ينقسم العلم العسكري في العالم إلي عقيدتين؛ الأولي هي العقيدة القتالية العسكرية الشرقية، والتي تعمل بها دول الاتحاد السوفيتي السابق، أوما يعرف بدول حلف وارسو، إضافة إلي القوات المسلحة المصرية، التي كانت تعتنق العقيدة العسكرية الغربية حتي ثورة 1952. عندما اختلفت مصر مع الدول الغربية بسبب أزمة السد العالي، ومعركة السويس، وتحولت القوات المسلحة المصرية، بعدها، لاعتناق العقيدة العسكرية الشرقية، وأرسلت ضباطها للدراسة في الاتحاد السوفيتي، وكلية فرنزولأركان الحرب في روسيا، خاصة في ظل اعتماد الترسانة المصرية، آنذاك، علي التسليح الشرقي، من الاتحاد السوفيتي. أما العقيدة القتالية العسكرية، الثانية، فهي العقيدة الغربية، التي تعتنقها وتتبناها دول الغرب والولايات المتحدةالأمريكية، أوما يطلق عليها دول حلف الناتو. ومن خارج حلف الناتونجد قوات مسلحة أخري مثل المملكة الأردنية، ودول الخليج العربي، وتركيا، وباكستان، يتبعون العقيدة القتالية العسكرية الغربية، ويعملون بقواعدها، وتعليماتها. والواقع أن هناك اختلافات كبيرة بين العقيدتين؛ فكراً وتنفيذاً ... فعلي سبيل المثال، وعلي مستوي العمليات الدفاعية، تجد أن الشكل الأساسي لها، وفقاً لقواعد العقيدة الشرقية، هودفاع المنطقة، أوما يطلق عليه، أحياناً، اسم "الدفاع الخطي" (Liner Defense). بينما في العقيدة الغربية، يعد "الدفاع المتحرك" (Mobile Defense) هوالشكل الرئيسي للعمليات الدفاعية، والذي تطور، لاحقاً، فيما يعرف باسم "الدفاع النشط " (Active Defense). ويظهر اختلاف آخر رئيسي علي خرائط القتال، وهوأن رسم القوات في العقيدة الغربية يكون باللون الأزرق، وترسم القوات المعادية، والمتحالفة معها، باللون الأحمر نسبة إلي رمز الاتحاد السوفيتي، عكس ما هومعمول به، بالطبع، في العقيدة الشرقية. ونتيجة لتلك الاختلافات، يختلف أسلوب اتخاذ القرار، في كل من العقيدتين. واليوم أقدم بعض الأمثلة لعملية اتخاذ القرار في العقيدة الغربية، والتي تعتمد، في البداية، علي تقدير كامل للموقف المراد اتخاذ قرار بشأنه. فتحديد الهدف من العملية، هوالأساس لبدء التخطيط لاتخاذ القرار بشأنها. ففي عمليات الهجوم، علي سبيل المثال، تتنوع الأهداف بين الاستيلاء علي منطقة معينة، أوهيئة طبوغرافية بعينها، أوتدمير حجم التجمع الاحتياطي الموجود في منطقة ما، أوحتي الهجوم علي القوة المعنية بالتفصيل ... وبوضوح الهدف، تجد أن جميع عمليات المهمة تكون في اتجاهه تحديداً. وهوما آراه إحدي نقاط القوة في العقيدة القتالية الغربية، إذ يدخل القائد معركته، وقد حدد هدفه بدقة عالية. يلي تحديد الهدف، أولي نقاط الدراسة لاتخاذ القرار، والمتمثلة في توصيف طبيعة الأرض، وهي في الحقيقة نقطة غاية في الأهمية، تقودك لاتخاذ القرار السليم. فالعقيدة الغربية تعتبر أن وصف طبيعة الأرض، هي مفتاحها لاتخاذ القرار السليم؛ سواء في العملية الهجومية أوالعملية الدفاعية. فعلي سبيل المثال، يتم تحديد "الأرض الحيوية"، وهي الأرض التي يتحقق تنفيذ المهمة الهجومية بالاستيلاء عليها، وغيرها "الأرض ذات الأهمية التكتيكية"، وهي تلك الأرض التي يمثل الاستيلاء عليها خطوة أولي لتحقيق المهمة الهجومية، ثم تأتي، في النهاية، "الأرض الحاكمة" والتي بالاستيلاء عليها يتم تحقيق أولي خطوات النجاح، ليتم، بعدها، تحديد محاور واتجاهات التقدم للوصول إلي الهدف الحيوي، الذي يحقق لك نجاح المهمة. يتبع نفس الاستراتيجية عند وضع الخطط الدفاعية، فيتم تحديد "الأرض الحيوية"، والتي يعني سقوطها، أن عملية الدفاع قد فشلت بأكملها. أما "الأرض ذات الأهمية التكتيكية"، في الدفاع، فتعني الأرض، التي بالدفاع عنها، تؤمن الهدف الرئيسي للدفاع، وأخيراً، "الأرض الحاكمة"، والتي تؤمن بالتقدم، ويعني بها محاور التقدم للهدف الحيوي. نأتي، بعد ذلك، إلي أهم النقاط في عملية اتخاذ القرار، علي مستوي العقيدة الغربية، وهي "البدائل"، إذ يقدم المخطط، للقائد، 3 بدائل، علي الأقل، لتنفيذ الخطة والوصول إلي الهدف، تتضمن، تلك البدائل، عرضاً لمميزات كل منها، والنتائج المتوقعة. فيقدم، مثلاً، المتطلبات التفصيلية لكل بديل، من حيث حجم القوات المطلوبة، واحتياجاتها، والأسلحة والمعدات اللازمة، والمميزات النسبية لكل من البدائل المطروحة. وهوما يمكن القائد من القيام بدوره في اختيار أنسب البدائل، وفقاً لمميزاتها، ودرجة خطورتها، في ظل الظروف المحيطة. وينطوي هذا الفكر علي أهمية كبيرة، خلال سير القتال، لما تتيحه للقائد من مرونة، في تغيير الخطة، إذا ما دعت الحاجة، والتحول إلي أحد البدائل الأخري المدروسة مسبقاً، أثناء مرحلة اتخاذ القرار. بعكس العقيدة القتالية الشرقية، التي يبدأ فيها، القائد، معركته ومعه قرار واحد فقط، فإذا لم يحالفه الحظ، في تلك الخطة، أثناء سير القتال، فعليه، حينئذ، أن يبحث عن خطة جديدة، ويدرس إجراءاتها بالتفصيل، مما يعطله، وبالتالي يخسر المبادرة، التي هي أساس نجاح العمليات القتالية في ميدان الحرب. وبتحليل هذا الاسلوب، في اتخاذ القرار في العقيدة الغربية، تجده متماشياً مع فكر والدرجة العلمية في المجتمع الأوروبي والغرب، بينما يكون من الصعب تنفيذه في الدول الشرقية، التي تعتمد علي خطة واحدة، واتجاه واحد لتحقيق النجاح، يكون للقائد، فيها، مساحة محددة من المرونة، التي تعتمد عليها القيادة الغربية في اتخاذ القرار. وتعتبر العقيدة العسكرية الغربية منهجاً راسخاً، فالقائد يبدأ بالعمل بأسلوبها في اتخاذ القرار، منذ الصفر، في أول قيادة له ... ومع تقدمه في مستويات القيادة، يكون ذهنه قد استوعب جميع تفاصيلها، بما يؤهله لتولي مسئوليات القيادة العليا، بما تشمله من تحديد الأهداف الحيوية، وتوصيف طبيعة الأرض، وحجم القوات المنتشرة، وحجم القوات الاحتياطية، والهدف النهائي من العملية سواء في الدفاع أوالهجوم. وهوما مكّن المخطط الغربي، من الاعتماد، مثلاً، في العمليات الدفاعية علي أسلوب الدفاع المتحرك، الذي يتقرر أثناء سير القتال، وفقاً لفكر القائد، وقدرته علي اتخاذ القرارات السريعة، ذات المرونة العالية، التي اكتسبتها من خلال قيادته لوحداته علي المستويات الصغري، في بداية مشواره، والتي دربته علي أن يكون في ذهنه بدائل كثيرة، بدلاً من الاعتماد علي خطة واحدة، تغفل تغير المواقف، والأوضاع، والظروف المحيطة.