أسعار الفراخ والبيض اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بأسواق الأقصر    وزيرة التنمية المحلية تستعرض تقريرا حول نتائج المرور الميداني على 15 مركزا تكنولوجيا بمحافظة سوهاج    الضفة.. نازحون فلسطينيون يطالبون بالعودة إلى مخيم نور شمس    مصر بالأحمر في المواجهة الودية أمام أوزبكستان    عاجل- رئيس الوزراء يبحث مع وزير الصحة والكيماويات والأسمدة الهندي تعزيز التعاون الصناعي والدوائي    وزيرة الصحة البحرينية: مؤتمر السكان رسالة سامية تذكرنا بمسؤولياتنا الجماعية تجاه العالم    مجموعة ستاندرد بنك تفتتح رسميا مكتبها التمثيلي في مصر    الغرفة التجارية بمطروح: الموافقة على إنشاء مكتب توثيق وزارة الخارجية داخل مقر الغرفة    ضعف المياه بالمنطقة الشمالية بحى شرق سوهاج الخميس 12 ساعة    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    هبة التميمي: المفوضية تؤكد نجاح الانتخابات التشريعية العراقية بنسبة مشاركة تجاوزت 55%    الرئيس السيسي يصدر قانون الإجراءات الجنائية الجديد    المصري يواصل استعداده للكونفدرالية بمعسكر بورفؤاد    البث المباشر لمباراة تونس Tunisia وموريتانيا Mauritania اليوم.. استعداد قوي ل«نسور قرطاج» قبل كأس أمم إفريقيا 2025    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    ضبط 13 سيدة لممارستهن الأعمال المنافية للآداب في القاهرة    تأجيل محاكمة 25 متهما ب"خلية القطامية" لجلسة 27 يناير    مهدي هميلي: قلبي اختار مصر.. وتحقق حلمي بعرض "اغتراب" بمهرجان القاهرة السينمائي    الشركة المتحدة تنظم فعالية "ليلة في المتحف" بالتعاون مع تيك توك    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    رئيس جامعة المنصورة يشارك في الملتقى الثالث لتوأمة الجامعات العربية بجامعة صحار العُمانية    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    غنية ولذيذة.. أسهل طريقة لعمل المكرونة بينك صوص بالجبنة    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    عُطل فني.. مسرح الطليعة يوجه رسالة اعتذار ل جمهور عرض «كارمن»    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    ترامب يطلب العفو عن نتنياهو رسميًا.. وهرتسوغ يرد: "اتبعوا الإجراءات"    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    حملات تموينية موسعة بالقليوبية تكشف مخالفات جسيمة وسلعًا غير صالحة للاستهلاك    أزمة جديدة تهدد الدوري المصري.. شوبير يكشف التفاصيل    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    للخريجين الجدد، مجلس اتحاد المهن الطبية يقرر تخفيض قيمة اشتراك مشروع العلاج    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    فيلم «السلم والثعبان: لعب عيال» يكتسح شباك تذاكر السينما في 24 ساعة فقط    خالد سليم ينضم لأبطال مسلسل ست الحسن أمام هند صبرى فى رمضان 2026    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    «أمن المنافذ»: ضبط 3182 مخالفة مرورية وتنفيذ 289 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    المصرية جمانا نجم الدين تحصد لقب أفضل قنصل لعام 2025 في المملكة المتحدة    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخبار اليوم تنشر صفحات من مذكرات عادل حموده «16»
نشر في أخبار اليوم يوم 20 - 04 - 2018

نزار قباني لم يكن » دونجوانا »‬ ولم يحب أكثر من ثلاث نساء في 75 عاما !
كان خجولا..وإضطرب لسانه عندما كشفت امرأة عن فخذها وطالبته بالتوقيع عليه!
بعد الهزيمة لم يكلم أحدا ثلاثة أيام قاطع فيها الطعام حتي خرج بالقصيدة التي حولته من شاعر العشق والحنين إلي شاعر يكتب بالسكين !
تواعدنا علي اللقاء في دمشق ليكشف لي خبايا حياته السياسية والعاطفية ولكن الأزمة القلبية الرابعة فاجأته قبل السفر بساعات!
النظام الشيعي في سوريا لم يهتم بجنازته لأنه سني لكن الشعب خرج يودعه بالملايين لينتصر الشاعر علي الرئيس!
سمعت منه ذات مرة أنه سيأتي للقاهرة لزيارة قبر زعيم هو عبدالحليم حافظ وقبر مطرب هو جمال عبدالناصر!
الكتابة لغة ذات توتر عال تلغي ما سبقها من لغات.. حروف جريئة تختصر حكمة سنوات بعيدة في لحظات سريعة.. إنقلاب حضاري متكرر نقوم به ضد أنفسنا لتغييرها أو تطويرها.. فن متميز خارج عن القانون ولكنه يعكس نوعا مفقودا من العدل.. زلزال استثنائي يترك خلفه تربة خصبة تنتج قمحا وحبا.. تذكرة سفر تسمح لنا بالتجول داخل أعماقنا لعلنا نستوعب ما يجري حولها.. وصفة طبيعية ضد الخرافة تنقذنا من الغيبوبة.. جنون مشروع لا تأخذنا الحكومة بسببه إلي مستشفي الأمراض العقلية.. مجموعة الأحلام التي لا تفسير لها.. شرارات الحرية التي تتجمع تحت جلد الشعوب سنة بعد سنة لتتفجر أزهارا وأقمارا.
هذه التعريفات جمعتها علي مدي نحو أربع سنوات ( من نوفمبر 1994 إلي إبريل 1998 ) في جلسات عديدة مع نزار قباني في فنادق ومطاعم وحدائق وقاعات وصحف لندن التي هاجر إليها بعد إستحالة الحياة في بيروت علي إثر الخراب الذي سببته الحرب الأهلية التي اشتعلت في لبنان دون سبب مقنع أو تبرير يريح القتلي في مقابرهم والأحياء في ملاجئهم.
التقينا أول مرة عام 1986 في مبني »‬ الحوادث »‬ وقت هجرتها إلي لندن وهو يرد علي أسئلة محررها الأدبي نوري الجراح في حوار مع المجلة استأذنت في حضوره صامتا لكني بطلب من طرفيه شاركت فيه بأسئلة سياسية.
وتباعدت بيننا السبل حتي دافعت عن قصيدته »‬متي يعلنون وفاة العرب؟» التي منعت من النشر في كل البلاد العربية وتعرض نزار قباني بسببها إلي هجمات مهينة أحزنته كثيرا بل أكثر من ذلك نشرت القصيدة في عدد روز اليوسف الصادر يوم 20 نوفمبر 1994 ضاربا عرض الحائط بتحذيرات المصادرة والمطاردة في العواصم العربية.
حسب القصيدة كان نزار قباني يحلم ببلاد تسمي مجازا بلاد العرب »‬ تسامحه إذا كسر زجاج القمر.. وتشكره إذا كتب قصيدة حب.. وتسمح له ان يمارس فعل الهوي.. مثل العصافير علي الشجر »‬.
»‬ أحاول رسم بلاد لها برلمان من الياسمين وشعب رقيق من الياسمين »‬.. »‬ أحاول إحراق كل النصوص التي ارتديها.. فبعض القصائد قبر.. وبعض اللغات كفن.. ولكني جئت بعد مرور الزمن »‬.
»‬ احاول أن أتصور ما هو شكل الوطن »‬.. و» اسبح ضد مياه الزمن »‬.. »‬ وأسرق تينا ولوزا وخوخا وأركض مثل العصافير خلف السفن »‬.. »‬ وحين افقت اكتشفت هشاشة حلمي.. فلا قمر في سماء أريحا.. ولا أسماك في مياه الفرات.. ولا قهوة في عدن ».
انا منذ خمسين سنة أراقب حال العرب وهم يرعدون ولا يمطرون.. وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون.. وهم يعلكون جلود البلاغة علكا ولا يهضمون »‬.
ولم تمر سوي ثمان وأربعين ساعة علي نشري القصيدة المحرمة والممنوعة حتي وجدت فاكسا علي مكتبي بخط نزار قباني ( فاكس رقم 0712456659 ) فيه رسالة حرصت علي الاحتفاظ بها حتي أصفر ورقها بفعل الزمن :
لندن في 24 نوفمبر 1994 :
أخي العزيز الأستاذ عادل حمودة ،، نائب رئيس التحرير مجلة روز اليوسف القاهرة.
»‬شكرا من القلب علي احتضانكم لقصيدتي الأخيرة ( متي يعلنون وفاة العرب ؟ ).
»‬ لم يفاجئني موفقك الطليعي والكبير والشجاع فهذا جزء من تراث روز اليوسف ومن تاريخها العريق إلي جانب الفكر الحر والكلمات التي لا تساوم.
»‬ وعندما تقف روز اليوسف معي.. فهذا يعني أن الدنيا كلها وقفت معي.. وأن الحرية معي.. وأن الله معي »‬.
وترك نزار قباني علي الفاكس تليفونه ( رقم 0712355773 ) وعنوانه ( نورث كاباني 5 هربرت مانيسون 35 سالون ستريت لندن اس دبليو آي أكس 9 ال بي بريطانيا ) فلم يترك لي حجة لعدم التواصل واسعدني ذلك كثيرا وفي كل رحلة إلي أوروبا كنت أمر عليه والتقي به بل وحضرت معه ندوات شعرية ولمست بنفسي شعوره بالقلق والخوف من الفشل في كل مرة يدخل فيها علي جمهوره العريض وكأنه شاعر مبتدئ يخشي ضربه بالطوب والطماطم.
وحدث أن كنا نتناول طعام عشاء في فندق تشرشل عندما وجدته يصمت فجأة ويتوه بعيدا وكأنه انتقل إلي عالم آخر.. لم يعد يراني منه.. واخرج من جيبه قلما من نوع الفلوماستر الرفيع السن وراح يكتب به قصيدة »‬ مايا »‬ علي مناديل الورق الموضوعة أمامنا فبدت الكلمات ناشعة وكأنها علي ورق شفاف.. لكنه بالقطع الوحيد الذي يعرف قراءتها.
لا أتصور أن مايا تجربة حقيقية في حياته ولكنها بمثابة حلم يقظة لشاعر تجاوز سن الشباب ويحلم بفتاة مراهقة تحرضة علي الحب علي طريقة لوليتا وإن لا أنكر إنها شخصية واقعية التقي بها وهو يحتسي كأسا من النبيذ علي حمام سباحة فوصفها ببراعته المعهودة :
وصف »‬ الركبة الملساء.. والشفة الغليظة.. والنهد الذي يأمره بأن يتقدم إلي الأمام.. ولكنه رفع الراية البيضاء بلا قيد ولا شرط.. وإن دعاها إلي دخول مدينة جسده لتتصرف فيها بمن فيها كما تشاء.. خاصة بعد زجاجة من الفودكا الروسية تحيل ثقافته العاطفية صفرا.. وكأنها الأنثي الأخيرة ».
هي »‬ تقول أنها لم تبلغ العشرين بعد.. وأنها ما قاربت أحدا سوايا.. وأنا اصدق كل ما قال النبيذ.. وكل ما قالت مايا »‬.. »‬ تقول إنني الذكر الوحيد وأنا أصدق كل ما قاله النبيذ »‬ ونصف ما قالت مايا »‬.. »‬ إنها مخربة وطيبة ماكرة وطاهرة.. وتحلو حين ترتكب الخطايا.. وحاضرة وغائبة »‬.. »‬ وتكرر أنها ما لمست أحدا سوايا وأنا اصدق كل ما قال النبيذ وربع ما قالت مايا »‬.
مثل مايا قصائد عشق مفضوح كتبها نزار قباني جعلت البعض يتصوره دون جوانا ولم يكن ذلك صحيحا بالمرة فهو لم يحب في حياته التي وصلت إلي 75 سنة سوي ثلاث مرات أقواها حبه لزوجته الثانية بلقيس الراوي التي ماتت تحت انقاض تفجير السفارة العراقية في بيروت لتضيف إلي أحزانه مأساة أخري مؤلمة بعد فقد ابنه توفيق موتا قبل أن يحصل علي شهادة الطب في جامعة القاهرة.
ليس كل ما ينتج الشاعر أو يخرج من الكاتب عاطفيا هو أمر واقع وغالبا ما يكون أمنيات يجسدها علي الورق إذا ما عجز عن تحقيقها في الواقع.
إن إحسان عبد القدوس أكثر دعاة تحرير المرأة حماسا كان محافظا في بيته وبقيت زوجته سيدة بيت وأما بعيدة عن حياته العامة.
اكتفي بنموذج المرأة الجريئة الشجاعة متجسدا في أمه فاطمة اليوسف ولم يشأ أن يكرره في حياته الخاصة.
وما أن تركت روز اليوسف في منتصف إبريل عام 1998 حتي تواعدنا نزار قباني وأنا علي اللقاء في دمشق مسقط رأسه الذي غاب عنه طويلامفضلا بيروت الأكثر حرية عنه.. اتفقنا علي أن يروي لي من أسرار حياته السياسية ما أخفاه بشرط أن نتكلم معا ونحن نتجول في المدينة القديمة... وخاصة حي »‬ مئذنة الشمع »‬ حيث ولد وتربي وكبر فيه وعاش مأساة شقيقته التي انتحرت لكي لا تجبر علي الزواج ممن لا تحب مما جعله يؤمن مبكرا بقضية المرأة رغم ما تعرض له من هجوم شرس استمر من رجال الدين عليه إلي ما بعد مماته.
وكان مبرره للإفراج عما في صدره من خبايا أن التوقيت أصبح ملحا بعد أن نجا بأعجوبة من ثلاث أزمات قلبية مضيفا »‬ ويستحيل أن تتركني الأزمة الرابعة فهي امرأة من نوع خاص تعرف كيف تعانق الرجل حتي تظفر بروحه »‬.
أما سر اطمئنانه لي فهو : »‬ ثقته في انني لن أبيع ما سيكشف من ملفات تمس شخصيات حاكمة لمن يدفع ثمن دفنها قبل نشرها »‬.
وقبل الموعد المحدد بأربعة أيام سافرت إلي دمشق أنا وصديقي رسام الكاريكاتير جمعة فرحات ونزلنا في فندق شيراتون وتناولنا عشاء يوم الوصول في بيت العماد مصطفي طلاس وزير الدفاع الذي اهتم بالقلم أكثر من اهتمامه بالسيف وكادت زوجته »‬ أم فراس »‬ أن تقضي علينا بطعامها الشهي الذي لا يقاوم طبقا بعد طبق.
وهبط نزار قباني في الموعد المحدد لكنه دخل دمشق من إحدي بوابات المطار الخلفية في قرية البضائع محمولا في تابوت بعد أن توفي في لندن والمؤلم أن شيوخ مسجد ريجنت ستريت اختلفوا حول شرعية الصلاة عليه ولحق بهم شيوخ المنابر في مساجد سوريا الذين هاجموه حيا وميتا ولكن ما توقفت عنده طويلا كان موقف السلطة السياسية الحاكمة في سوريا فقد ضغطت علي مصطفي طلاس المسئول الوحيد الذي استقبل جثمانه للإسراع بدفنه في صمت.
لم أتصور كما سمعت همسا من صحفيين سوريين شباب أن السبب هو أن نزار قباني سني مثله مثل مصطفي طلاس بينما النظام ينتمي للطائفة العلوية ( الشيعية ) ودللوا علي ذلك بأن النظام أجل دفن جثمان سعد الله ونوس وهو واحد من افضل كتاب المسرح السياسي في العالم العربي حتي يجهز وداع يليق به لأنه علوي مثل بشار الأسد.
وتحت سماء مفتوحة في حي توما ( قلب دمشق ) قلت للصحفي والسيناريست حكم البابا : »‬ نحمد الله أننا في مصر لا نعرف مذهبنا الإسلامي إلا عندما نتزوج حين يعلن الماذون أن الزواج علي مذهب أبي حنيفة النعمان ولو ذكر اسم إماما آخر ما اعترضنا »‬.
ولولا الحياء لوضع البابا يده علي فمي حتي لا أكمل ما يخفينا وراء الشمس.
لكن ما ان خرج جثمان نزار قباني من المسجد بعد الصلاة عليه إلي الشارع حتي فوجئ الجميع بان دمشق كلها خرجت تودعه بعد أن استقبلت مشيعين يصعب حصرهم من خارجها وسجل الشاعر المتميز انتصارا وهو في العالم الآخر علي نظام يفرض الدين علي طريقته الخاصة بالحديد والنار.
لقد علم نزار قباني شعبه وأهله وناسه الحب وكان من الصعب عليهم ان يتنكروا له في لحظاته الأخيرة علي الأرض مهما كان الثمن.
ولا شك أن عدم علمانية النظام وتفرقته الواضحة بين المذاهب والطوائف فتحت عشرات الثغرات لتسلل الصراعات العرقية التي انتهت بحرب أهلية في سوريا استمرت سنوات طويلة وقتل فيها نحو المليون شخص وهرب منها نحو عشرة ملايين آخرين وفقدت سوريا خلالها استقلالها الوطني فقد أجبرت علي استدعاء قوات إيرانية وروسية لحمايتها وفركت إسرائيل يديها في سعادة فقد سقطت آخر قلاع المواجهة العربية ولو كانت مواجهة شكلية.
وطلبت من سلمي كركوتلي ( زوجة حكم البابا ) أن تأخذني إلي بيت نزار قباني الذي وصفه في مذكراته بأنه »‬ قارورة عطور وخلية ثوار »‬ واستجابت الصحفية المتميزة لطلبي ولكن المفاجأة أن البيت اشتراه رجل شيعي لم يسمح لنا بدخوله وإنما سمح فيما بعد للتنظيمات الشيعية بتحويله إلي معرض صور ولوحات في ذكري استشهاد الحسين في كربلاء.
لكن الأهم أن القدر حرمني من كتاب عن نزار قباني وعدني فيه بالبوح عما أخفاه طوال عمره من أسرار عرفها عن كبار السياسيين والنجوم في العالم العربي.
وكنت سأضيف للكتاب ما بيننا من حكايات بجانب رسائل الفاكس المتبادلة والتي تحدث فيها بصراحة عن حياته العاطفية بما يخالف ما عرف عنه فلا هو شيد هرما من الحلمات ولا شق نهراً من شهوة النساء كما كتب في قصائده.
وربما لا تتصور انه خجول يحمر وجهه إذا ما واجهته امرأة بجرأة غير متوقعة مثلما حدث بعد أمسية شعرية في بيروت عندما تقدمت إليه امرأة مثيرة طالبة منه توقيعه ليس علي كتاب أو ورقة نقدية أو صفحة بيضاء وإنما فخذها الذي كشفته بسهولة أمام مئات من البشر.
وحدث مرة اخري أن طلبت منه امرأة يصعب مقاومتها أن يغمض عينيه حتي تعطيه هدية بمناسبة عيد ميلاده ولإقناعة بالمفاجأة التي تخبئها له وضعت يديها خلف ظهرها ومثل طفل صغير أغمض نزار عينيه فهجمت المرأة علي شفتيه تقبلهما بطريقة يصعب الفكاك منها لولا أن أبعدت عنه بالقوة.
وربما كانت اللحظات الأشد ألما بالنسبة إليه تلك التي عاشها بعد صدمة هزيمة يونيو فقد ظل صامتا لا يكلم أحدا ثلاثة أيام لم يقرب خلالها الطعام ولم يدخل جوفه سوي دخان السجائر والنبيذ الأحمر ليخرج بعدها بقصيدته »‬ هوامش علي دفتر النكسة »‬ التي حولته في لحظة واحدة »‬ من شاعر يكتب الحب والحنين إلي شاعر يكتب بالسكين »‬.
واعترف أنه في تلك القصيدة شرح قبل غيره الأسباب الحقيقية للهزيمة بصياغة شعرية حزينة :
( 1 ) »‬ إذا خسرنا الحرب فلا غرابة لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والزمارة »‬.
( 2 ) »‬ خلاصة القضية توجز في عبارة لقد لبسنا ثوب الحضارة والروح جاهلية »‬.
( 3 ) »‬ يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح يوجعني أن اسمع النباح »‬.
( 4 ) »‬ ما دخل اليهود من حدودنا وإنما تسللوا مثل النمل من عيوبنا »‬.
( 5 ) يا سيدي السلطان لقد خسرت الحرب مرتين لأن نصف شعبنا ليس له لسان ما قيمة الشعب الذي ليس له لسان ؟ لقد خسرت الحرب مرتين لأنك انفصلت عن قضية الإنسان »‬.
وأتحدي أن ينكر أحد من علماء السياسة وخبراء الاستراتيجية أن توصيف نزار قباني كان شديد الدقة كما أنه سبقهم في التوصل إليه.
بل أن تفسير جمال عبد الناصر للهزيمة لم يخرج عن رؤية نزار قباني وإن لم نعرفها إلا بعد خمسين سنة علي الهزيمة عندما حصلت من هدي عبد الناصر علي نسخة من محاضر الإجتماعات السرية التي عقدها عبد الناصر بعد الهزيمة مع القادة العرب وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا ومجلس الوزراء وإعترف فيها بأن الثقة طردت الكفاءة من اختيارات المسئولين الكبار وأن الأجهزة التي منعت الناس من كشف الأخطاء أخرست المجتمع وضللت النظام وأعمته عن رؤية الحقيقة فاندفع إلي هاوية سحيقة لم يخرج منها سالما.
وما أن نشرت القصيدة حتي رحنا ننسخها بالكربون ونحن طلبة في الجامعة لتصبح منشورا سريا يقبض علي من يحمله بل أكثر من ذلك منع نزار قباني من دخول مصر ومنعت أغانيه في الإذاعة وهو ما ضاعف من حزنه فكتب رسالة إلي عبد الناصر برر فيها قصيدته بتوجعه من الهزيمة مثلما توجع العرب جميعا بما فيهم عبد الناصر نفسه وحمل الرسالة رجاء النقاش إلي هيكل لتوصيلها إلي عبد الناصر الذي قدر حالة نزار قباني وسمح بإعادة أغانيه إلي الإذاعة.
والمؤكد أن نزار قباني كان يحب عبد الناصر وكتب بعد وفاته أكثر من قصيدة عنه وذات مرة قال لي : »‬إنه سيأتي إلي القاهرة لزيارة قبرين أحدهما زعيم هو عبد الحليم حافظ والآخر مطرب هو جمال عبد الناصر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.