لا أدري لماذا تم اغتيال عرض »بلقيس« للكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن الذي عاد به بعد غياب للمسرح وهو يحمل بين طياته عدة مفاهيم سياسية مهمة ترجمها المخرج القدير أحمد عبدالحليم في إطار شكل مسرحي جذاب ومثير يخاطب بمفرداته العقول والمشاعر والأحاسيس داخل القلوب. وقد ازدادت دهشتي أن تختفي »بلقيس« بعد 23 ليلة عرض علي خشبة المسرح القومي وقد بلغت تكاليف إنتاجها 007 ألف جنيه وأشرف علي خروجها إلي النور الفنان رياض الخولي الرئيس السابق للبيت الفني للمسرح واحتفي بها كبار النقاد والمثقفين والمهتمين بالحركة المسرحية. وقد شاء حظي ولأسباب خارجة عن إرادتي ألا اتمكن من مشاهدة عرض »بلقيس« في أسابيعه الأولي وفجأة علمت أن العرض توقف لحين إشعار آخر وعندما سألت عن السبب قيل لي عدة روايات بعضها منطقي يتقبله العقل بوعي وفهم والبعض الآخر يدعو للسخرية والغضب! فالشيء المنطقي الذي قيل عن أسباب توقف عرض »بلقيس« ويتقبله العقل أن توقيت تقديم هذه المسرحية تزامن مع قيام مصر ممثلة في شبابها بثورة 52 يناير المجيدة التي غيرت وجه الحياة السياسية وأصبحنا علي أبواب مرحلة جديدة تتطلب الحذر واليقظة وبالتالي من غير المعقول أن يهتم أحد بالتردد علي المسارح ودور العرض السينمائي، ووطنه في حالة مخاض جديد. بينما استمعت إلي آراء أخري عن أسباب إلغاء عرض »بلقيس« تدعو إلي السخرية والغضب حيث قيل إن هناك خلافات شبه يومية بين الممثلين ترتب عليها حدوث هزة أفقدت المسرحية قوتها وتجانسها، أي أن كواليس العرض سيئة! وإذا كانت كواليس العرض سيئة فتلك مصيبة كبري أن تُغتال »بلقيس« بسبب خناقة هنا وأخري هناك أو تلاسن بالألفاظ بين نجوم كبار وممثلين صغار ثم تتطور الأمور وتزداد اشتعالاً دون أن يتحرك أحد لوقف مثل هذه التفاهات حتي لا تتسبب في إهدار ميزانية ضخمة علي عرض يستمر لمدة 23 يوماً ثم يغلق أبوابه ووسط هذه الأجواء المتوترة تؤكد أقاويل أخري بجانب ما ذكرته من قبل أن المكتب الفني »للقومي« يري أن العرض دون المستوي مما يزيد الأوضاع سخونة ويدعونا إلي طرح العديد من الأسئلة علي من بيدهم الأمر في الحركة المسرحية فكيف لكاتب في حجم وقامة »محفوظ عبدالرحمن« أن يكتب عملاً لا تتوافر فيه عناصر النجاح؟ وما الذي يدعو مخرج كبير مثل أحمد عبدالحليم للمخاطرة باسمه ومكانته وتاريخه لتقديم عرض لا يمثل إضافة قوية لرصيده الفني كمخرج ومدير سابق لأعرق مسارح الدولة؟ ثم هل يعقل أن كبار النجوم الذين تصدرت أسماؤهم أفيشات المسرح وجدران الميادين والشوارع هم أيضاً دون المستوي لقبولهم العمل في عرض متدن ومشكوك في مكونات نجاحه ومدي إقبال الجماهير علي متابعته؟ طبعا هذا كلام فارغ وغير صحيح علي الاطلاق ومآساة أخلاقية وفنية بكل المقاييس . إنني اتصور أن العقل والمنطق يقولان إن أسباب تعثر »بلقيس« وعدم تحقيقها لإيرادات جماهيرية يعود إلي خطأ جسيم في توقيت العرض فمن غير المعقول أن تحدث ثورة 52 يناير وتفرز مناخاً ثقافياً وسياسياً جديداً له كيان وشكل وطابع خاص جداً، ثم يأتي واحد عبقري ويقدم عرضاً مسرحياً أو فيلماً سينمائياً ليس له علاقة بما يدور في الشارع المصري. وكان الأجدر أن يتم تأجيل العرض لوقت آخر، أو أن يتم تسجيله تليفزيونياً لاستثماره فيما بعد ولعرضه علي قنواتنا الأرضية والفضائية عندما تعود الحياة إلي طبيعتها. والآن مطلوب قرار من د. عماد أبو غازي وزير الثقافة بضرورة إعادة تقديم العرض عندما تستقر الأوضاع في بلادنا مع ضرورة عرضه في المحافظات وتسويقه في المهرجانات المسرحية العربية الشهيرة وتسجيله لشاشة التليفزيون وتكريم صناع »بلقيس« بداية من المؤلف والمخرج ومروراً بالممثلين وبقية عناصر العرض المسرحي الأخري.. واتصور أن الصديق الفنان خالد الذهبي مدير المسرح القومي لن يمانع في ذلك لأنه ابن شرعي للمسرح ولم يسقط عليه بالباراشوت لزوم الوجاهة والشياكة فقط!