علي غرار كارثة »الجرار» التي عاشتها مصر، وأودت بحياة 22 مصرياً بسبب ثالوث الإهمال والفساد والإدمان، تواجه تونس كارثة موت 12 رضيع في مستشفي عام بتسمم في الدم لأسباب لازالت قيد التحقيق، وإن كانت الشكوك تميل إلي تلقيهم أمصالاً ملوثة نتيجة إهمال وتقصير. تزامن الكارثتان سلط الضوء علي الأحوال المتردية لخدمات القطاع العام في غالبية دول العالم الثالث، وفتح الباب أمام الجدل المتكرر حول »خصخصة» تلك القطاعات كحل جذري لما تعانيه من ترهل جسيم. المدافعون عن ذلك التوجه يرون أن القطاع العام يفتح أبواب المحسوبية والتراخي والاستسهال، ويؤدي للخمول وقتل روح المبادرة والابداع لدي العامل في زمن التنافسية العالمية. ويستندون في حجتهم إلي دول مثل ماليزيا وفيتنام والهند والصين خصخصت اقتصاداتها سعياً وراء التوزيع الأكفأ للموارد، رفع معدلات النمو وزيادة القدرة التنافسية. كما يستشهدون بنجاح تجارب لدول تغيرت أحوالها بعد طرحها لمؤسسات القطاع العام للمنافسة الحرة ورفعها تلك المسئولية عن كاهلها لتكتفي بالمراقبة وتشريع القوانين المنظمة والضامنة للحد الأدني من الجودة. أما الرافضون لمبدأ خصخصة القطاع العام، فيرون أن وجود تلك القطاعات الحيوية أمراً يتصل بسيادة الدولة ووظيفتها الرئيسية في حماية الفئات العريضة من محدودي الدخل. ويرون أن اتساق هذا التوجه مع دعوات المؤسسات المالية الدولية يعني أنها ليست مجرد قضية اقتصادية بل وسياسية، لأن وجود تلك القطاعات الاستراتيجية تحت جناح الدولة هو حائط صد يجنب الاقتصادات الوطنية الهزات المتصلة بالاقتصاد العالمي، ويتصدي لمحاولات الهيمنة علي القطاعات الحيوية بدعوي المنافسة الاقتصادية. ويستشهدون بدول احتفظت بسيادتها علي تلك القطاعات لاعتبارات سيادية ورقابية كفرنسا والسويد. والحقيقة أن بقاء »منظومة القطاع العام» هو ضامن اجتماعي وكابح لتغول رأس المال، شريطة معالجة آفاته الناجمة بشكل كبير عن سوء إدارة وتغييب للقانون وخلل في وعي المواطن. وهي آفات لن تشفيها الخصخصة، لأنها فيروسات تنتقل من الأعضاء التالفة للأعضاء السليمة ولا يمكن التداوي منها إلا بالبتر والحسم، والمقصود بهما هنا هو الجدية في محاربة الفساد، تفعيل القوانين، وتثبيت مبدأ عدم الإفلات من العقاب.