ظلت العلاقات المصرية الايرانية علي مدي أكثر من ثلاثة عقود بمثابة اللغز الكبير الذي يبحث عمن يفك طلاسمه. فمنذ حالة القطيعة والجمود بين الطرفين في أعقاب اندلاع ثورة الخوميني في إيران عام 1979 مرورا بحالات الشد والجذب وتبادل الاتهامات والتصريحات العدائية بين الطرفين،اتسمت العلاقة بين القاهرةوطهران بالتأرجح إلي أن فجر وزير الخارجية المصري د. نبيل العربي»قنبلة« عندما قال إن إيران دولة جوار ومصر لا نعتبرها دولة معادية. تصريحات "العربي" لم تذهب هباء، كما يتصور البعض، حيث بادر وزير الخارجية علي أكبر صالحي بالإشادة بالعلاقات بين بلاده ومصر. ثم خرج رئيس لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية بالبرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي ووصف إقامة علاقات مع مصر بأنها فرصة مهمة للدبلوماسية الايرانية. وهنا تثور جملة من التساؤلات التي تبحث عن إجابات: هل تكفي تصريحات الغزل المتبادل بين الجانبين لوضع نهاية لجملة الملفات الشائكة في العلاقات المصرية الإيرانية ؟ هل يعني التقارب المصري الايراني انتقال القاهرة من معسكر الاعتدال العربي الذي يضم السعودية والاردن إلي ما يمكن أن نسميه محور التشدد مع سوريا وحماس وحزب الله؟ وما هي انعكاسات هذا الدفء بين القاهرةوطهران علي كل من السعودية وامريكا واسرائيل؟ يمكن القول ان ثمة رغبة مشتركة بين القاهرةوطهران لمد جسور التفاهم والتعاون بينهما وكانت هناك مؤشرات عديدة علي ذلك منها اسراع المسئولين الايرانيين للتقليل من حدة تصريحات المرشد الأعلي علي خامنئي عندما وصف الثورة في مصر بأنها امتداد "للثورة الإسلامية" في إيران،حيث أشاد الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي بالمصريين وتاريخهم قائلا إن إيران استلهمت في تاريخها ونضالها ثورات الشعب المصري ونضاله. علي الجهة الأخري لا يمكن اغفال الموافقة المصرية غير المسبوقة علي طلب إيران السماح لسفينتين حربيتين تابعتين لها بالمرور في قناة السويس، في خطوة هي الأولي من نوعها منذ عام 1979. لكن وبرغم مبادرات حسن النية الحالية تري صحيفة ال "نيويورك تايمز" أن المشوار ما زال طويلا لكي تتجاوز ايران "جرح" استقبال مصر لشاه ايران بعد فراره من الثوار عام 1979 ولكي تتوصل القاهرة إلي قناعة راسخة بتوقف طهران عن دس انفها في شئونها الداخلية وفي شئون دول الجوار العربية. وفي سياق آخر فإن اقامة علاقات طبيعية بين القاهرةوطهران لا يعني خروج الاولي مما كان يسمي بمحور الاعتدال العربي وانتقالها لمعسكر التشدد مع ايران وسوريا وحزب الله وحماس،حيث يري المراقبون أن من شأن التقارب بين مصر وايران إنهاء الألاعيب الغربية بتقسيم المنطقة إلي معسكرين الأول سني والآخر شيعي. وعلي صعيد ملف التعامل مع قضية السلام في الشرق الأوسط،والانتشار النووي،والتعامل مع حماس وحزب الله قد يسمح بالتقارب بين القاهرةوطهران للوصول لتفاهمات مقبولة،وتقليص التدخل الخارجي في المنطقة. اما عن انعكاسات الدفء بين القاهرةوطهران علي قوي اقليمية مثل السعودية أو أمريكا واسرائيل فلا تخفي الرياض خشيتها من تقلص دورها المتراجع اصلا خاصة في ظل الثورات العربية المتصاعدة بالمنطقة. ويري مهتمون بالشأن السعودي أن مصر أصبحت تري أن دور الرياض لا يجعل من المملكة حليفا استراتيجيا عقب الثورة في مصر خاصة،والثورات العربية عامة. خاصة مع تقلص النفوذ السعودي بالمنطقة امام سيطرة ايران علي العديد من الملفات الساخنة في افغانستان والعراق ولبنان ومع حماس في غزة كل ذلك يجعل من إيران لاعبا كبيرا،بينما تبدو السعودية خالية الوفاض. وبالنسبة للولايات المتحدة فهي الأخري لم تخف قلقها من التحول الحالي في السياسة الخارجية المصرية في ضوء سماح القاهرة لسفن ايران الحربية بالمرور عبر قناة السويس ومنح مصر الضوء الاخضر لقادة حماس بالمرور من معبر رفح،بعد أن فرض عليهم نظام الرئيس السابق حسني مبارك الاقامة الاجبارية في القطاع لنحو عامين،بسبب رفضهم توقيع ورقة المصالحة المصرية. القلق الأمريكي من التقارب المصري الايراني عبرت عنه صحيفة "وول ستريت جورنال" عندما تساءلت عن سر الزيارة الأخيرة لمدير المخابرات المصرية لسوريا. ونقلت عن مسئول بوزارة الدفاع الأمريكية قوله: بصراحة،لدينا أفكارنا،لكننا لا نعرف شيئا محددا.. لن أقول إننا قلقون،لكن اهتمامنا هو أفضل كلمة لوصف الموقف. اما في اسرائيل فمن شأن هذا التقارب اجهاض مخططات تل ابيب لزرع حالة من العداء بين شعوب المنطقة تجاه الطموحات النووية الايرانية ليبقي في النهاية البرنامج النووي الاسرائيلي هو الخطر الاكبر الذي يجب علي الجميع مواجهته. أحمد عزت