أخيرا حصلت المعجزة وتمت المصالحة الفلسطينية.. بعد أربع سنوات من النقار والحوار.. وتبادل الاتهامات.. ومرمطة الشعب الفلسطيني وإذلاله وإتاحة الفرصة للمتخاذلين أن يتخذوا الانقسام ذريعة للتخلي عن فلسطين والقدس والشعب المُبتلي.. ولا بد اليوم من وضع بعض النقاط فوق الحروف بعد زوال هذه الغمَة . أولا- ما الجديد الذي سرع في إنجاز المصالحة.. وفتح هي فتح.. وحماس هي حماس؟.. الجديد هو عاملان: الأول تغير مصر وقيادتها.. حيث كانت الإدارة السابقة غير معنية جديا بالمصالحة.. وترغب بإبقاء خيوط اللعبة في يديها.. حيث ضبطت إيقاع المصالحة مع المصالح الإسرائيلية.. وكانت تقطع علي الشعب الفلسطيني سبل الحياة عبر معبر رفح.. إمتثالا للإرادة الإسرائيلية؟ أما الجديد الثاني.. فهو ثورة الشعب وحراك الشباب الفلسطيني والعربي الذي قرف من فتح وحماس وإنقسامهما.. وقد أدركت قيادة الفصيلين أن الشعب في طريقه لتجاوزهما.. وهو ما لم ينكره أبو مازن في خطاب المصالحة .ثانيا- بعد نجاح ثورات الشباب في مصر وتونس.. وانتهاج أسلوب التغيير السلمي.. فإن علي حماس تحديدا أخذ العبرة جيدا.. فالحراك الشعبي أثمر أكثر بكثير من المقاومة المسلحة.. وهذا معطي جديد يجب أن يؤخذ في الحسبان.. ولعل كلمة خالد مشعل في احتفالية المصالحة إشتملت ضمنيا علي هذا الاعترف.. وكنت أتمني أن يقولها صراحة.. ولنتذكر هنا أن الانتفاضات الفلسطينية السلمية أتت ثمارا أعظم وأهم وأكبر من الانتفاضة المسلحة التي جرت علي الشعب الفلسطيني ويلات ودماء كثيرة.. دون أن تثمر ربع ما أثمرته الانتفاضات السلمية الشعبية.. بل إن عسكرة الانتفاضة أعطي إسرائيل مبررات لا حدود لها للبطش بالشعب الفلسطيني.. دون أن يجد العالم حرجا في تأييدها بوصفها تحارب ..الإرهاب الفلسطيني.. أما حينما استخدمت القوة في قمع المقاومة الشعبية السلمية فلم يجد المجتمع الدولي المنافق بدا من إدانتها والانتصار مكرها للشعب الفلسطيني.. ولهذا كله.. علي حماس والفصائل الأخري المماثلة أن تعيد النظر في استراتيجية المقاومة.. ثالثا- ها هي حماس اليوم تعود للانضواء تحت مظلة منظمة التحرير.. بعد أن جربت خيار النكد والعناد.. ها هي تعود للخيار ذاته.. والعبرة هنا ليست باستدراك ما فات.. بل بالنظر بشكل جاد في اختيار رؤية واقعية حول ما أنجزه الشعب الفلسطيني من نضال متصل منذ ما يقرب من مائة عام.. فالمقاومة الفلسطينية لم تبدأ بحماس.. ولن تنتهي بخروجها من الساحة.. ويتعين أن تكون حماس جزءا من هذا النضال.. دون أن تسلب الآخرين حقهم . رابعا- أما فتح والسلطة الفلسطينية.. فعليهما أن يبدآ طريقا جديدا لا تشوبه شبهة التواطؤ مع الاحتلال باسم التنسيق الأمني.. فالشعب لا يرحم.. وكما أنجب فتح يمكن أن يلفظها.. والخيار الوحيد أمامها هو خيار الشعب. ومبروك للفلسطينيين والعرب اتفاق المصالحة.. الذي تأخر كثيرا جدا!.