زمن أزمة فكرية ووجودية وسياسية طاحنة. لقد سمعنا لغة قذافية هذه المرة في حوار الأسد، فهو وفي معرض رده علي الذين طالبوا بتنحيته يشير الي انه رئيس لا يعني المنصب له شيئا وهو ما يذكر بالخطبة الأولي لمناضل الخيمة الذي قال محقرا من يريدون إسقاطه: لو كنت رئيسا لرميت الاستقالة في وجوهكم ومع انهيار شبكة القذافي الأمنية وسهولة الوصول حاليا الي ما كان صعبا وخفيا قبل أشهر نستطيع ان نكتشف كيف كان المستبدان متكافلان متضامنان منذ الأسد الأب، وكيف كان يتم الزج بجنود سوريين في حرب تشاد وفي وجه ثوار ليبيا في مصراته تحديدا بل ونكتشف بأن حرس القذافي نفسه كان في مرحلة من المراحل مكونا من مجموعة من الضباط السوريين الذين يحتجبون خلف الحرس الحريمي الذي كان يتم التركيز عليه لدواعي الدعاية وتأكيد التميز وجنون العظمة. علي عبد الله صالح ايضا لم يكن مختلفا كثيرا عن أشقائه الموعودين بلا هاي فكأنهم سبحان خالقهم قد أتوا من رحم واحد وتعلموا في صف واحد بمدرسة واحدة وقد شاهدنا من ثلاثتهم العجب عما يصنعه الكرسي بالبشير، والأعجب ما يصنعه صاحب الكرسي ليستمر في الجلوس عليه، ولو علي هرم من الأشلاء والجماجم. وها هي الواجهات الثلاث التي حاولت ايقاف الربيع العربي بقوة السلاح تنهار واحدة تلو الاخري وبطرق مختلفة ومن لا يزال يتظاهر بالصمود منها يعرف في قرارة نفسه انها مسألة وقت قصير لا أكثر وأهم ما في الموجة الجديدة من تعرية الاستبداد العربي وطي صفحته سقوط القذافي أكبرهم وأشرسهم وأوقحهم وأهدار هيبته علي بوابة باب العزيزية، فلو استطاع القذافي ان يوقف زحف الربيع العربي بالصمود في طرابلس لفترة اطول لتغيرت المعادلات في المنطقة كلها ولكان ربيع العرب في خطر، لكن أني له ذلك، والشعوب الجائعة للحرية والكرامة قبل الخبز والخدمات خرجت وهي مصممة علي عدم التراجع مهما كلف الثمن، والتاريخ يعلمنا انه ما من شعب خرج ثائرا في سبيل الحرية وعاد خالي الوفاض. وهذا الذي لم يدركه »ثلاثي ايقاف الربيع العربي« غريزة في الانسان الذي يدرك منذ بدء الخليقة أن السعادة لا تأتي ولا يمكن العيش تحت ظلالها الوارفة ان لم يكن الانسان حرا، أما الحرية، فلا يمكن التمتع بثمارها دون إظهار الشجاعة، وقد أثبت الليبيون والسوريون واليمنيون ان عندهم من خزين الشجاعة ما يكفي للحفاظ علي الربيع العربي ملونا، مزدهرا، متألقا، ناصعا، وفيه الكثير من بذور الخصب التي ستثمر لاحقا في دول عربية أخري. مفكر سوري