لا يمكن لمصر، أن تغض بصرها عما يجري في اليمن، هذه الأيام، حيث القتال بين قوات الحكومة الشرعية، المدعومة بقوات التحالف العربي، وبين الحوثيين المتطلعين إلي الاستيلاء علي السلطة، بدعم من إيران وقطر. ولتحديد موقع اليمن بالنسبة لدوائر الأمن القومي المصري، نُلقي، أولاً، نظرة سريعة، علي دوائر الأمن القومي المصري القريبة، وعددها خمس دوائر، تتمثل في الدائرة العربية، والدائرة الأفريقية، ثم دائرة حوض نهر النيل، ودائرة البحر الأبيض المتوسط، وأخيراً، دائرة البحر الأحمر. تشترك اليمن في دائرتي أمن قومي لمصر، وهما الدائرة العربية، وكذلك دائرة البحر الأحمر، إلا أن ما يعنينا اليوم، هو وقوعها في دائرة الأمن القومي للبحر الأحمر، وما لذلك من تأثير علي الأمن القومي المصري. تسيطر اليمن علي المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، من خلال مضيق باب المندب، الذي يعتبر الممر الرئيسي للدخول إلي البحر الأحمر، من جهة الجنوب، وأي زعزعة لاستقرار اليمن، ووحدته، يعني سيطرة قوي أخري، غير عربية، علي مضيق باب المندب، الذي يتحكم في الملاحة في البحر الأحمر، المؤدي إلي قناة السويس القديمة والجديدة، ومن ثم المنطقة الاستثمارية اللوجستيكية حول قناة السويس. وأي سيطرة علي مضيق باب المندب، تعني التحكم في ثلث الدخل القومي المصري. ومن هنا جاءت أهمية البحث في دائرة الأمن القومي المصري للبحر الأحمر. لقد ظهرت أهمية اليمن، من قبل، خلال حرب أكتوبر 73، حيث نجحت مصر في مفاجأة إسرائيل، بإعلانها إغلاق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية، يوم 6 أكتوبر، مع بدء اقتحام قواتنا المسلحة لقناة السويس، فمنعت، بذلك، أي سفن إسرائيلية من عبور باب المندب إلي ميناء إيلات، أوحتي عبور أي بضائع من إسرائيل من خلال ميناء إيلات عبر باب المندب، حيث تمركزت القوات البحرية المصرية هناك، وقامت بتفتيش جميع السفن المتجهة إلي إيلات حاملة بضاعة إلي إسرائيل، أوالمغادرة من هذا الميناء. وبالطبع سبق هذا الإعلان، زيارة بعض القادة المصريين إلي اليمن، وتحديداً ميناء الحديدة، الذي اعتمدت عليه القوات البحرية المصرية، ليكون قاعدة لوجستيكية للقوة البحرية المنوط بها تأمين باب المندب، من حيث الإمداد بالمياه والوقود والتقنيات والخدمات الطبية والإصلاح. وهوما تم في سرية تامة، تحت ستار إنشاء شركة إستثمارية هناك، ولم يتم إبلاغ القيادة اليمنية إلا يوم العبور فقط، في إطار تحقيق السرية وعدم الكشف عن نية الهجوم، وهوما عزز من هول وشدة المفاجأة علي الجانب الإسرائيلي. ومن هنا ظهرت أهمية، ودور اليمن، في تأمين مدخل البحر الأحمر، وبالذات ميناء الحديدة، الذي يُعتبر أهم ميناء في المنطقة، لما يتوافر فيه من إمكانات بحرية كبيرة، تسمح لمن يسيطر علي الميناء، من السيطرة علي الملاحة في منطقة البحر الأحمر. وعلي الرغم من أنه لم يكن له دور كبير عندما تعرض البحر الأحمر لأعمال التهديد من القراصنة الصوماليين، إلا أن قوات حلف الناتواستخدمت القواعد العسكرية الموجودة في جيبوتي، سواء القاعدة الفرنسية، أوالأميركية في التصدي للقراصنة الصوماليين في ذلك الوقت. واليوم ونحن نتابع ما يدور من أعمال القتال في اليمن، التي تؤثر بصورة مباشرة علي كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تتعرض السعودية للضربات الصاروخية، الموجهة من اليمن، لتهديد مدنها الرئيسية، مما دفع إلي إنشاء قوة التحالف العربي، بهدف القضاء علي الحوثيين المتمردين، وفرض إدارة وسيطرة الحكومة اليمنية وقواتها الشرعية علي مقاليد الحكم في البلاد. ولقد اشتركت مصر في هذا التحالف، بعناصر من القوات الجوية والبحرية، وأعمال التعاون المعلوماتي، دون الاشتراك بقوات برية، وهوما كان من أهم القرارات المصيرية التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لصالح شعب مصر. وتلقي، حالياً، أعمال القتال بين الطرفين، في اليمن، اهتماماً كبيراً من القيادة المصرية، حيث تدعم مصر بكافة الطرق، القوات الشرعية هناك، خاصة أن المتمردين الحوثيين يتلقون دعماً كبيراً من كل من إيران وقطر. وفي هذا الإطار، كان التقارب المصري مع إريتريا في المنطقة تحركاً استراتيجياً، بهدف استكمال تأمين عملية السلام في البحر الأحمر، خاصة أن سواحل إريتريا الطويلة الممتدة علي البحر الأحمر، يمكن أن تقدم أي معونة كانت تقدمها اليمن إلي القوات المصرية من قبل. لكن سيظل استقرار واستقلال اليمن، مهما كانت الظروف، هدفاً رئيسياً لمصر، ولأمنها القومي، وهوما ستعمل مصر دوماً علي تحقيقه، وتعزيزه، والحفاظ عليه ضمن أهم دائرة من دوائر الأمن القومي المصري، وهي دائرة البحر الأحمر.