انتهت الجولة الثامنة عشرة لاجتماعات وزراء دول الموارد المائية والري لدول حوض نهر النيل علي نهاية متوقعة وهي تمسك دول منابع النهر بمواقفهم تجاه مصر والسودان من رفض تام لحق مصر والسودان في حصتهما التاريخية وكذلك رفض الأخطار المسبق عن مشروعات تقوم بها إحدي الدول وكذلك الاجراء علي التصويت بالأغلبية دون الاجماع. كما اتفقت دول المنابع السبع علي توقيع اتفاق جديد علي إعادة توزيع حصص المياه من جديد ووقف التفاوض وتوقيع الإطار القانوني لإنشاء المفوضية من جانبهم وفي حالة رفض مصر والسودان التوقيع منحت الدولتين مهلة عام للتوقيع كفرصة أخيرة. بل تواصل التراشق الاثيوبي باتهام مصر بالتعنت والمماطلة في توقيع الاتفاق وتحميلها مسئولية فشل المفاوضات. والواقع أن هذه النتائج التي تعلن عن تبلور جبهة رفض لكل مطالب مصر والسودان المشروعة والمنطقية جاء عبر تاريخ طويل لا تسأل عنه مصر ولكن مسئوليته علي دول المنابع بخاصة اثيوبيا والتي التزمت الرفض الدائم والتحفظ الدائم والوقوف موقف المراقب والمعترض الدائم علي كل الاتفاقات الدولية والثنائية منذ قرن مضي ولقد تجلي ذلك في رفض اثيوبيا في التوقيع علي الاتفاق الإطاري لانهار الدولتين العابرة للحدود الذي ابرمته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 7991 كأساس للتعامل بين دول الانهار أو المجاري المائية العابرة للحدود الدولية. كما تجلي ذلك في رفض تنزانيا وغيرها من دول المنابع بالهضبة الاستوائية الاعتراف بالاتفاقية الخاصة بمياه النيل وبالتحديد اتفاق مصر والسودان بخصوص تقاسم المياه التي يحتجزها السد العالي عند أسوان والتي تبلغ 48 مليار متر مكعب سنويا بنسبة 5٪ من اجمالي التساقط المطري علي مناطق المنابع. أن الموقف الرافض لجبهة دول المنابع لا يركز علي أساس منطقي أو عملي حيث إن الادعاء بأن مصر والسودان قد انفردتا بتقاسم مياه نهر النيل خصما من حساب دول المنابع ودون اخطار مسبق بهذا التقسيم هو ادعاء غير صحيح اذا ما قيس بقاعدة حدوث الضرر فليس ثمة ضرر علي أي من دول المنابع من تقسيم مياه بحيرة السد العالي بين مصر والسودان حيث إن هذا التقسيم لحصة مياه تصل بالفعل إلي البحيرة وليست خصما من حصة أي دولة. كما أن رفض الاخطار المسبق هو تعنت من دول المنابع اذ أن الاخطار المسبق لا يعني الرفض المسبق من مصر والسودان لأي مشروعات تقوم بها أي من دول المنابع وقد اثبتت التجارب ذلك حيث وافقت مصر والسودان علي اقامة سدود بالعديد من الدول منها اثيوبيا بل وقامت بإنشاء سدود لصالح كل من السودان واوغندا. غير أن قاعدة درء الضرر توجب علي مصر التمسك بضرورة اخطارها بأية مشروعات في منطقة المنابع لأن مصر أكثر الدول عرضة للخطر والضرر ومن حقها تأمين أوضاعها المائية وهذا ما تنص عليه المادة الخامسة من مواد الاتفاق الاطاري للمجاري المائية الدولية العابرة للحدود. أن لمصر حقوقا تاريخية تضمنها معاهدات واتفاقات دولية ينطبق عليها قاعدة التوريث الدولي وليس ذلك هو المهم لكن الأهم هو أن نهر النيل هو مصدر الحياة للشعب المصري وبدونه تتوقف الحياة ومن ثم كان الاجراء المصري علي مواجهة كل التحديات التي تضعها ودولة أو أخري أمام وصول المياه بالحصة الحالية علي الأقل أن المنطق من تفهم ما تطالب به مصر والسودان من ضرورة أن يكون اقرار الموضوعات التي تعرض علي مجلس المفوضية بالاجماع أو بأغلبية الاصوات بشرط أن يكون من بينها موافقة مصر والسودان ان عدم الموافقة علي ذلك هو دليل سوء النية من دول المنابع دون مبرر. أن الجميع في دول المنابع أو دول المصب في حاجة متزايدة إلي مصادر مياه ولن يكون ذلك بالاختلاف والنزاع انما يمكن توفير المياه ووقف اهدارها من خلال التوافق والتفاهم علي اقتسام المزايا بدلا من الاستغراق في استعراض القوة في مواجهة مصر والسودان رغم ما قامتا به من دعم فني وتعاون في كل المجالات مع دول حوض النيل ممثلا في المبادرة التي يجري الجدل حول اطارها القانوني منذ أكثر من عشر سنوات. أن مصر مطالبة بالتحرك في هدوء وحزم بكل الوسائل التي تضمن حقها وتأمين مصدر المياه الشعبي وهو ما يجب أن نلتف حوله جميعا من خلال تحرك متكامل واستراتيجية وتأخذ في اعتبارها طبيعة كل دولة من دول حوض النهر، والحوار مع الدول المانحة والداعمة للمبادرة وتكتلات المصالح بمنطقة دول المنابع وغير ذلك من محددات نثق في قدرة المفاوض المصري علي التعامل معها.