افتتاح أول مدرسة للتكنولوجيا التطبيقية والصناعات الدوائية بالإسماعيلية (صور)    «الضرائب» تكشف حقيقة وجود زيادة جديدة في أسعار السجائر    موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025.. متى يتم تغيير الساعة في مصر رسميا؟    الإدارية العليا : وضع اليد لا يكسب حقًا في تملك أراضي الدولة دون جدية الاستصلاح    الجمود السياسي في واشنطن يوسع نفوذ ترامب على الإنفاق الفيدرالي وسط استمرار الإغلاق الحكومي    إعلام عبري: إصابة 12 جنديا في حادث طرق عملياتي على حدود غزة    مرموش يشارك في خسارة مانشستر سيتي أمام أستون فيلا    المصري يتعادل مع الزمالك خارج ملعبه بهدف لكل منهما    داري يرفض الرحيل إلى الدوري الليبي ويتمسك بالبقاء في الأهلي    مُسعف وسائق يعثران على 115 ألف جنيه بحوزة مصابين في حادث تصادم بقنا    ضبط المتهم بإصابة 3 أشخاص في حفل خطوبة بسبب غوريلا.. اعرف التفاصيل    القضاء الإداري يرفض إلغاء عمومية النادي الأهلي    هيثم نبيل: لم أتوقع كل هذا النجاح لدوري بمسلسل "لينك"    وزير الصحة: منظومة "التأمين الشامل" تغطي 73% من سكان السويس    البابا تواضروس يكلف الأنبا چوزيف نائبًا بابويًّا لإيبارشية جنوب إفريقيا    خبير سياحي: افتتاح المتحف المصري الكبير حدث تاريخي ومنصة تسويقية عالمية لمصر    حالة الطقس غدًا الإثنين .. شبورة مائية كثيفة وأجواء خريفية مائلة للبرودة    أستون فيلا ضد مان سيتي.. السيتيزنز يتأخر 1-0 فى الشوط الأول.. فيديو    الهجرة الدولية: نزوح 340 شخصا بولاية شمال كردفان السودانية    وزير الخارجية يتابع استعدادات افتتاح المتحف المصري الكبير    بسبب خلافات بينهما.. إحالة مدير مدرسة ومعلم بالشرقية للتحقيق    محافظ المنوفية يتفقد عيادات التأمين الصحي بمنوف    القوات المسلحة تدفع بعدد من اللجان التجنيدية إلى جنوب سيناء لتسوية مواقف ذوي الهمم وكبار السن    وزير الخارجية ونائب الرئيس الفلسطيني يناقشان التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر إعادة إعمار غزة    تجهيز 35 شاحنة إماراتية تمهيدًا لإدخالها إلى قطاع غزة    مستوطنون يهاجمون المزارعين ويسرقوا الزيتون شرق رام الله    مقتل شخصين وإصابة ثمانية آخرين جراء هجمات روسية على منطقة خاركيف    إطلاق مبادرة "افتح حسابك في مصر" لتسهيل الخدمات المصرفية للمصريين بالخارج    التنسيقية تشارك في فعاليات الاحتفالية الكبرى "وطن السلام"    تامر حبيب يهنئ منة شلبي وأحمد الجنايني بزواجهما    «بينشروا البهجة والتفاؤل».. 3 أبراج الأكثر سعادة    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    محافظ المنوفية يتفقد إنشاءات مدرسة العقيد بحري أحمد شاكر للمكفوفين    محمود عباس يصدر إعلانًا دستوريًا بتولي نائب الرئيس الفلسطيني مهام الرئيس «حال شغور المنصب»    وزير الصحة يتفقد مجمع السويس الطبي ويوجه بسرعة الاستجابة لطلبات المواطنين    مدير الكرة بالزمالك يحذر شيكو بانزا من إثارة غضب الجماهير    مساعد وزير الثقافة يفتتح مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    المرشح أحمد حسام: "شرف كبير أن أنال ثقة الخطيب وأن أتواجد ضمن قائمته"    كيف تتعاملين مع إحباط ابنك بعد أداء امتحان صعب؟    الشوربجى: الصحافة القومية تسير على الطريق الصحيح    الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مايوركا وليفانتي بالدوري الإسباني    منح العاملين بالقطاع الخاص إجازة رسمية السبت المقبل بمناسبة افتتاح المتحف    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي لأبرز المشروعات والمبادرات بالسويس    حصاد أمني خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا تهريب وتنفيذ 302 حكم قضائي بالمنافذ    مصدر من الأهلي ل في الجول: فحص طبي جديد لإمام عاشور خلال 48 ساعة.. وتجهيز الخطوة المقبلة    الأهلي يشكو حكم مباراة إيجل نوار ويطالب بإلغاء عقوبة جراديشار    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    اتحاد التأمين يوصى بارساء معايير موحدة لمعالجة الشكاوى تضمن العدالة والشفافية    «الداخلية» تكشف حقيقة اعتداء وسرقة «توك توك» بالإسماعيلية    عمرو الليثي: "يجب أن نتحلى بالصبر والرضا ونثق في حكمة الله وقدرته"    الكشف على 562 شخص خلال قافلة طبية بالظهير الصحراوى لمحافظة البحيرة    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    بحفل كامل العدد.. صابر الرباعي وسوما يقدمان ليلة طربية في ختام مهرجان الموسيقى العربية    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من 25 يناير إلي 30 يونيو.. ثورة أم مؤامرة؟ «11»
المجلس العسكري يواجه أزمة «رفض» تعيين محافظ قنا »القبطي«
نشر في أخبار اليوم يوم 05 - 05 - 2018

المشير طنطاوي يرسل وفداً لتهدئة الأوضاع بعد قطع الطرق والسكة الحديد
‎كانت أزمة المحافظ القبطي عماد شحاتة ميخائيل الذي تم تعيينه محافظًا لقنا، هي من أخطر الأزمات التي واجهت المجلس العسكري في شهر أبريل عام 2011، إذ تصاعدت الاحتجاجات التي كادت تهدد أمن البلاد واستقرارها. وفي هذه الحلقة يتعرض الكاتب الصحفي الزميل مصطفي بكري إلي وقائع هذه الأزمة الخطيرة وماتلاها، كما يتعرض إلي حواره المهم مع المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي جري في مقر وزارة الدفاع في هذا الوقت.
في الرابع عشر من أبريل 2011، أصدر المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة حركة المحافظين الجديدة، والتي جري بمقتضاها تغيير 18 محافظًا جديدًا في شتي أنحاء الجمهورية ونقل اثنين من المحافظين إلي محافظات أخري، بينما بقي خمسة محافظين في مواقعهم. وقد جري تعيين اللواء عماد شحاتة ميخائيل محافظًا لقنا خلفًا للواء مجدي أيوب (المسيحي الديانة)، مما دفع أعداداً ليست بالقليلة من أهالي قنا إلي التظاهر والاحتجاج والاعتصام في مواجهة هذا القرار حتي قبل أن يؤدي المحافظ اليمين الدستورية. وقد تولي قيادة هذه الاحتجاجات عدد من الرموز السلفية والإخوانية الذين اعتبروا أن تعيين محافظ مسيحي الديانة خلفًا للواء مجدي أيوب يعني أن الحكومة المركزية مصرة علي تعيين مسيحي للمرة الثانية علي التوالي محافظًا لقنا، وهو أمر لا يمكن القبول به، كما وضح من شعاراتهم في هذا الوقت. وفي مساء ذات اليوم، قامت الرموز السلفية والإخوانية ومعها بعض الرموز القبلية بالدعوة إلي مظاهرات محدودة في ميدان الساعة بوسط المدينة، وفي نهايتها قام المتظاهرون بالدعوة لمظاهرة حاشدة في اليوم التالي والذي وافق الجمعة 15 أبريل. وبدأت عمليات التحريض تتسع في كل أنحاء المحافظة من خلال الاتصالات وبعض أئمة المساجد وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، مما تسبب في خروج مظاهرة كبري من مساجد قنا قوامها لا يقل عن ثلاثين ألف متظاهر في اعتصام مفتوح لحين التراجع عن هذا القرار، وتعهدوا بعدم السماح للمحافظ الجديد بدخول مبني ديوان عام المحافظة، وهدد المتظاهرون يومها بأنه إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم فسوف يقومون بقطع كل الطرق المؤدية إلي قنا ومن بينها السكة الحديد. وبالفعل تحركت مجموعات من المتظاهرين إلي طريق مصر - أسوان البري وقاموا بإغلاقه لمدة 4 ساعات، ثم أعادوا فتحه لمدة مماثلة، ورغم الضغوط التي مارسها عدد من القبائل علي المتظاهرين لعدم التصعيد، إلا أن المحتجين صمموا علي قطع الطرق والإعلان عن محاصرة بعض المنشآت الحيوية في المدينة. وفي نفس المساء صمم المتظاهرون علي أن يقضوا ليلتهم أمام مبني ديوان عام المحافظة، في حين قام المحافظون الجدد ومن بينهم محافظ قنا بأداء اليمين الدستورية في اليوم التالي، مما دفع المعتصمين إلي تنفيذ تهديداتهم وقاموا بقطع الطرق السريعة بين القاهرة وأسوان، ثم تطور الأمر إلي قيامهم بقطع الطريق الغربي عند منطقة دندرة وأيضًا قطع طريق قنا - البحر الأحمر، ثم قاموا بقطع طريق السكة الحديد من ناحية مزلقان »المعنا»‬ القريبة من مدينة قنا، وتلاه قطع طريق السكة الحديد من ناحية مزلقان سيدي عبدالرحيم القنائي، ثم من ناحية قرية البياضية. وفي يوم الأحد 17 أبريل، حدث تطور بالغ الخطورة، إذ قام المجلس الشعبي المحلي بقنا بتجميد أعماله لحين الاستجابة لمطالب المتظاهرين، وقد قام المتظاهرون بتوجيه رسالة إلي صناع القرار وقالوا فيها: »‬شكرًا لأنكم ستجعلوننا نستخدم العقل الصعيدي» في إشارة تعني التمسك بمطلبهم حتي النهاية. في هذا الوقت قرر د. عصام شرف رئيس الوزراء سفر عدد من الوزراء وكبار المسئولين في حكومته وكان من بينهم اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية واللواء محسن النعماني وزير التنمية المحلية، حيث سعوا إلي التواصل مع رموز العائلات والقبائل القناوية لمساعدتهم في الحوار مع المحتجين لإقناعهم بفتح الطرق المغلقة والتوقف عن الاحتجاجات الواسعة في المدينة، وقد رفض المعتصمون إجراء أي حوار مع الوفد الحكومي، وحذروا الآخرين من الحوار معهم وأكدوا أنهم لن يتراجعوا عن مواقفهم. وقد بدأت الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة تهتم بالقضية وتعرض تطوراتها أولًا بأول مما زاد من حدة الاحتجاجات، خاصة بعد أن أعلن د. يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء في هذا الوقت أن محافظ قنا عماد خليل باقٍ في موقعه. وقد قال أحد رموز هذا الاحتجاج ويدعي »‬الشيخ عبدالله»: »‬إننا نعتذر عن قطع السكة الحديد، لكن هذه كانت الطريقة الوحيدة لإيصال صوتنا، لأن أحدًا لم يستجب لنا منذ بداية الاعتصام أو يلتفت إلينا إلا بعد قطع السكة الحديد»، وقال: »‬إذا لم يتم الاستجابة لمطالبنا فسوف ينضم إلينا عمال شركة توزيع الكهرباء، وسوف نقوم بقطع خط الكهرباء رقم (500) الذي يغذي محافظة القاهرة ومحافظات شرق الدلتا وكذلك محبس المياه الذي يغذي محافظة البحر الأحمر»، ومع تطور الاعتصام وضع المعتصمون أسلاكاً شائكة ومتاريس أمام جميع الطرق المؤدية إلي مبني المحافظة. كما قاموا بوضع مكبرات الصوت في الاتجاهات الأربعة المؤدية إلي مبني المحافظة، وكانت الهتافات تقول: »‬لا اشتراكية ولا بعثية ولا ديمقراطية بل إسلامية»، »‬لا إله إلا الله، إسلامية إن شاء الله»، »‬يا أيوب (يقصد المحافظ السابق) قل أخوك لو جيت قنا حيدبحوك»، وعندما راح البعض يردد أن قنا ستعلن كولاية إسلامية، سخر منهم العديد من الرموز الدينية ومن بينهم الشيخ قرش سلامة والذي كان واحدًا من قادة الاعتصام، وقالوا إن هذه أكاذيب وادعاءات وأن مطلبنا محصور فقط في تغيير المحافظ القبطي.
• • •
‎في هذا الوقت وتحديدًا في العاشرة من صباح الثلاثاء التاسع عشر من أبريل 2011، كنت مع وفد من أبناء حلوان في زيارة إلي اللواء حسن الرويني قائد المنطقة العسكرية المركزية وذلك لإبلاغه برفض أبناء حلوان لقرار الحكومة بإلغاء محافظة حلوان وإعادة تبعيتها مرة أخري إلي محافظة القاهرة.
وقبيل أن نمضي إلي مكتب المشير طنطاوي أبلغني اللواء الرويني أن المشير طنطاوي قرر إيفاد وفد شعبي إلي أهالي قنا للتفاوض معهم بقصد إنهاء الاعتصام وفتح الطرق المغلقة،‮ ‬وسألني إذا كنت أقبل أن أكون عضوًا في هذا الوفد؟‮!‬ وعندما سألته علي الفور،‮ ‬ومن سيكون ضمن أعضاء الوفد؟‮!‬ - قال لي الرويني: أنت والشيخ محمد حسان وصفوت حجازي. توقفت لبعض الوقت وسألته‮: ‬ولماذا صفوت حجازي،‮ ‬تحديدًا؟‮!‬ - قال اللواء الرويني‮: ‬يبدو أن له أنصارًا هناك،‮ ‬كما أن الشيخ حسان أوصي بأن‮ ‬يرافقه في هذه الزيارة‮.‬ أبديت موافقتي علي المشاركة ضمن الوفد،‮ ‬فأنا أنتمي لهذه المحافظة،‮ ‬ومهتم بما‮ ‬يجري فيها،‮ ‬ولدي معرفة عميقة برموزها القبلية والعائلية‮.‬
مضينا في سيارة عسكرية من مبني المنطقة المركزية إلي وزارة الدفاع،‮ ‬ثم صعدت أنا واللواء حسن الرويني إلي صالون الاستقبال الرئيسي في مبني الوزارة‮.‬ دقائق معدودة،‮ ‬وجاء المشير طنطاوي،‮ ‬كان جسده نحيلاً‮ ‬للغاية،‮ ‬ووجهه‮ ‬يبدو شاحبًا،‮ ‬والارهاق والتعب باديًا عليه،‮ ‬وكأنه‮ ‬يحمل هموم الدنيا علي ظهره‮.‬ تعانقنا،‮ ‬وبادرني بالسؤال‮.. ‬أنت فين؟‮!‬ - قلت له‮: ‬موجود‮ ‬يا فندم‮.. ‬تحت أمرك - قال‮: ‬موجود فين،‮ ‬انتوا سايبني لوحدي. - قلت له‮: ‬إزاي يافندم‮.. ‬الناس كلها معاك،‮ ‬وبنقول لك كان الله في عونك‮.‬ تدخل اللواء حسن الرويني في الحديث،‮ ‬وقال‮:‬ - علي فكرة‮ ‬يا فندم،‮ ‬خلاص أنا أبلغت الشيخ محمد حسان وصفوت حجازي ومعاهم مصطفي بكري حيسافروا عصر اليوم إلي قنا علشان موضوع الاعتصام وقطع الطرق‮.‬ - قال المشير طنطاوي: وليه بس صفوت حجازي،‮ ‬أنا لا أحب هذا الشخص‮!!‬ - قال اللواء الرويني: الشيخ حسان تمسك بيه،‮ ‬وخلاص أهوه حيروح وكل شيء‮ ‬ينتهي. - نظر إليّ‮ ‬المشير وقال‮: ‬لازم تروح معاهم،‮ ‬دول أهلك وناسك،‮ ‬وحاولوا تهدوهم،‮ ‬البلد موش مستحملة،‮ ‬وقطع الطرق ده أسلوب مرفوض،‮ ‬حياة الناس متعطلة،‮ ‬وأنا موش عاوز ألجأ لأي أساليب،‮ ‬لأن دول أهلنا برضه‮.‬ استأذن اللواء حسن الرويني في الانصراف من الغرفة،‮ ‬وتركني وجهًا لوجه مع المشير طنطاوي في لقاء استمر لأكثر من الساعة‮.‬ - قلت للمشير طنطاوي: خلي بالك من صحتك‮ ‬يا فندم،‮ ‬أنا شايفك فقدت الكثير من وزنك‮.‬ - قال المشير‮: ‬أنا مبروحش بيتي إلا فيما ندر،‮ ‬أحوال البلد صعبة،‮ ‬وكل أعضاء المجلس الأعلي شبه مقيمين في المبني،‮ ‬أنا مبعرفش أنام،‮ ‬مسئولية البلد موش هينة،‮ ‬البلد في حالة انفلات ودورنا نحمي الناس والمنشآت ونحافظ علي مصر،‮ ‬المؤامرة كبيرة علينا‮.‬ - قلت له‮: ‬ولكن الخطر الرئيسي تراجع‮ ‬يا فندم‮.‬ - قال‮: ‬اتراجع إزاي،‮ ‬الأوضاع خطر للغاية،‮ ‬الخونة موش عاوزين‮ ‬يسيبوا البلد في حالها،‮ ‬إحنا عارفين المخطط كويس،‮ ‬علشان كدة إحنا لن نعطيهم الفرصة أبدًا لتنفيذ مخططهم‮.‬ - قلت له‮: ‬الشعب المصري عنده ثقة كبيرة في سيادتك وفي الجيش المصري. - قال‮: ‬إحنا ولاد الشعب،‮ ‬الجيش دول همه مين،‮ ‬دول ولاد الشعب،‮ ‬ولاد العمال والفلاحين،‮ ‬أبناء كل المصريين،‮ ‬الجيش ده هو مصر،‮ ‬علشان كده إحنا عمرنا ما حنسمح لأي حد‮ ‬يهدد‮ ‬البلد دي‮.. ‬ولازم كل المخلصين‮ ‬يقفوا مع البلد‮.‬ قلت له‮: ‬اطمئن‮ ‬يا سيادة المشير،‮ ‬كل الشرفاء مع مصر ومع الجيش،‮ ‬أنتم الأمل،‮ ‬والمنقذ من المؤامرة‮.‬ قال‮: ‬أريدك إلي جواري عاوزك مستشار سياسي جنبي. قلت له‮: ‬أنا تحت أمرك‮ ‬يا فندم،‮ ‬ممكن أحضر إليك في أي وقت،‮ ‬ولكن دون مكتب أو تسمية،‮ ‬اطلبني وقتما تشاء،‮ ‬وسوف تجدني إلي جوارك‮.‬ صمت المشير،‮ ‬وقال‮: ‬خلاص أنا حخلي اللواء الرويني صلة الوصل بيننا وأتمني أن أراك بين الحين والآخر‮.‬ - قلت‮: ‬وأنا تحت أمرك في أي وقت‮.‬ - قال المشير طنطاوي: أنت تعرف أننا لم نكن راغبين في السلطة،‮ ‬ولم نسع إليها أبدًا،‮ ‬ولكن القدر الذي أوجدنا في هذه الظروف،‮ ‬البلد مثل كرة اللهب،‮ ‬كان لابد للجيش أن‮ ‬يتلقاها ويسعي إلي تبريدها لتعود الأمور إلي نصابها الصحيح،‮ ‬إحنا عارفين من البداية أن المشاكل كبيرة،‮ ‬وأن الأوضاع صعبة،‮ ‬ولكن ثقتنا في الشعب المصري ووعيه أكبر من كل شيء،‮ ‬ولذلك لن نفقد الأمل أبدًا،‮ ‬فقط علينا بالصبر،‮ ‬وكل شيء حيبقي كويس إن شاء الله‮.‬ - قلت له‮: ‬ولكن الشعب‮ ‬يثق فيكم وفي وعودكم وقدرتكم علي إنقاذ البلاد مما‮ ‬يحاك لها من مخططات‮.‬ قال‮: ‬حجم المؤامرة علي مصر أكبر مما نتصور ومع ذلك سوف نتعامل مع الأحداث بكل هدوء،‮ ‬هم‮ ‬يريدون جرنا إلي الصدام مع الشعب،‮ ‬ولكن هؤلاء أبناؤنا ولازم نستحملهم،‮ ‬وقد اعطيت تعليماتي لكل القادة والضباط والجنود بأن‮ ‬يكتموا‮ ‬غيظهم وألا‮ ‬يستجيبوا للاستفزازات،‮ ‬لأن هذا ما‮ ‬يريده البعض ضد مصر‮.‬
أعود مرة أخري إلي اللقاء مع المشير طنطاوي،‮ ‬لقد قلت له‮: ‬»‬إن حديثك عن المخططات والمؤامرات ضد مصر‮ ‬يؤكد الواقع،‮ ‬ولكن ثق أن الشعب‮ ‬يثق فيكم وفي وعودكم وقدرتكم‮ ‬،علي انقاذ البلاد مما‮ ‬يحاك لها». - قال‮: ‬منذ اليوم الأول لتسلمنا السلطة أخذنا علي أنفسنا عهدًا بحماية البلاد من خطر الفوضي وإعادة الأمن والاستقرار إليها،‮ ‬وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أسرع وقت ممكن،‮ ‬نحن كما قلت لك لا نرغب في السلطة ونريد أن نسلمها إلي رئيس مدني منتخب علي وجه السرعة‮.‬ - قلت له‮: ‬ولماذا تحدده بأن‮ ‬يكون رئيسًا مدنيًا،‮ ‬لماذا لا ترشح نفسك أنت أو‮ ‬غيرك من أعضاء المجلس العسكري؟‮!‬ - رد المشير سريعًا وقال‮: ‬لا‮.. ‬لا‮.. ‬دي أمانة حنسلمها للرئيس المنتخب من الشعب ليس في نيتي ولا في نية أحد من أعضاء المجلس العسكري أن‮ ‬يرشح نفسه في الانتخابات،‮ ‬الشعب سيختار رئيسًا مدنيًا بإرادته،‮ ‬وأنا أعلنت ذلك أكثر من مرة،‮ ‬وسأنفذ الوعد بإذن الله،‮ ‬وبعدها نعود جميعًا إلي ثكناتنا‮.‬ - قلت له‮: ‬ولكن ماذا إذا طالب الناس بترشحك للانتخابات الرئاسية؟ - قال‮: ‬سأرفض،‮ ‬أنا موش عاوز،‮ ‬ولا أرغب في ذلك،‮ ‬نحن تسلمنا الأمانة من الرئيس السابق وعلينا أن نسلمها للشعب‮.‬ - قلت له‮: ‬ولكن هل حقًا،‮ ‬الجيش أرغم الرئيس السابق علي التنحي عن السلطة‮.‬ - قال‮: ‬أبدًا،‮ ‬إحنا وقفنا مع الشعب ومطالبه المشروعة،‮ ‬ورفضنا استخدام العنف أو القوة،‮ ‬وهذه عقيدة ثابتة لدي القوات المسلحة،‮ ‬ثم أنه ترك السلطة بإرادته عندما أدرك أن البلاد‮ ‬يمكن أن تمضي إلي المجهول،‮ ‬ثم نظر المشير إليّ‮ ‬نظرة لا تخلو من معني وقال‮:‬ - علي فكرة دول كانوا شاحنينه ضدك وبيحرضوه عليك،‮ ‬أنا تابعت المشادة اللي حصلت بينك وبينه في معرض الكتاب العام الماضي. - قلت له‮: ‬وأيضًا كانوا بيحرضوه عليك وعلي الجيش خاصة بعد موقفك في مجلس الوزراء الذي رفضت فيه بيع بنك القاهرة‮.‬ - قال المشير‮: ‬أنت عملت لي مشكلة كبيرة معاه بعد الأخبار اللي أنت نشرتها‮.‬
قلت للمشير طنطاوي خلال اللقاء‮: ‬أنا عرفت أن الرئيس كان‮ ‬غاضبًا،‮ ‬ولكن موقفك سيسجله التاريخ بأحرف من نور،‮ ‬لأنك تصديت لبيع بنك القاهرة وبنوك ومصانع وشركات عديدة‮.‬ لم‮ ‬يعلق المشير علي ما قلت،‮ ‬انتقل علي الفور إلي موضوع آخر،‮ ‬سألني عن الانتخابات البرلمانية وعما إذا كنت متفائلاً‮.‬ - قلت له‮: ‬الانتخابات ستكون ساخنة جدًا‮.‬ - قال‮: ‬متخافش‮.. ‬الجيش سيؤمن كل شيء‮.‬ - قلت‮: ‬هناك أحزاب عديدة ستدخل الانتخابات‮.‬ - قال‮: ‬في اعتقادك الإخوان‮ ‬ياخدوا كام في هذه الانتخابات‮.‬ - قلت‮: ‬أظن أن الإخوان لن‮ ‬يحصلوا علي أكثر من 20 أو 25٪. في هذا الوقت كان اللواء حسن الرويني قد عاد إلي جلسة اللقاء مع المشير،‮ ‬واستمع إلي ما قلته عن احتمالية حصول الإخوان علي نسبة من 20 أو 25٪ من مقاعد البرلمان القادم‮.‬ نظر المشير إلي اللواء حسن الرويني وقال له‮:‬ اسمع‮ ‬يا حسن،‮ ‬مصطفي قال نفس النسبة اللي أنا متوقعها للإخوان في مجلس الشعب،‮ ‬أنا عندي ثقة أن الشعب المصري واع وسيختار من‮ ‬يحرص علي مصالحه أيًّا كانوا‮.‬ ساعتها قال اللواء حسن الرويني أسمح لي،‮ ‬أنا بختلف‮ ‬يا فندم،‮ ‬الإخوان لديهم أساليب عديدة وطرق ملتوية وحيخدعوا الناس بكلامهم المعسول وأحاديثهم عن الدين،‮ ‬أنا موش مطمئن‮ ‬يا فندم‮.‬ - قال المشير‮: ‬في كل الأحوال،‮ ‬إحنا حنعمل انتخابات نزيهة والشعب‮ ‬يتحمل مسئوليته في الاختيار،‮ ‬ولن نصادر حقه أبدًا‮.‬ - قلت للمشير‮: ‬واضح أن هناك إصرارًا علي تسليم البلاد سريعًا إلي السلطة المدنية التي سيجري انتخابها‮.‬ - قال‮: ‬عندما تسلمنا السلطة من الرئيس السابق تعهدنا فيما بيننا علي تسليمها في فترة لا تزيد عن ستة أشهر،‮ ‬ولكن كما شاهدت،‮ ‬الأحزاب وشباب الثورة طالبوا بفسحة من الوقت،‮ ‬حتي يتمكنوا من تنظيم صفوفهم،‮ ‬وأنا شخصيًا أتمني أن تكون هذه القوي ممثلة في البرلمان المقبل،‮ ‬وقال‮: »‬‬نحن سيكون موقفنا علي الحياد ولن نتدخل ضد أحد أو لصالح أحد ولن نسمح أبدًا بتزوير الانتخابات». - واستكمل المشير حديثه بالقول‮: ‬نحن علي ثقة أن مصر ستعبر هذه الأزمة رغم أننا نعرف أنهم لن‮ ‬يتركوننا في حالنا،‮ ‬كثير من الحقائق‮ ‬غائبة عن الناس،‮ ‬وأنا سبق وأن حذرت أكثر من مرة من أن البلد مستهدف ولكن للأسف،‮ ‬هناك من‮ ‬يصور الأمور علي غير حقيقتها،‮ ‬ومع ذلك أقول لك إن الجيش مستعد لتحمل دفع الضريبة كاملة،‮ ‬لقد رفضنا توجيه طلقة رصاص واحدة إلي الشعب أثناء ثورة 25 يناير،‮ ‬وسيبقي موقفنا ثابتًا برغم كل محاولات الاستفزاز والتحريض،‮ ‬لكن لازم الجميع‮ ‬يتأكد أن جيش مصر لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يرفع السلاح في وجه شعب مصر وهذا موقفنا وسيظل كذلك لحين تسليم السلطة والانسحاب إلي ثكناتنا العسكرية‮.‬ في هذه اللحظة كان الحوار قد وصل إلي منتهاه،‮ ‬ساعات قليلة وسوف نغادر إلي قنا،‮ ‬ودعت السيد المشير،‮ ‬ومضيت مع اللواء حسن الرويني إلي خارج‮ ‬غرفة الصالون،‮ ‬بينما مضي المشير إلي مكتبه ليواصل عمله‮.‬ بعد ذلك بقليل كنت أغادر علي الطائرة المتجهة إلي الأقصر،‮ ‬جنبًا إلي جنب مع الشيخ محمد حسان والدكتور صفوت حجازي،‮ ‬كما رافقنا في هذا الوقت اللواء علي القرشي أحد كبار قادة المنطقة العسكرية المركزية متجهين إلي قنا،‮ ‬حيث كان في استقبالنا هناك اللواء محسن الشاذلي قائد المنطقة الجنوبية واللواء محمد إبراهيم مدير أمن قنا والذي عين بعد ذلك وزيرًا للداخلية‮.‬ وقد بدأنا حوارًا مع ممثلي هذه الجماعات، وتمكنا فقط من فتح الطريق البري الذي يربط بين القاهرة وأسوان، واستمر قطع طريق السكة الحديد، ولم يستطع المحافظ القبطي الحضور إلي مكتبه وممارسة مهامه، وظل الوضع معلقًا إلي أن تم تغييره فيما بعد، مما اعتبره البعض رضوخًا من الدولة، ولكن المشير كان يقول دومًا لم يكن أمامنا خيار آخر!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.