رغم كل الهجوم الذي تعرض له القطاع العام في مصر خلال السنوات الماضية والحديث المستمر عن خسائره وسوء إدارته تبقي الحقيقة المؤكده هي انخفاض أسعار منتجاته عن مثيلتها في السوق، خاصة حين يتم تطوير ما تبقي من قلاعه الصناعية الغنية بخبرات وتجارب لاينقصها سوي بعض الاهتمام بالتجديد والتسويق. قادتني الصدفة منذ أيام إلي أحد معارض مصانع ياسين للزجاج التي أصبحت شركة النصر لصناعة الزجاج والبلور وهي شركة مصرية تتبع الشركة القابضة للصناعات المعدنية، وتنتج الأدوات المنزلية الزجاجية بكافة أنواعها وأيضا الزجاج المسطح الأبيض والألوان، وكانت أولي الشركات المصرية المتخصصة في انتاج الأدوات الزجاجية، حين تم تأسيسها عام 1932، وحين تم تجديد وتطوير خطوط الانتاج بها عام 2016 استطاعت تحقيق إيرادات بلغت 88 مليون جنيه، منها 24 مليون جنيه من عوائد التصدير، ورغم زيادة أسعار المنتجات بعد التطوير مازالت هي الأقل سعراً علي الإطلاق مقارنة بأسعار المنتجات المستوردة من الخارج، والتي تغرق السوق المصري. رائد هذه الصناعة هو محمد سيد ياسين الذي أنشأ أول مصنع في الشرق الأوسط لتصنيع الزجاج من الرمال، بقرض حصل عليه من بنك مصر، ومر عليه التأميم عقب ثورة يوليو، ثم قرارات الخصخصة، وتوقف الانتاج عدة سنوات قبل أن تقرر الدولة إعادته مرة أخري إلي ملكيتها وتضع خطة التطوير وضخ استثمارات لتجديد المكابس والآلات. كان محمد سيد ياسين مغامراً ورائداً صناعياً، وحين قرر تأسيس صناعة الزجاج في مصر أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، سافر إلي أشهر مراكز صناعة الزجاج في أوروبا واستعان بخبراء لتعليم العمال المصريين وظل يخسر لسنوات حتي خرج أول منتج وهو »اللمبة الجاز» التي كانت وسيلة الإنارة المنتشرة في ذلك الوقت، وبعدها بدأ انتاج كل الأدوات المنزلية وأصبح اسمه هو الأشهر في الشرق الأوسط بعد ان استطاع تحقيق حلمة ببناء مصنع في شبرا الخيمة كانت تكلفته وقتها 80 ألف جنيه، ورغم كل الاحداث التي مرت علي هذا المصنع، ظل اسم »ياسين» محفوراً في تاريخ الصناعة المصرية، ومازال إنتاجه حتي اليوم قادراً علي إثارة الدهشة بجودته وسعره وتاريخه.