الخصخصة في ذاتها ليست خطرا مستطيرا ولا خيرا مطلقا، لكن الشر كله في الفساد. هذه العبارة وردت ضمن حيثيات الحكم القضائي الذي يقضي ببطلان عقود بيع ثلاث شركات تملكها الدولة، منها شركتا شبين الكوم للغزل، والنصر للمراجل. وقد كان الفساد بالفعل وراء ما أصاب شركات ومصانع القطاع العام عندما تولي إدارته أهل الثقة من غير المؤهلين لما هو موكول اليهم، وانطلقوا في تعيين المحاسيب والأقارب والاغداق عليهم من المال العام. وعندما توالت الخسائر وتراكمت الديون وتعثرت خطوط الانتاج ظهرت طبقة جديدة من المستفيدين أعلنت ان انهيار مؤسسات القطاع العام يرجع الي فساد نظام الملكية العامة، وان الحل يكون بالتخلص من القطاع العام وبيعه. وتجلي الفساد بصورته الجديدة في اقتسام الغنيمة مع المشترين. ورحب الذين لا يعلمون بما أعلنه الرئيس السابق في عيد العمال في مايو 1996 عن اعتماد سياسة الخصخصة لخلق اقتصاد أكثر حرية. وكانت السفارة الامريكية قد أصدرت تقريرا قبل ذلك دعت فيه الي التخلي عن الملكية العامة، وجاء في هذا التقرير: ان انتشار نظام ملكية الدولة في القطاع الصناعي قد وضع عبئا ثقيلا علي الاقتصاد القومي وعلي ميزانية الدولة بوجود مشروعات عديدة تتسم بقلة الكفاءة وتضخم العمالة بدون مبرر بالاضافة الي التحكم في النشاط الاقتصادي بهدف حماية القطاع العام من المنافسة مما يشجع علي تبديد الموارد وخنق الحافز علي زيادة الانتاج. وأظن ان ذلك كان يبدو حقا يراد به باطل. ورأت المحكمة في حيثيات حكمها ان ذلك كان بمثابة اخضاع السيادة المصرية للارادة الأجنبية، وان تقرير السفارة الامريكية لم يشر الي ان اللجنة القومية للخصخصة لم تضع ضمن اللائحة التنفيذية لقانون قطاع الأعمال العام القواعد السبعة المتبعة في الخصخصة وما أشار اليه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بضرورة تعديل اللائحة التنفيذية للقانون لضمان عدم التفريط في المال العام عند التقييم. ورحب السذج من أمثالنا بما أعلنه أساتذة الاقتصاد الحر من ان الحكومات في مصر وفي غيرها لا تستطيع إدارة المشروعات التجارية لانها تعتمد علي إدارات فاشلة، كما ان الحكومات أيضا تاجر عبيط، وهو ما روج له تقرير السفارة الامريكية الذي استنكره حكم المحكمة، ليتأكد ان الفساد كان وراء فشل القطاع العام قبل بيعه، مثلما كان الفساد وراء عقود البيع التي قضت المحكمة ببطلانها وضمنت حيثيات الحكم استنكارها لتدخل السفارة الامريكية في الشأن الداخلي لمصر، وهي محاولات أخشي ان تظل مستمرة. ونسأل الله العافية..