توقيع ترامب لوثيقة اعتراف بالسيادة الإسرائيلية علي هضبة الجولان المحتلة، لم يكن قراراً مفاجئاً، فهو يتسق مع شخصية ترامب التي تهوي »الصدمات» وتعشق الشو الإعلامي، ومن يري الفيديو الذي يرفع فيه وثيقة تسليم »الجولان» سيجده استنساخاً لفيديو سبقه رفع فيه قرار آخر صادم بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفيديو أقدم وهو يرفع وثيقة تلغي الاتفاق النووي مع إيران، وكلها قرارات العامل المشترك فيها ليس فقط مصلحة إسرائيل ولكن تعبير وجه ترامب المتحدي المتعالي. ووفقاً لما سربته بعض الصحف من حديث لواحد من الدائرة المقربة من ترامب، فإن مرور »عاصفة» الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل كزوبعة في »الفنجان العربي»، كان دافعاً قوياً للرئيس لإتخاذ قرار الجولان، لأنه أثبت أن ما يثار من مخاوف من ردود فعل عربية ودولية عنيفة هو »عائق» وهمي عن أحلام ترامب بأن يكون الرئيس الذي أقدم علي ما أحجم عنه أسلافه من الرؤساء الأمريكيين لعقود. والحقيقة أن ترامب، اتفقت معه أو اختلفت، رجل براجماتي من الدرجة الأولي، لا يعرف المواءمات السياسية ولا يخشي الصدامات، وبوصلته الوحيدة »المصلحة لكن كما يراها من وجهة نظره الضيقة، لأن جوهر ما فعله يضر إضراراً جسيما بالنظام الدولي للعالم، وهو ما ستنسحب آثاره بالضرورة في وقت ما علي المصالح المباشرة لأمريكا وحلفائها. فبداية، يقنن الاعتراف الأمريكي بسيطرة إسرائيل علي الجولان الاستيلاء القسري علي أراضي بلدان الغير، ويمنح غطاء شرعياً لروسيا بضمها »القرم» عام 2014 من أوكرانيا، وربما يفتح لها باباً لضم المزيد ويشجع تل أبيب علي احتلال المزيد من أراضي الضفة الغربية، وربما مزارع شبعا اللبنانية وغيرها، ما يفتح الباب أمام حرب شرق أوسطية. أضف إلي ذلك تقويض ترامب للقرارات الدولية كقرار 242، العمود الفقري لعملية السلام بين إسرائيل والدول العربية والذي يؤكد أن دول المنطقة لا يمكنها الاستيلاء علي أراضي الآخرين، والقرار رقم 497، الذي يشير إلي أن فرض إسرائيل قوانينها وصلاحياتها في مرتفعات الجولان لاغية وباطلة». ضرب أمريكا وهي تنصّب نفسها »عمدة» الكون للقوانين الدولية بهذا الشكل الفج يعني أن العالم لم يعد له كبير يحكمه ولا قوانين تنظم شئونه، ويقذف بنا ألي آتون فوضي كارثية.