بدأ الاجتماع السنوي للمنظمة الأمريكية اليهودية »آيباك» وكأنه »زفة بلدي» من مستوي هابط، احتفالا بالجريمة الجديدة التي دشنها قرار الرئيس الامريكي »ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الامريكية اليها مع احتفال الكيان الصهيوني بالذكري السبعين لاغتصاب فلسطين في مايو القادم. كان الاستقبال حافلا لنائب الرئيس الامريكي »بنس» أشد مؤيدي »الكيان الصهيوني داخل الإدارة الأمريكية وبالسيدة نيكي هيلي مندوبة أمريكا في الأممالمتحدة، ويبدو ان الاثنين قد ربطا طموحهما السياسي بالولاء الصهيوني، تاركين المصالح الامريكية نفسها وراء ظهريهما!! مشهدان آخران يكملان بعض جوانب الصورة، بجانب مشهد زفة »ايباك» المشهد الأول كان مع استقبال الرئيس الامريكي لرئيس وزراء الكيان الصهيوني »نتنياهو» الذي جاء لحضور اجتماعات »آيباك» نتنياهو قادم من تحقيق قضائي سيتواصل معه ومع زوجته بعد عودته الي تل أبيب، تهم الفساد تحاصره، وأقرب معاونيه تخلوا عنه ووافقوا علي الشهادة ضده مقابل إعفائهم من العقوبات علي الجرائم المرتكبة. وساكن البيت الأبيض حاله ليس أفضل، الاتهامات تلاحقه حول اتصالات مع روسيا لمساعدته في الانتخابات، وحول فساد مالي، ثم فساد اخلاقي وفضائح جنسية، والتحقيقات تتواصل مع اقرب مساعديه ومع أفراد أسرته.. ووسط هذا كله يبدو عاجزا عن تكوين فريق للحكم بعد مرور أكثر من عام علي توليه الرئاسة، وحوالي 47٪ ممن عينهم في الوظائف الرئاسية بالبيت الأبيض تركوا مواقعهم، وآخرهم مستشاره الاقتصادي الذي كان وراء ما يعتبره »ترامب» انجازه الأكبر وهو التعديلات الجديدة في الضرائب.. ووسط فوضي الادارة تتواتر التوقعات بالمزيد من الاستقالات التي تشمل اسماء مستشار الأمن القومي القوي »الجنرال مكماستر» ورئيس موظفي البيت الأبيض »الجنرال كيلي» وربما وزير الخارجية كيلرسون. وفي هذا المناخ يراهن »نتنياهو» علي انتزاع المزيد من »ترامب» لدعم موقفه المتدهور داخل إسرائيل، ويواصل ترامب من جهته- الانحياز للكيان الصهيوني طلبا للدعم في معركة البقاء. والنتيجة أن اللقاء المطول بين الرجلين في البيت الأبيض لم يتطرق للقضية الفلسطينية الا لدقائق خرج بعدها الرجلان، ومعهما الحديث بأن الرئيس الأمريكي قد يذهب بنفسه ليشهد الاحتفال بنقل السفارة الأمريكية للقدس.. ليكون الثواب الصهيوني كاملا!! أما المشهد الثاني، فكان من داخل »الكنيست» الإسرائيلي، حيث تكتل النواب الصهاينة، ليصدقوا علي مشروع قانون يمنح وزير الداخلية سلطة سحب بطاقات الهوية من عرب القدس بذريعة، خيانة الامانة لدولة إسرائيل، وذلك اذا ما قالت اجهزة الامن انهم انضموا لجماعات تعتبرها إسرائيل »جماعات معادية» أو »ارهابية» وهو ما سبق حتي للمحكمة العليا الإسرائيلية، أن رفضته- فكان أن أعدت الحكومة مشروع القانون الجديد لتفتح الباب علي مصراعيه أمام إخلاء القدس من أصحابها الحقيقيين، وإتمام الاستيلاء علي القدس العربية المحتلة. وسط هذا كله مازال »ترامب» يقول انه »أزاح» قضية القدس من علي طاولة المفاوضات لكي يفتح الطريق الي السلام،!! ومازالت الادارة الامريكية تضغط من اجل »إزاحة» الملف الثاني وهو ملف قضية اللاجئين لاتاحة المزيد من فرص السلام!! عن طريق منع تمويل منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين »الاونروا» وحرمان الاطفال الفلسطينيين من الطعام والتعليم والعلاج!! ووسط هذا المناخ مازال هناك في الادارة الامريكية من يتحدث عن مبادرة للسلام، وعن فرصة لنجاحها بعد ان تكون واشنطون قد مهدت لها هذا التمهيد العبقري بمنح القدس للصهاينة، وبالغاء قضية اللاجئين وحق العودة، وبتبني نهج أعتي اليمين الإسرائيلي وفرضه علي الفلسطينيين والعرب!. الأسوأ ان البعض في واشنطون يتصور ان المزيد من الضغط علي الدول العربية قد يفيد.. والاخطر ان مناخ التخبط الذي تعيشه السياسة الامريكية والأزمات التي تحيط بالرئيس وادارته والتحريض من جانب إسرائيل كل ذلك قد يدفع للمزيد من الحروب، أو يضع المنطقة كلها علي شفا الانفجار. قد يأتي ترامب الي القدس في ذكري نكبة فلسطين، قد يفتح السفارة لكنه سيغلق ابوابا كانت مفتوحة للسلام.