بعد حادثة طريق الواحات، مؤخراً، علت أصواتاً تتحدث عن عملية تأمين الحدود المصرية الليبية، التي تمتد بطول 1115 كيلو متر تقريباً، وكان من ضمن تلك الأصوات، البعض من غير ذوي الاختصاص، الذين ملأوا وسائل التواصل الاجتماعي، بتحليلات قائمة علي غير رؤية أو علم، لذا أردت أن أوضح الأساليب العامة التي تتبعها مختلف الدول، لتأمين حدودها، مع الدول المجاورة، دونما الخوض في تحليل أسباب ذلك الحادث الإرهابي، المؤسف، الذي وقع علي طريق الواحات. في البداية، يجب التفرقة بين مصطلحين هامين، هما »خط الحدود»، »ومنطقة الحدود»؛ فخط الحدود هو ذلك الخط الوهمي، الذي يتم رسمه علي الخرائط الجغرافية، ويتحدد بإحداثيات معينة، لتوضيح الأراضي التي تمارس فيها الدولة سيادتها، وتتمتع فيها بحق الانتفاع أو الاستغلال. أما »منطقة الحدود»، فهي تلك المساحة التي تبدأ عند خط الحدود، وتمتد في عمق الدولة لمسافة معينة، تتحدد وفقاً لقواعد تختلف من دولة إلي أخري. فالمنطقة الحدودية في مصر، علي سبيل المثال، تمتد من خط الحدود لمسافة تتراوح بين 50 إلي 70 كيلو مترا في عمق الأراضي المصرية، بينما المنطقة الحدودية داخل إسرائيل لا تزيد عن 20 كيلوا مترا من خطوط حدودها، نظراً لمحدودية مساحة أراضيها، التي لا تسمح بأكثر من تلك المسافة. ولنبدأ، الآن، بتناول كيفية تأمين »خط الحدود»، والتي تتنوع بعدة طرق، منها الجدران أو الحوائط. ولقد كان أشهر الجدران الحدودية، جدار برلين الذي شُيد بعد الحرب العالمية الثانية، ليفصل برلينالغربية، التابعة للمعسكر الرأسمالي الغربي »الولاياتالمتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا» عن برلينالشرقية التابعة للمعسكر الاشتراكي الشرقي، ممثلاً في الاتحاد السوفيتي. من أمثلة الحوائط، أيضاً، ذلك الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل، حالياً، علي حدودها مع الأراضي الفلسطينية، لمنع تسلل الفلسطينيين إلي أراضيها والقيام بعملياتهم الفدائية. ومن ضمن الأمثلة، أيضاً، ذلك الجدار الذي قرر الرئيس الأمريكي ترامب، فور توليه السلطة، أن يقوم ببنائه علي حدود بلاده الجنوبية مع المكسيك، وبتمويل مكسيكي، ليمنع تسلل العمالة المكسيكية غير القانونية، إلي الولاياتالمتحدة، وكذلك للسيطرة علي عمليات التهريب في تلك المنطقة، باعتبار أن الحدود الأمريكية-المكسيكية تعتبر من أطول خطوط الحدود بين بلدين. يعد ذلك النوع الأول لتأمين خط الحدود، ويكون في الحالات الصعبة، التي تستلزم تأمينا واضحا. أما النوع الثاني لتأمين خط الحدود، فيكون من خلال الأسوار الشائكة، المزودة بأجهزة استشعار عن بُعد (Sensors)، ووحدات إضاءة (Flares)، لرصد أي تحركات، أو محاولات، لعبور خط الحدود، وترتبط تلك الأسوار، بأبراج مراقبة متقاطعة، مزودة بكشافات إضاءة كبيرة، لتسهيل عمليات المراقبة الليلية. وفي بعض الاتجاهات الخطرة، تزود تلك الأسوار الشائكة بالألغام سواء المضادة للأفراد، أو بالألغام المضادة للدبابات في المناطق التي يمكن عبورها بالعربات. وينتشر ذلك النوع من تأمين خط الحدود بين الدول الأوروبية، وتزداد كثافته في اتجاهات تسلل المهاجرين غير الشرعيين أو المهربين. وتعد أكبر مشاكل تأمين خط الحدود، عند مرور ذلك الخط في مناطق بحار، أو أنهار، أو بحيرات مائية، مثلما هو الحال في بحيرة جنيف، التي تتقاسمها كل من سويسرا وفرنسا. كما أن تأمين خطوط الحدود البحرية، خاصة مع امتدادها لمسافات طويلة، يعد الأصعب، ولعل أبسط مثال هو عمليات التسلل والهجرة غير الشرعية، من السواحل الليبية، وحتي من السواحل المصرية، علي البحر الأبيض المتوسط، إلي الدول الأوروبية. ولا يقل في الصعوبة، تأمين خط الحدود في المناطق الصحراوية الشاسعة، مثلما هو الوضع عند خط الحدود المصري الغربي مع ليبيا، أو الجنوبي مع السودان، نظراً لاعتبارهما مناطق مفتوحة، وشاسعة، مما يسهل عملية التسلل من خلالها إلي دول أخري. أما فيما يخص تأمين »منطقة الحدود»، أو المنطقة الحدودية، كما يطلق عليها في بعض الأحيان، فيتم تأمينها بخطوط متتالية، تبدأ بتأمين خط الحدود ذاته، الذي يربط بين نقاطه دوريات، إما مترجلة أو راكبة، لتغطية الفواصل بين نقاط المراقبة علي خط الحدود. يلي خط الحدود، الخط الثاني، الذي يشمل احتياطيات قريبة، ذات حجم صغير نسبياً، مزودة بمركبات لتغطية، ومتابعة أي عناصر تتمكن من اختراق خط الحدود. ويتحدد حجم هذه الاحتياطيات وفقاً للمسافة المطلوب تغطيتها، ووفقاً لقوة وتسليح الوحدة القائمة بتأمين خط الحدود. ننتقل، بعد ذلك، إلي الخط الثالث، في تأمين المنطقة الحدودية، وفيه يكون مركز القيادة الأكبر، والمزود بالاحتياطيات الأكبر نسبياً، لمتابعة أية عناصر تتمكن من اختراق خط الحدود، وتتسلل من متابعة الخط الثاني. ويعتبر الخط الثالث قيادة، لها حق الاتصال بقيادة القوات الجوية، للدفع بمروحياتها لملاحقة العناصر المتسللة. كما يساهم الدفاع الجوي بقواته في تلك المنطقة، فيما يعرف باسم »نقاط المراقبة بالنظر»، التي تغطي اتجاهات صعبة، يصعب تغطيتها بالحقل الراداري العادي. كان ذلك ملخصاً مبسطاً لأشكال تأمين خطوط الحدود، ومنظومات تأمين المناطق الحدودية، والذي يتضح من خلاله أن تلك العملية التأمينية تتطلب أموالاً طائلة، خاصة إذا ما كانت في مناطق مفتوحة كالصحاري، وتزداد صعوبتها في المناطق الجبلية، مثل المنطقة الحدودية بين المملكة العربية السعودية واليمن، حيث يتعذر التأمين الكامل للدروب والوديان. كما يسمح وجود المغارات والكهوف من تنفيذ عمليات الاختراق، إذ تستغلها العناصر المتسللة في الراحة بين وثباتهم المتتالية عند تنفيذ عمليات التسلل والاختراق. ونظراً للطفرة التكنولوجية في العصر الحديث، فقد بدأ الاعتماد، مؤخراً، علي الأسلحة والمعدات، ذات التقنية العالية، لتأمين خطوط ومناطق الحدود، بدءاً بطائرات الاستطلاع الموجهة بدون طيار، المكلفة بالمراقبة فقط، والتي تتمتع بالقدرة علي مسح خط الحدود من ثلاث إلي أربع مرات يومياً، وإرسال إشاراتها، فوراً، إلي مركز القيادة والسيطرة. فضلاً عن وجود طائرات موجهة بدون طيار، لها قدرات قتالية، وتعمل في مدي محدد، يتم الدفع بها، سريعاً، ضد أي محاولات اختراق، للتعامل المبدئي بالنيران وتدمير العربات المخترقة، وذلك لحين وصول القوة الرئيسية من القوات الجوية، أو القوات البرية، وفقاً لطبيعة المهمة. كما ظهرت، كذلك، الأقمار الصناعية، التي تكشف تلك الخطوط والمناطق الحدودية، وتصل قدراتها إلي تحديد نوعية العربات المخترقة، ومساراتها، وتحديد إذا ما كانت قد توقفت للراحة، أو للتزود بالوقود. وفي نفس الوقت، فقد أتاحت الثورة التكنولوجية إمكانية تطوير الرادارات الأرضية، للتمكن من مراقبة الفواصل بين نقاط المراقبة، علي خط الحدود، شريطة ألا يعيقها عوامل جغرافية مانعة كالجبال والتباب. ولكننا نؤكد علي ضرورة استخدام كل تلك العوامل والعناصر التكنولوجية، في إطار منظومة متكاملة، يكون القرار العسكري فيها، في النهاية، من خلال العقل البشري... أي قائد ذلك القطاع في تلك المنطقة الحدودية. من خلال ما سبق، يتضح أن القوات المسلحة المصرية، تبذل الكثير من الجهد لتأمين حدودها البرية المترامية الأطراف في الاتجاه الغربي ناحية ليبيا، وفي الاتجاه الجنوبي ناحية السودان، وكذلك حدودها البرية-البحرية في الشمال الشرقي ناحية غزة وفلسطين... وهو ما يجب أن يستمر مصحوباً بالكثير من اليقظة، وحسن إدارة كافة الموارد المتاحة، لإحكام السيطرة علي الخطوط والمناطق الحدودية ذات المسافات الطويلة، والطبيعة الجغرافية المتباينة.