أكتب إليك الان بعد أن حاصرتني الحيرة، وأعياني التفكير. أريد أن أبوح.. أن ألقي بعضا من أحمالي من فوق قلبي. أمي الحنون التي تحبني أكثر من نفسها ليست قريبة مني، لا تفهمني، ولا أجد بيني وبينها ما يشجعني علي الاقتراب والبوح. لذلك أكتب إليك لأني أشعر مع سطورك بفهم عميق للحياة والبشر. وهذه هي حكايتي من البداية.. أنا فتاة ناضجة، أي أنني لست مراهقة أو صغيرة. تخرجت باحدي الكليات الجامعية والآن أدرس الدراسات العليا »الماجستير«. خلال فترة الدراسة الجامعية تقدم لي كثيرون، واقترب مني كثيرون، لكني لم استجب لأية محاولة للاقتراب. كان الكثيرون يحكون لي أسرارهم، وكان البوح دائماً من طرف واحد: منهم إليّ. أما أنا فقد كنت كالقلعة الموصدة في وجه الجميع انصت إليهم ولا اتكلم، أعرف عنهم أشياء كثيرة ولا يعرفون عني شيئا، اسراري في قلبي، لا أحد يستطيع اختراقي أو فك طلاسمي! ربما تتساءلين.. وما سري الغامض الذي لا أستطيع أن أبوح به لأحد، والذي قررت الآن.. أن أحرره من سجنه. انه قصة بدأت معي منذ الطفولة. كنت طفلة صغيرة أعيش مع أسرتي في القاهرة، وكان هو ابن عمي يعيش مع أسرته بقريتنا، ويطلقون عليه في العيلة لقب: »الشيخ«، فهو منذ صغرنا يتمتع بجمال الشكل والأخلاق وكلما كبرنا، كبرت معي أحلامي البِكر بفتي أحلامي، ابن عمي، الشيخ الصغير. كَبِرت وكَبِر، تخرجت أنا في احدي الكليات وتخرج هو في كلية الطب. والآن ربما تتسائلين أين المشكلة اذن؟! المشكلة عزيزتي بدأت عند لحظة الصفر! اللحظة التي مزق فيها أستار الإلتزام والإحترام والوقار واعترف فيها لي أنه يحبني، وأنه يعرف أنني أحبه، بل اغرق حتي لشوشتي في هذا الحب المكتوم منذ سنين، وحان الوقت أن يخرج من القمقم، ويعبر عن نفسه بكل الوسائل. في اللحظة نفسها التي تمنيت أن تأتي، وأن أعيشها بكل كياني بدأ ينكشف لي الوجه الآخر لحبيب العمر. هذا الشاب »الشيخ« الذي كان فيما مضي ينصحني بمشاهدة القنوات الدينية، ويطالبني بالمزيد من الالتزام والتقوي رفع فجأة ذاك القناع، وراحت عيناه تلتهمان كل جزء في جسدي، وتعريه. صحيح أن كل هذا حدث بالنظرات الشبقة والكلمات التي تنضح بالرغبة، وتصرخ بالشهوانية. لكنني كرهت ذلك، كرهت الوجه الجديد لحبيب عمري، ذلك الوجه الذي رأيت بين ملامحه ذئباً بشرياً، بينما اختفي وجه الحبيب الجميل شكلاً وموضوعاً. لن تصدقي أنني وكرد فعل لما حدث قررت الإبتعاد عنه، لم استطع استيعاب فكرة إنسان يعيش بوجهين أحدهما ملاكاً والآخر شيطاناً! وعندما أحس بذلك توقف عن الكلام المقتحم الجريء لكن نظراته لم تتغير! وأصبح يطاردني بالتليفون. إنني أحبه -لا أزال- لكنني مصدومة فيه، وفي تصرفاته وطريقته الوقحة في التعبير عن حبه لي ورغبته فيَّ. ماذا أفعل؟ التائهة و.م.س الكاتبة: أولاً: قصتك مشَّوِقة، ومثيرة للإهتمام في آن واحد. فهي قصة تحمل الكتمان والحب المخبوء لسنين طوال، والرومانسية والحلم. والرغبة والصدمة. أي أنها قصة تحمل كل مقومات الدراما الإنسانية. ثانياً: أقدر تماماً موقفك، فقد عشت مع هذا الشاب قصة حب أفلطوني، حب بدأ بريئاً في الطفولة، ونما كعود أخضر في قلبيكما، حرصته العادات الريفية، وصانته الأخلاق التي تربيتما عليها، وحفظه الإلتزام المزروع في خلايا تكوينكما. لذلك فعندما يخرج الحب الكامن منذ سنين فجأة فيما يشبه الإنفجار، وعندما يفاجئك الشيخ بكلام ونظرات تخدش الحياء وتكسر اللوحة المضيئة في القلب، فلا شك أن كل ذلك قد تسبب في جرح كبير لقلب شفاف وإنسانة رومانسية، مليئة بالكبرياء والحياء مثلك. ثالثاً: ما الحل؟ هل تتركينه بعد أن ظهر وجهه الآخر لك مشوهاً.. صادماً.. أم تكملي قصة حبك بالإرتباط به، وترويض غرائزه ورغباته شرعياً؟ أري أن الصراحة في مثل هذه المواقف مطلوبة، بل وحتمية. فإذا كان الحب بينكما قديماً، وإذا كانت بينكما قرابة دم، وإذا كان هو لا يحتمل الكتمان أكثر من ذلك لرغبته فيك. فلماذا لا يتقدم رسمياً وتتم الخطبة ثم الزواج رسمياً علي سُنة الله ورسوله؟ أعتقد أن الخط المستقيم هو أقصر الطرق بين نقطتين. صارحيه برغبتك في خطوة جادة نحو ارتباط رسمي. وعندها سوف تتقبلين هذا الكلام الجريء من زوجك.. أما الآن فإن هذا الكلام يجرحك، ويشعرك بالإهانة والرُخص أمام نفسك. لا أري في طلب هذا مشكلة. بادري واطلبي منه تحديد موقفه، ووضع النقاط فوق الحروف. فإذا تباطأ وتراجع.. اصرفي نظر فوراً، وتحملي الألم خيراً من التعلق بأهداب حلم. أما إذا تقدم.. وبادر.. واتخذ الخطوة المطلوبة. فسوف تنسين ما حدث.. وتبدئين في التخطيط معه لعشكما السعيد!