منذ سنوات والحديث عن تجديد الخطاب الديني يكاد لايتوقف، الجدل الدائر يؤكد أننا أمام خطاب موجود غير مناسب ومتوغل في المجتمع ويفرض نفسه علي عموم الحالة المصرية، الدعوات لتجديد الخطاب استقبلتها أفراد وجماعات ومؤسسات باعتبارها حكراً عليهم، وراحوا يتعاملون معها من منطلق استعلائي باعتبارهم لايتلقون تعليمات من أحد، أو من منطلق قدري بدعوي أن تجديد الخطاب هو أمر إلهي قدري حيث يبعث الله علي رأس كل مائة سنة إماما ليقود عملية التغيير،وبالتالي هم ليسوا مطالبين إلا بالانتظار دون أي جهد مطلوب ودون أن يخبرونا متي بدأت المائة عام المنتظرة، وماهي الجهود التي بذلوها لصناعة بيئة صالحة لكي ينشأ فيها هذا الإمام المنتظر فكرياً وعلمياً ودينياً وثقافياً، وهل سيجئ هذا الإمام لينقلب علي أفكارهم الحاليّة فيكون ذلك بمثابة اعتراف أنها أفكار بالية؟، أم أنه سيأتي استكمالاً لأفكارهم الحاليّة وبالتالي نكون أمام حالة مماطلة صريحة لتعطيل عملية التغيير التي لاتلقي صدي حقيقيا في عقولهم ونفوسهم. بلامواربة نقول لهم إنكم لا تملكون تغيير هذا الخطاب إما لأنكم أسري لأجندات سياسية ممولة تستخدم هذا الخطاب، أو لأنكم لا تدركون مفهوم هذا التغيير، أو لأنكم تفتقدون النية العازمة علي التغيير، أو إنكم مقتنعون تماما بأفكاركم الحاليّة رغم ما أفرزته من أجيال متطرفة تورطت في أعمال إرهابية ضد الوطن !!!. • • • فليخبرنا هؤلاء أين كانوا وأين كانت أفكارهم في السنوات الماضية؟، ماهو حجم تأثيرهم علي المجتمع ؟ ماذا فعلوا عندما تعالت ألسنة اللهب فوق أجراس الكنائس ؟، كيف سمحوا لأصحاب اللحي السلفية المتطرفة بتصدر المشهد ولعب دور الوسيط في إنهاء أزمة الحرق العمد لكنيسة إطفيح عام 2011برغم أن هذا الوسيط يكفر أحد أطراف الأزمة التي كانت ؟. كيف سمحوا للتنظيم الاخواني أن يتوغل في المجتمع حتي تمكن من الوصول الي الحكم ؟، أم إنهم موالسون منذ البداية؟! وسنذهب معهم إلي أبعد من ذلك ونجزم أنهم متعاطفون مع الذين منهم في السجون، وهم الآن علي شفا المجاهرة بضرورة المصالحة حرصاً علي السلام الاجتماعي الذي كانوا هم أول من أفسده. • • أمام هذه الحقائق والتساؤلات ليس أمامنا سبيل إلا مواجهة الحالة من خلال عملية إنزال فكري خلف خطوط الفكر الديني المطلوب تغييره وخلف حامليه المدركين أن التجديد يعني انتهاء أدوارهم المتشبثين بها علي حساب الفكرة العامة. فلنتجه مباشرة إلي البيئة الاجتماعية الحاضنة لهذا الفكر الذي لم يعد مناسبا للظرف الزماني ليس لعيب في النص إنما لعيب في فهم النص ولقصور في التعامل مع مرونة النص وتحقيق الهدف منه أو المصلحة المراد تحقيقها والتي يدور معها النص وجوداً وعدماً. فلنتجه بمشروع قومي نحو تجديد الخطاب الاجتماعي لتحقيق التغيير المطلوب والحقيقي للظرف الذي كان سبباً في زيادة درجة قابلية الإنسان المصري لامتصاص هذا الفكر واتخاذه أسلوبا للحياة والمعاملات اليومية حتي أدت إلي منظومة سلوكيات لم تنجح في فرض سلام اجتماعي رغم إنها منسوبة للدين والتدين. خطورة ماحدث أنه خلق حالة هيأت للمجتمع أن التدين في ظاهره هو حالة من الارتداد للخلف تشبثا بنماذج هي أساساً كانت انعكاساً لبيئتها آنذاك وليس معناه أنها ما زالت صالحة لكل زمان ومكان، وبالتالي فإن المتأثر بهذه الحالة يصاب بنوع من الاغتراب وهو داخل وطنه يجعل هويته المصرية الأصيلة أكثر هشاشة وتتحول إلي مايشبه القوام الإسفنجي ذا القدرة العالية علي امتصاص الثقافات الوافدة باعتبارها طوقا للنجاة لما رسخ في ذهنيته علي غير الحقيقة. يصاحب ذلك عملية مسخ للثقافة والفنون المصرية إمعانا في تسطيح الهوية لإفقادها قدرتها علي المقاومة، من خلال ربطها بمعايير تكفيرية لا تنطبق أساسا علي مفاهيم الفنون والثقافة والأدب. الآن لم يعد أمامنا إلا إعادة التوصيف الصحيح لما نحتاج تجديده وهو الخطاب الإجتماعي وليس الديني وإعادة تدعيم الهوية المصرية باعتبارها قيمة إنسانية ضاربة في جذور التاريخ لايصح السكوت علي تجريفها، لم يعد أمامنا إلا إعادة ترميم الشخصية المصرية وبنائها،بداية من رفع درجة الوعي والإدراك لقيمة هذه الهوية لدي الجيل الناشئ وصولا إلي الإقناع بصلابة هذه الهوية وقدرتها علي إدارة التنوع. نحن بحق أمام هوية لها قدرة متفردةً علي الإلهام ونشر الإبداع والمواهب واستخدامها وسيلة للتواصل الإنساني الذي لايعرف العنصرية أو الطائفية. ونحن في طريقنا إلي هوية الشخصية المصرية لابد أولا أن نعمل بكثافة علي إزالة الصورة المغلوطة التي ربطت بين الطبيعة الموهوبة للشخصية المصرية وقدرتها علي إنتاج وإفراز الفن وبين مايتم توصيفه باعتباره انحلالاً وقصوراً أخلاقياً لمنح الوافد فرصة ليغزو هذه الشخصية باعتباره قادراً علي تقويم هذا الانحلال الذي أصابها من وجهة نظره. بعد ذلك علينا أن ننتقل إلي مرحلة تثبيت هذه الشخصية ومنحها فرصة للتوقف والتبين لتعيد تقييم ذاتها دون خداع وتجيب علي السؤال هل كنّا بحاجة لمن يدعي قدرته علي ان يعيد صياغة مفهوم الدين في أذهاننا ؟، أم إننا اكتشفنا فجأة اننا لم نرث فنا وثقافة وآدابا بل ورثنا انحرافا عن صحيح الدين. فإذا كانت الولاية الأولي للسيد الرئيس قد أوشكت علي الانقضاء كانت تحت عنوان » تثبيت الدولة المصرية »، فإن الولاية الثانية لابد أن يكون أهم أحد عناوينها » تثبيت الشخصية المصرية »، لإعادتها من مرحلة المستقبل للأفكار الخام دون تكريرها عقليا إلي مرحلتها الطبيعية التي كانت عليها كمنتج ومصنع ومصدر للأفكار المدهشة. هنا لابد من التركيز علي أن الفن والثقافة المصرية لطالما ارتبطت بقيم العدل والرحمة والتسامح وقبول الآخر، لطالما غلب عليها الطابع الإنساني الذي يعبر عن قدرة فائقة علي التعايش المشترك وعلي قبول الآخر.