لم يعد هناك أدني شك في أننا جميعا مطالبون اليوم بالبحث عن أنسب الطرق والوسائل التي تمكننا من سرعة إعادة دوران عجلة الانتاج، وتنشيط الاقتصاد المصري، ليس فقط للمستوي الذي كان عليه قبل ثورة 25 يناير، ولكن لمستوي الطموحات والآمال الكبيرة التي نعقدها جميعا ونحن نجني كل يوم ثمارا جديدة لتلك الثورة. ولاشك أن تحقيق ذلك يتطلب إعادة صياغة جديدة لدور الدولة، وأيضا لدور القطاع الخاص الذي سوف يتحمل العبء الأكبر لتحقيق ذلك. وهنا بالتحديد لابد أن نتوقف كثيرا أمام هذا الدور وشخوصه وطبيعة أدائه، وضرورة ارتباطه تماما بمفهوم العدالة الاجتماعية الذي ننشده، والذي ضللنا الطريق اليه طوال سنوات طويلة مضت. حدث ذلك بسبب ظاهرة العشوائية في ممارسة القطاع الخاص لدوره، وانحيازه الكامل لجني الأرباح حتي وإن كانت في معظم الأحوال علي حساب المصريين البسطاء، وهو ما أدي تدريجيا لاختفاء دور القطاع الخاص الوطني ومولد ظاهرة الاحتكار المطلق، الذي كانت تتداوله مجموعة قليلة من رجال الأعمال، التي ارتبطت بالسلطة كوسيلة للحماية، وأيضا كوسيلة للنفاذ إلي صنع القرار الذي كان في غالبيته يصب لمصلحتها المطلقة. وبالطبع، تزامن مع ذلك وجود قلة قليلة من الرأسمالية الوطنية الشريفة، التي أدركت أن البقاء سوف يتحدد بمدي استجابتها لتطلعات وآمال وطموحات المواطنين البسطاء وقدرتهم علي الشراء. وللأسف الشديد، اعتقد عدد ليس بالقليل أن ضرب رموز الفساد وتطهير القطاع الخاص من الدخلاء الذين شوهوا صورته، كان يعني ردة ونكوصا عن توجهات مصر في الانفتاح علي العالم، وجذب المزيد من الاستثمارات، وتأمين الحماية الكاملة لرجال الأعمال والمستثمرين الشرفاء. وهو الأمر الذي يجب أن ننتبه إليه جميعا. وأعتقد أن المجلس العسكري وحكومة الدكتور عصام شرف مطالبون بتوضيحه وتأكيده، خاصة أن أسواق الاستثمار العربي تشهد اليوم تداعيات كثيرة، مابين شد وجذب تدعمه رغبة كل دول العالم في زيادة حركة الاستثمار.. وهنا أشير إلي الجهود الكبيرة التي يقوم بها دينامو الحكومة الدكتور سمير رضوان وزير المالية، والذي نجح بالفعل في العمل علي العديد من الجبهات، وتدارك العديد من السلبيات التي واجهت مسيرة العمل الاقتصادي، التي تطلبت كلها مزيدا من ضخ الأموال لحركة الاقتصاد، غير أن هذا الضخ بات يمثل استنزافا غير حمي، سواء لبنود الموازنة المثقلة أو حتي بالنسبة للاحتياطات النقدية. نحن إذن في حاجة ماسة لسياسات جديدة لجذب الاستثمارات ولصياغة جديدة لدور الدولة والقطاع الخاص، والذي يتحمل مسئولية ضخمة في توفير المزيد من فرص العمل، وقبلها -بالطبع- إعادة عجلة الانتاج للدوران، بما في ذلك العمالة الحالية والتي تواجه ظروفا صعبة تتجاوز بها الآمال العريضة في رفع المرتبات وأجورها، وتحسين مستويات عملها، والحصول علي نصيب أوفر من ثمار الانتاج في إطار منظومة متكاملة للعدالة الاجتماعية، التي لم ولن تتحقق دون رفع حقيقي في جودة العمل والانتاج والارتقاء به إلي مستويات المنافسة، وهي مرحلة شديدة بالفعل. نحن في حاجة ماسة لأن نشد علي أيدي الشرفاء من رجال الأعمال والاستثمار، ومن خلال رسائل قوية من الدولة تؤكد فيها توجهاتها لفتح المزيد من أبواب الاستثمار، ومن خلال قوانين مدروسة تضمن الحماية الكاملة لهذه الاستثمارات، وحرية دخول وخروج رأسمالها بعد التأكد من شرعية مصادرها. نحن في حاجة ماسة لخريطة جديدة للاستثمار، تتحدد فيها متطلبات التسويق المحلي والتسويق الخارجي، وصورة حقيقية لخريطة المنافسة العالمية، والتي تحددها المصالح المشتركة بعيدا عن العواطف، التي لم يعد لها مكان في أسواق الاستثمار. نحن في حاجة ماسة لإعادة الدراسة المتأنية لواقع سوق العمل، ومدي الارتباط أو التنافر بين مصالح المستثمرين ومصالح العاملين، تختفي فيه الأحاسيس والمشاعر بالظلم من أي من الطرفين، كما تختفي فيه -أيضا- محاولات ممارسة الضغوط بعيدا عن قواعد عادلة تربط الأجور بالانتاج والحوافز بالجودة، والإيمان المطلق بأننا جميعا في قارب واحد يبحر في أنواء عاتية. نحن في حاجة إلي رأسمالية رحيمة، تدرك أن أكبر حماية وتأمين لها، لا تكمن فقط في القوانين واللوائح، ولكن في مشاعر وأحاسيس الناس البسطاء، ومدي استفادتهم من ثمارها. وإذا كنا بالفعل قد بدأنا حوارا من أجل الإصلاح السياسي، فإننا في حاجة لحوار اقتصادي، تتحدد فيه الأهداف والغايات، وتنبع من حواراته القوانين واللوائح التي تؤكد توجهات مصر الاقتصادية خاصة مع تنامي بعض الآراء التي لاتزال تتمسح بالاشتراكية رغم كل مساوئها.