خوفي من هذا الجدل العقيم والذي لم يؤد إلا لمزيد من الفرقة والانقسام، والذي يقوده حفنة قليلة من العملاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء علي ثورة الشعب المصري التي قادها شبابه يوم 52 يناير. حفنة لم يعد يعنيها سوي مصالحها الخاصة وبما يخدم أجندات خارجية خفية سوف تكشف الأيام كل تفاصيلها المفجعة والتي تهدف لاسقاط مصر. يحدث ذلك في الوقت الذي بدأ فيه الناس يشعرون بالملل من جراء حوارات كانت مضيعة للوقت وبما يتيح الفرصة لدعاة الفوضي لزعزعة الأمن والاستقرار مع تزايد المخاوف من الاوضاع الاقتصادية والاحساس بأن هناك بطئا في تحقيق أي تقدم ويكفي أن قمة آمال المسئولين بالحكومة اليوم هي أن تعود الاوضاع لمعدلاتها قبل 25 يناير!! لم يعد هناك أدني شك في أن اشكالية الانتخابات أم الدستور أولاً تمثل بالفعل خلافاً جوهرياً نتلمس كل الأعذار لكلا فريقيه. لكن لابد أن تبقي حقيقة التحديات الخارجية التي تواجهها مصر ماثلة أمامنا. حقيقة لعل تفجير خط الغاز المصدر لإسرائيل لثالث مرة خلال ستة شهور يؤكدها بوضوح. لا يمكن لأي عاقل أن يقبل بأن البدو أو البلطجية هم الذين قاموا بهذا العمل المنظم والمخطط. لكن الذي لاشك فيه أن هناك بالفعل أيادي خفية تحاول العبث وتهدف مباشرة إلي خلق نوع من التوتر في علاقات مصر بإسرائيل وأقصد تحديداً بعض عناصر حماس وحزب الله. وبعيدا عن قضية أسعار الغاز والتي أكدت مصر مرارا وتكرارا أنها سوف تتمسك بحقوقها في أسعار عادلة للبيع وبما يتفق مع قواعد الشرعية الدولية والاتفاقات المماثلة والتغير الذي طرأ علي أسعار الطاقة. بعيدا عن ذلك كله فإننا مطالبون جميعا باتخاذ أقصي درجات الحيطة والحذر لأننا بالفعل نواجه مؤامرة نخطئ كثيرا لو أغفلنا التعامل معها، وهي مؤامرة دولية تستهدف تخريب مصر استغلالا لحالة فقدان الأمن وذلك من خلال التوسع في الأنشطة الاستخباراتية وتهريب الأسلحة والوقيعة بين أبناء الشعب المصري، بالاضافة لعمليات التمويل الواسعة التي تتم لمنظمات وجماعات وأفراد ترفع لافتات متعددة لحقوق الإنسان وحماية الثورة وهي منها براء. وهنا أود الاشارة إلي تصريحات رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف والذي أعلن فتح تحقيق في الأموال التي تأتي من الخارج لتمويل بعض الجماعات بعيداً عن رقابة الدولة والتي تمثل في رأيي تدخلاً سافراً لابد من كشفه والقائمين به. استطيع أن اؤكد ان مصادر تلك الأموال ليست أمريكا فقط والتي أعلنت في سفور انها قدمت 40 مليون دولار لدعم الثوار وهو افتراء علي شباب الثورة.
ولاشك أن اللعب علي وتر العلاقات المصرية الإسرائيلية ومعاهدة السلام الموقعة بين البلدين يمثل فرصة سانحة لتلك المؤامرة المحبوكة والتي تهدف في النهاية إلي جر مصر إلي مشاكل بهدف اضعافها وتشتيت جهودها واستنزاف أي قدرة لها علي المواجهة وحماية أمنها وسيادتها. لقد خُدعنا جميعا ونحن نناقش ظاهرة الغياب الأمني حيث أشارت أصابع الاتهام إلي النقص الشديد في أعداد الجنود والضباط ووجود تأثيرات نفسية تعوق تأديتهم لدورهم. لكن إعادة النظر في شكل الجريمة والقائمين بها والكم الكبير في أعداد الأسلحة المهربة والمسروقة يجسد في حقيقته تحدياً صعباً أمام تسليح قوات الشرطة وضوابط استخدامها للسلاح في منع الجريمة أو مواجهة الخارجين علي القانون. وهنا أعود إلي المهاترات التي بدأت بعض الفضائيات الترويج لها خدمة لأهداف مؤامرة اضعاف مصر والتي تتعلق بدور قواتنا المسلحة والمجلس الأعلي الذي يواجه بالفعل تحديات كثيرة، من واجبنا جميعا دعمه ومساندته لكي نعبر بمصر هذا المنعطف الخطير وحتي تتفرغ قواتنا المسلحة لدورها الحقيقي في تأمين مصر واستقرارها والحفاظ علي سيادتها. إن الإسراع بإجراء الانتخابات قبل الدستور قد يشوبه بعض المحاذير والتحديات فيما يخص الاستعداد لها من جانب الأحزاب والقوي السياسية، بالاضافة للحالة الأمنية. لكن مقارنة بسيطة بالخيار الثاني تؤكد بالفعل أهميته في هذا التوقيت الحرج وحتي تتفرغ قواتنا المسلحة لمهامها ودورها الذي تجيده بعيدا عن السياسة التي أصبحت »سبوبة« لبعض القوي والأفراد الذين يخدمون أجندات خارجية سواء بحسن نية في قليل من الأحيان أو بسوء نية في معظم الأحيان. إن محاولة المساس بدور قواتنا المسلحة يمثل افتراء وتجنياً وجريمة يرفضها شعب مصر كله والذي يجد في قواته المسلحة الدعم والسند والأمن والأمان.. وجاحد كل من ينكر ان نجاح الثورة جاء بفضل هذا الانحياز الذي اختارت فيه قواتنا المسلحة الوقوف بجانب الشعب في مطالبه المشروعة. لقد هالني وأحزنني أن أشاهد مجموعة من المثقفين والفنانين الذين ذهبوا لميدان التحرير في أيام الثورة لمجرد الظهور الإعلامي وهم يهاجمون دور المجلس الأعلي للقوات المسلحة في أحد برامج »التخريب شو« وبأسلوب يؤكد من جديد حاجتنا للفهم الدقيق لمعني الحرية والديموقراطية والفرق بينها وبين الابتذال والوقاحة. ولو كان أحد من هؤلاء قد عرف الحياة والموت علي رمال تكاد تكون جمراً. لو كان أحد منهم قد عرف وذاق طعم التشوق للشهادة في سبيل الوطن والدفاع عن ترابه لما تجرأ أبداً علي التجاوز المرفوض والممجوج في حق قواتنا المسلحة والذي يلجأ إليه اليوم كثيرون من هواة ركوب موجة الثورة والتمسح في أعتابها وهي منهم براء. ومرة أخري أقول: آه يا خوفي!!