عرفت الدكتور سمير رضوان وزير المالية عن قرب خلال مشاركتنا في العديد من الاجتماعات واللجان واللقاءات الاقتصادية. وكان له العديد من الآراء والأفكار التي تجمع بين نقيضين هما الفكر الاقتصادي الحر أي الرأسمالي وفكرة تحقيق العدالة الاجتماعية. وهي الآراء التي لم تجد هوي لدي العديد من المسئولين خاصة وزراء المجموعة الاقتصادية في حكومة نظيف. ولعلي لا أذيع سرا عندما أقول انه تعرض لعدة مؤامرات من قبيل »الزنب« أعاقت كثيرا اختياره كوزير طوال السنوات العشر التي سبقت ثورة 52 يناير وفي أحد تشكيلات الحكومات السابقة شطب اسمه في اللحظات الأخيرة. حدث ذلك رغم القناعة الكاملة بأن وجوده كوزير من وزراء المجموعة الاقتصادية يمثل صمام أمان للتوجهات الجامحة نحو الرأسمالية لكن الرجل بهدوئه الشديد وتواضعه الجم وأدبه الرفيع آثر الصمت وعدم الدخول في صراعات لم تكن تهدف سوي الوصول للسلطة وركوب موجة الفكر الاقتصادي الجديد الذي صاغه ونفذه مجموعة من رجال الأعمال لم يكونوا - كلهم - مخلصين أو مؤمنين بحقيقة ونتائج سياسات لا تتناسب ولا تتجاوب اطلاقا مع طبيعة المجتمع المصري وتقسيم ثرواته ووجود أغلبية من الفقراء والمعدمين. لم يؤثر الدكتور سمير رضوان الصمت لكنه استمر في عرض أطروحاته وأفكاره ورؤيته وأكد بحزم انه لن يقبل العمل كوزير في أي حكومة تفتقد الحس الاجتماعي المرهف تجاه الطبقة الكادحة. كان له العديد من الآراء والانتقادات الحادة لمجموعة من القوانين الاقتصادية الجامحة نحو رأسمالية لا ترحم ولا تفتح آذانها لصراخ الفقراء ومعدومي الدخل. وربما لا يعرف الكثيرون أيضا ان قبوله العمل كوزير للمالية في حكومة الدكتور أحمد شفيق ثم وزارة الدكتور عصام شرف قد جاء بعد محاولات مستميتة وضغوط شديدة تعرض لها الرجل. كان الرهان الرابح فيها هو احساس الجميع بضرورة الخروج من النفق المظلم الذي دخله الاقتصاد المصري. نفق نستحي كثيرا عندما نتحدث عن قتامته وبلوغه حدا لم يعد مقبولا، والقناعة الكاملة بأن للرجل القدرة والمهارة والحنكة وقبلها الذكاء المفرط في التعامل مع الأرقام ولوغاريتمات الاقتصاد للخروج من الهوة الاقتصادية التي نحمل جميعا وزر الوقوع فيها. كل بطريقته. لم يكن أحد يتوقع أو يتخيل انه في ظل عجز كبير بالموازنة ونضوب يكاد يكون كاملا لكل موارد مصر الاقتصادية أن يأتي وزير للمالية يتحدث عن رفع لمستويات الأجور وتقريب للفوارق الشاسعة بينها واصلاح شامل في منظومة الدعم المقدم لجميع السلع والخدمات. ولم يكن حديثا من فراغ أو وليد اللحظة لكنه كان محصلة خبرة ومهارة وآمال وأحلام قدمها الرجل كعصارة لفكره طوال السنوات العشر الماضية لكنها ظلت مكبلة بالأغلال. حدث ذلك بالتوازي مع الاستجابة لمئات المطالب الفئوية وفي المساحة التي تظل محافظة علي حدود الأمان لمستقبل آن الأوان لكي نشارك جميعا في صنعه ونقبل تبعات الانطلاقة الأولي إليه والتي تحتاج لقوة دفع كبيرة علي حساب مواردنا وأيضا تحتاج لمراجعة سريعة مع النفس بأننا جميعا في قارب واحد وأننا أمة تعيش بالفعل في خطر رغم امتلاكها كل العناصر القادرة علي درئه وهو الأمر الذي نستطيع تحقيقه بإرجاء مدروس لبعض مطالبنا وطموحاتنا. لقد تابعنا جميعاً نوعاً جديداً من الأداء الحكومي المنضبط بعيداً عن الرعونة وسياسة الصدمات التي اتبعتها حكومة نظيف. لكن الأداء يصل في بعض الأحيان إلي حد الرتابة التي جعلت الناس يشعرون بأنها »مسألة وقت« أمام الحكومة.. إن نجاح وزير المالية في عمله يحتاج إلي ضرورة الربط الوثيق بين الاجراءات العاجلة التي تقوم بها الحكومة وبين استراتيجية العمل الاقتصادي في المستقبل القريب لأن احساس بعض الناس وحتي الوزراء بمفهوم حكومة لتسيير الأعمال يؤدي إلي نوع من رتابة الأداء والنظر تحت الأقدام وهو مفهوم قد يقترب في جانبه النفسي من مفهوم »العمالة المؤقتة« ليتحول مفهوم تسيير الأعمال إلي عذر يصبح أقبح من ذنب... فلاشك ان جعبة وزير المالية لا تحوي فقط مطالب الناس لكنها تحوي أيضا مطالب زملائه الوزراء ومن بينهم من يفكر بالمفهوم القديم اطلب 01 تأخذ 3 أو 4 وهو من موروثات وزير المالية السابق. واعتقد ان النجاح الحقيقي لوزراء الحكومة سوف يحدده لأبعد مدي الاستثمار الجيد للموارد المخصصة لوزاراتهم فمحصلة 3 أو 4 قد تؤتي ثمارا تقارب وربما تتفوق علي ما تؤتيه محصلة 01 وقناعتهم بأن أي نجاح يحققونه الآن سيكون سبباً أساسياً في مشاركتهم لأي حكومة قادمة. كما أن نجاح وزارة المالية في تدبير الموارد يحتاج أيضاً إلي دفعة حقيقية لتشجيع الاستثمار المحلي والعربي والأجنبي. وليس مجرد كلمات لتطييب الخواطر. يحتاج إلي ضرورة التفعيل الحقيقي لدور المحاكم الاقتصادية والتي يمكن احالة معظم قضايا المستثمرين إليها لأن الأمر في البداية والنهاية يتعلق بمناخ قد يشكل عنصر طرد وليس عنصر جذب. وهنا أقترح علي الدكتور عصام شرف عقد لقاء عاجل مع السفراء المعتمدين لدي مصر لتأكيد عزم بلادنا علي الاستمرار في سياسة فتح أبواب الاستثمار وفي إطار جديد من الشفافية وازالة أي لبس أو غموض يتعلق بحركة وحرية دخول وخروج الأموال المستثمرة، وخاصة بعد صدور حكم قضائي يتعلق بأحد المستثمرين العرب الكبار في إطار ملاحقة الفساد والذي يساء استغلاله للأسف الشديد وأخشي أن يلقي بظلاله علي حركة الاستثمار القادمة لمصر والتي توقفت بالفعل. نعم أشعر بالتقدير والاعتزاز لمعرفتي بامكانيات رئيس الوزراء ووزير المالية لكني أشعر بنفس القدر بأن يدا واحدة لا تصفق، وأننا بالفعل أصبحنا أمة تعيش في خطر.. وربما أقرب كثيراً مما قد نتصور!!