لم تنشغل مصر بما جري من نقاش في الحوار الوطني بقدر ما اهتم الجميع بمتابعة مصير المشادات بقاعة المؤتمرات حول مشاركة فلول النظام السابق وهل يمكن للثورة عدم إقصائهم بإعتبار أنها قامت لتسقط دولة الظلم وتؤسس الديمقراطية أم لا؟ ولأن الفلول اختفت بعد الجلسة الافتتاحية في اليوم الأول وانسحب عدد من الشباب اعتراضا علي دعوة شخصيات محسوبة علي النظام السابق، فقد انشغل باقي المشاركين بالخلاف علي الحصول علي أطول فترة ممكنة في الحديث واستعراض وجهات النظر للتأكد من أن الكل يسمعهم لتكون النتيجة في النهاية "خناقة" أخري حول إلقاء البيانات. وانتهي المؤتمر للمرحلة "أ" بإجماع الحضور علي أنهم اتفقوا علي إطار توافقي بأن تكون هناك مرحلة "ب" للحوار لاصدار توصيات!... المناخ العام للثلاثة أيام التي جرت خلالها جلسات الحوار الوطني سيطر عليه التوتر والتحفز نحو أي خلاف يؤدي إلي مشكلة تفسد الحوار، بل وسيطر علي كثير من المشاركين روح اليأس من إمكانية أن يكون لجلسات الحوار نتيجة ملموسة تضيف شيئا علي أرض الواقع كما كان عدد الحضور ضعيفا في العديد من الجلسات. وكانت دعوة شخصيات محسوبة علي النظام السابق هو نفس المأزق الذي أفسد الحوار الذي عقد أول وآخر جلساته برئاسة د. يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء في مجلس الوزراء وحضره د.عصام شرف رئيس الوزراء وتحول إلي خلافات حول دعوة بعض أعضاء الحزب الوطني المنحل وأيضا مشادات حول شكل الحوار بإعتباره "مكلمه" ليس منها جدوي بإعتبار ان الحوار لا يملك أجندة محددة المحاور يتم من خلالها تناول مستقبل مصر، ويبدو ان القائمين علي اعداد الحوار الوطني أرادوا تغيير "العتبة" فأعلنوا عن بدء حوار جديد برئيس جديد هو د.عبد العزيز حجازي وأعد القائمون علي المؤتمر محاور محددة ولكنهم لم يلتفتوا لأهمية مراجعة أسماء الحضور الذين تسبب وجودهم ودعوتهم في الحوار بنسخته الأولي برئاسة د.الجمل في مأزق عدم إستكماله.لذلك لم يكن هناك جديد سوي تغيير رئيس الحوار الوطني بإستبدال د.يحيي الجمل بالدكتور عبد العزيز حجازي بينما سيناريو الحوار الذي رسمه د.الجمل ظل كما هو.. إلا أن الحكومة استوعبت الدرس هذه المرة وأعلنت عدم مشاركتها رسميا واكتفت بالحضور الشرفي في الحوار خلال جلسة الإفتتاح وقالت: لم نشارك حتي لا يشعر المشاركون بأن الحوار موجه أو رسمي بل هو حوار مجتمعي.. وذلك بالرغم أن الحكومة تتحمل فواتير قاعة المؤتمرات والبوفيه المفتوح. ولم يكن هناك أسهل من التغلب علي مشكلة عدم وجود محاور حيث تم وضع خمسة محاور وهي (محور إقتصادي ومحور للتنمية البشرية ومحور إعلامي وثقافي ومحور للسياسة الخارجية ومحور للديمقراطية وحقوق الانسان) علي أن تكون هناك جلسة محددة بكل محور يشارك فيها المتخصصون. ولم تتضمن جلسات مناقشة المحاور كلمة جديدة سوي إضافة عبارة 25 يناير بعد كل جملة حيث لم تحمل الأوراق البحثية أي فكرة جديدة واعتمد المشاركون علي إضافة كلمة "25 يناير" في العناوين بينما الواقع يؤكد أن جميع الأفكار التي تم طرحها معروفة منذ سنوات وكان الخلاف دائما حول أسلوب تطبيقها وحتي ان كان ذلك يتطلب نقاشا، فلم يكن هناك من يسمع الآخر والكل يسعي لعرض وجهة نظره ثم سرعان ما يرحل بمجرد إنتهائه منها. حضور ضعيف المحور الإقتصادي كالعادة انتهي إلي أهمية تنفيذ المشروعات الصغيرة كما تتضمن النقاش أهمية وضع حوافز لرجال الأعمال لتدريب الشباب للتغلب علي عقبة عدم ملاءمة مخرجات التعليم في مصر لمتطلبات الوظائف المتاحة في السوق وضرورة تمكين الشباب من الأراضي لاستصلاحها. واعترف د.أحمد جلال الخبير الإقتصادي بأن المحور الإقتصادي لم يكن فعالا أو شيقا خلال جلسات الحوار الوطني لأن المجتمع حاليا مشغول بالسياسة فقط وبالفعل كانت الجلسة الإقتصادية الأكثر تراجعا من حيث نسبة الحضور التي لم تتخط أصابع اليدين. أما المحور الثقافي والإعلامي فقد ركز علي ان الإعلام المصري يحتاج إلي إصلاحات متعددة وأن غياب الإهتمام بالثقافة سبب رئيسي لتراجع الهوية المصرية وهو ما يجب أن يتغير بعد 25يناير اسمعونا وشهد محور الديمقراطية مشادات بين الشباب والحاضرين بسبب فرصة الحديث وإبداء الرأي حيث كانت الجلسة الأكثر سخونة حيث حضر بعض الشباب متأخرين عن موعدهم مما تسبب في ضياع فرصتهم لإلقاء كلمتهم ومن هنا شب الخلاف بين الشباب والحضور لتمسك الشباب بفرصتهم في الحديث. وكانت الملاحظة في جلسة محور الديمقراطية وحقوق الإنسان وجود نقاش ناعم بين د.صفوت حجازي الداعية الإسلامي والمحسوب علي التيار السلفي ود.عمرو حمزاوي علي هامش جلسات المؤتمر بالرغم ان كلاهما اختلف حول موعد اجراء الإنتخابات البرلمانية. واختتم مؤتمر الحوار الوطني جلساته بمناقشة المحاور التي يوجد عنها في مصر مئات البحوث والأفكار، وعقب ذلك بدأ مؤتمر الوفاق القومي اعماله برئاسة د.يحيي الجمل لمناقشة الإطار العام للدستور المصري الجديد ولم يحظي مؤتمر الوفاق بشعبية كبيرة بالإضافة إلي مقاطعة الإخوان وكان حضور الجلسة الأولي ضعيفا وتحولت إلي مناظرة لعرض الإتجاهات الشخصية والخلافات المذهبية بين فقهاء الدستور إلي جانب سعي مرشحي الرئاسة لإلتقاط الصور والجلوس في الصفوف الأولي وكانت هناك خلافات علي أهمية المؤتمر والجدوي منه في ظل أنه لا يقوم علي أساس مناقشة القوانين السياسية التي يتم إصدارها حاليا قبل القفز مرة واحدة لمناقشة الدستور . وبين الحوار الوطني والوفاق القومي يبدو أن لا شئ يتغير حيث ترفض بعض القوي السياسية تلك الحوارات ذات الرعاية الحكومية وبالتالي تم إطلاق مؤتمر مصر الأول برعاية د.ممدوح حمزة ويضم البرلمان الشعبي وبعض الشخصيات السياسية ويهدف إلي مناقشة الأوضاع في مصر ويوجد أيضا التيار المصري الرئيسي ويتضمن طوائف سياسية متعددة ويحظي بدعم رئيس الوزراء ويعلن أن هدفه تمثيل المواطن المصري ومناقشة قضايا الوطن.