السادة ولاة الأمر في بلدنا قرروا أن يضعوا مسئولية إعداد الدستور الجديد في رقبة البرلمان القادم! هذا التأجيل ليس خطأ دستوريا فقط لأنه لا يصح قانونا أن تجري انتخابات برلمانية قبل أن نضع دستورا ينظمها ويحدد قواعدها.. بل هو أيضا بمثابة ترحيل وتسويف لعملية الانتقال الديمقراطي الذي استهدفته ثورة الأمة في يناير الماضي! ولاة أمر مصر الآن.. يتجاهلون عمدا ومع سبق الإصرار ان مأساة مصر طوال الثلاثين عاما الماضية كان سببها البرلمان ونوابه من الأغلبية التي أتت إليه من خلال تزوير الصناديق الانتخابية.. وتزييف إرادة الناخبين.. وما ترتب عليه من خضوع للحزب الوطني وعقد زواج باطل بين السلطة التشريعية ورموز الدولة.. استمر علي مدي سنوات الرئاسة السابقة! البرلمان.. تنازل عن سلطته التشريعية في اقتراح.. وإقرار مشروعات قوانين تهم الناس.. وترك مسئوليتها للحكومة لتعدها وتستنزف بها وقت الدورة.. وتمرر فيها ما تشاء من قوانين وتعديلات تشريعية أضرت بالمصالح العامة.. وبحقوق المواطنين مثل فرض ضرائب ورسوم متعددة وآخرها الضريبة العقارية وغيرها! البرلمان لم يمارس دوره الرقابي علي الحكومة وأجهزتها.. وحاصر الاستجوابات المهمة التي قدمتها المعارضة ضد الانحراف والفساد.. ومنع انعقاد لجان الاستماع وتقصي الحقائق أحد أهم أدواته الرقابية.. بل وتجاهل تقارير جهاز المحاسبات ووضع أخطرها في ادراج وثلاجات المجلس للتستر علي جرائم السلطة التنفيذية! البرلمان.. منح الرئيس مبارك وعلي مدي سنوات حكمه تفويضا منذ عام 1891 للانفراد بعقد صفقات السلاح بلا رقابة ولا شفافية وهو ما حقق له أرباحا طائلة.. لا تعلم حجمها أي جهة رقابية في مصر.. لأنها لا تعرض علي مجلس الشعب.. ولا يراقبها الجهاز المركزي للمحاسبات.. تلاها عقود صفقات الغاز المشبوهة وعمولاتها التي ضاعت في خزائن البنوك الاجنبية وصناديق الاستثمار الاوروبية! البرلمان.. الذي وافق علي استيلاء وزير المالية علي أموال التأمينات والمعاشات ولم يحاسبه علي إهدار أكثر من 004 مليون جنيه في »صندوق الشبح« للاستثمار في البورصة.. ولم يوجه له اللوم علي تصاعد الديون ووصولهاإلي أكثر من 0001 مليار جنيه. وتعديها الحدود الآمنة.. ولن تستطيع الحكومات القادمة مواجهتها إلا باستعادة الأموال التي خرجت من بلدنا في حسابات المسئولين من لصوص المال العام! البرلمان.. الذي أقر بيع أصول مصر من فنادق ومصانع وموانئ وأراض في مزاد داخل أروقة الوزارات ومكاتب المسئولين.. وفي صفقات اشتراها أصحاب النفوذ من وزراء واصدقاء الاسرة الحاكمة.. وبأبخس الأسعار.. ولم يسألهم أين ذهبت حصيلتها؟! البرلمان.. أغمض عيونه عن التلاعب بالنص الدستوري الذي يمنع نوابه من شغل وظائف قيادية في شركات وهيئات الحكومة.. وأيضا في التعامل بالبيع والشراء والاتجار مع أجهزة الدولة.. فمارسوا التجارة واشتروا وباعوا وعقدوا صفقات معها.. وحققوا أرباحا طائلة.. تحت حماية ورعاية الحصانة البرلمانية! البرلمان.. خضع لرئيس الجمهورية ولحزبه الوطني.. وشاركهم في وضع القوانين سيئة السمعة.. وفي إجراء التعديلات الدستورية المشبوهة.. وتمرير مواد التوريث علي حساب مصلحة الوطن! البرلمان مسئول عن إفساد الحياة السياسية وعن استمرار قانون الطوارئ.. وتزوير الانتخابات.. وإهدار الأحكام القضائية.. وضياع حقوق الإنسان المصري والسماح باعتقال وتعذيب الآلاف وبقائهم في السجون سنوات طويلة بدون محاكمات! السادة الجنرالات في المجلس العسكري.. ومعهم القوي السياسية الأخري المؤيدة لهم.. من يضمن لمواطني مصر المحروسة أن البرلمان القادم سوف يكون مختلفا.. ولن يعقد صفقات مشبوهة مع الرئيس القادم وحكومته علي حساب مصلحة الوطن؟! من يضمن لنا أنهم سيضعوا دستورا محترما يحقق حلم مصر في الخروج من دائرة الاستبداد والفساد.. والعبور إلي ديمقراطية حقيقية؟!