ببساطة ... للأخوة المدنيين ... العقيدة القتالية لأي جيش من الجيوش، هي الأسلوب الذي يقاتل به الجيش في كل أنواع المعارك سواء المعارك الهجومية، أوالدفاعية، أوحتي العمليات الخاصة، لكل أنواع القوات سواء القوات البرية، أوالبحرية، أوالجوية، وقوات الدفاع الجوي، وقوات حرس الحدود، وحتي أساليب استخدام الضربات الصاروخية. وعموماً تنقسم العقائد القتالية، في العالم، إلي نوعين؛ أولهما العقيدة القتالية الغربية، ويقصد بها أساليب القتال التي تتبعها الدول الغربية، والدول المشتركة في تحالف الناتو، وبعض الدول الأخري، التي تتبني هذه العقيدة مثل جيوش دول الخليج، والأردن، وباكستان، وغيرهم. أما الثانية، فهي العقيدة القتالية الشرقية، التي يتبعها دول الاتحاد السوفيتي السابق، ودول حلف وارسو، ثم بعض الدول من خارج هذه المجموعة، مثل القوات المسلحة المصرية التي تبنت هذه العقيدة في الخمسينيات من القرن الماضي، في أعقاب ثورة يوليو1952، ورفض الغرب تسليم مصر أسلحة جديدة لتطوير قواتها المسلحة، فتحولت العقيدة القتالية المصرية من العقيدة القتالية الغربية، إلي الشرقية. وإذا تسني لك، عزيزي القارئ، دخول مكتبة كلية أركان حرب المصرية، ستجد أن كل المذكرات والمراجع العسكرية المصرية، كانت، في الماضي، تعتمد بالأساس علي العقيدة القتالية الغربية، كما ستجد المذكرات والمحاضرات، هي نفسها التي تُدرس في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا. حتي جاءت صفقة الأسلحة التشيكية، قبل حرب السويس، فتحولت العقيدة القتالية المصرية من الغربية إلي الشرقية، وبدأ مشاركة القادة والضباط المصريين في البعثات العلمية العسكرية في الخارج إلي روسيا، وخاصة في كلية أركان الحرب الروسية، في فرونزا، وكلية الحرب العليا فوراشالوفا، في موسكو، والتي تخرج منها المشير أحمد إسماعيل، والمشير محمد عبد الغني الجسمي، والفريق سعد الدين الشاذلي، والرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. وتحولت الاستراتيجية نحوالانفتاح العلمي العسكري، في عهد الرئيس السادات بعد حرب 1973، فالتحق الضباط المصريين، بالكليات العسكرية الغربية، للدراسة، وكنت أنا، شخصياً، أول ضابط يدرس في كلية كمبرلي الملكية في إنجلترا، عام 1974، بعد انقطاع دام نحو20 عاماً، منذ حرب السويس، وتأميم قناة السويس. فلمست الاختلاف التام بين كلا العقيدتين، حتي في أبسط التفاصيل، ومنها علي سبيل المثال رسم الخطط علي الخرائط، فمثلاً في العقيدة الغربية يتم رسم القوات الصديقة باللون الأزرق أما قوات العدوفيتم رسمها باللون الأحمر، بينما في العقيدة الشرقية السوفيتية، فيتم رسم القوات الصديقة باللون الأحمر، والقوات المعادية باللون الأزرق، حتي أسلوب رسم القوات نفسها علي الخرائط، فتختلف تماماً. والحقيقة أنني انتابتني بعض الحيرة خلال الأشهر الأولي، من دراستي في كمبرلي بإنجلترا، في التحول من تعليمات العقيدة الشرقية إلي الغربية، في رسم الخرائط مثلاً، وتحديد ألوان وأشكال القوات الموضوعة عليها. إضافة إلي الاختلافات في أساليب القتال، فلوأخذنا أساليب الدفاع، كمثال، نجد أن العقيدة الشرقية الروسية تعتمد في دفاعاتها علي أسلوب »الدفاع الخطي» Liner Defense”، وهوعبارة عن خطوط الخنادق المتتالية. أما أسلوب الدفاع في العقيدة الغربية، فيعرف باسم »الدفاع المتحرك» Mobile Defense”، وقد تطور هذا النوع من الدفاع، في العقيدة الغربية، بعد حرب أكتوبر 73، في سيناء، عندما طبقته القوات الإسرائيلية علي ضفاف قناة السويس، ونجحت القوات المسلحة المصرية في اختراقه، مما دفع مجموعات من الباحثين في الشئون العسكرية، بحلف الناتو، إلي تطوير أساليب الدفاع في العقيدة الغربية إلي نوع جديد يسمي »الدفاع النشط» “Active Defense”. وهكذا نري أن حرب أكتوبر 1973، لها الفضل في تغيير العديد من المفاهيم العسكرية في العالم كله. وهنا يجدر لنا الوقوف أمام عظمة الجيش المصري، الذي بدء التخطيط لعبور قناة السويس، مستعيناً ومعتمداً علي مراجع العقيدة الشرقية، وتمت ترجمة كتاب »الهجوم مع عبور الموانع المائية» من الروسية إلي العربية، وأطلقنا عليه في قواتنا المسلحة، حينئذ، اسم »الكتاب الأبيض»، إلا أنه بعد فترة من التدريبات، لعدة أشهر، علي ما ورد من تعليمات في هذا المرجع الروسي، اتضح للقوات المسلحة المصرية عدم تماشي تكتيكاته مع طبيعية قناة السويس، كمانع مائي، يصل عرضه إلي 200 متر، عكس الموانع المائية في أوروبا، من أنهار، يتراوح عرضها بين 30 إلي 50 متر. فبدأ المفكر العسكري المصري، في التفكير في أسلوب هجومي جديد لاقتحام مانع قناة السويس، بأسلوب مختلف تماماً عن الكتاب الأبيض الروسي، وهوالأمر الذي وفقنا فيه، بفضل من الله سبحانه وتعالي، ليتم اقتحام قناة السويس، في أكتوبر 73، بفكر عسكري مصري خالص، غير معتمد علي أي شكل من أشكال العقائد الغربيةأوالشرقية. لتسجل القوات المسلحة المصرية، فصولاً كاملة باسمها، في العقائد القتالية في العالم، تدرسها الكليات والمعاهد العسكرية حول العالم، فكان منها عقيدة جديدة لاقتحام الموانع المائية الكبيرة، وهواقتحام مانع مائي عريض، أمام قوات معادية تتبني فكر الدفاع المتحرك. ولذلك يجب دائماً أن نتذكر الفريق سعد الشاذلي، صاحب التوجيه 41، ونتذكر قيمته العلمية في شكل التخطيط لهذا الفكر الجديد، الذي كان أساس خطة العبور في حرب 1973، والتي أسس فيها فكراً جديداً في اقتحام الموانع المائية العريضة، ضد قوات العدوالإسرائيلي، التي تتبع أسلوب الدفاع المتحرك، كما امتلكت قواتنا المسلحة، بفضل تخطيطه، سيطرة جوية علي منطقة العمليات. وكل الشكر والتقدير لقواتنا المسلحة المصرية، التي حققت أغلي الانتصارات العسكرية في العصر الحديث.