الدين الذي أعنيه، هوكل دين، إسلاما كان أومسيحية أويهودية .. لم تنزل الأديان لبذر العداوة أوالكراهية أوالشقاق بين الناس .. الأديان دعوة ربانية للإخاء والمحبة، والإخلاص والود والوفاء والرحمة .. فالإنسانية أسرة واحدة، تنتمي إلي جذور واحدة، وإلي أصل واحد .. وتدين كلها مهما اختلفت أديانها إلي رب واحد هورب العالمين .. تنتمي الإنسانية إلي نفس واحدة خلقها الله تعالي وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء .. وفي خطاب موجه إلي الناس كافة، لا إلي أبناء دين بعينه، يقول القرآن المجيد : » يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا » ( النساء ) ويقول عز وجل : » وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ » ( الأنعام 98 )، ويقول » هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا » ( الأعراف 189 ) . يلتقي السلام والمحبة في رسم صلة الإنسان في الإسلام بأخيه الإنسان .. فلفظ » السلام » هوتحية الإسلام، ولفظ الإسلام ذاته : عنوان الدين، منحوت من مادة » السلام »، لأن السلام والإسلام يلتقيان في توفير الأمن والطمأنينة والسكينة لبني الإنسان .. فرسول القرآن عليه السلام : » رحمة مهداة » .. وهوآخر عناقيد شجرة الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالي هدية من السماء إلي العالمين .. وبذلك أرسل صفيه محمداً عليه السلام، فيقول له الحق عز وجل : » وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ » ( الأنبياء 107) .. وكان عليه السلام يقول للناس : » إن الله تعالي جعل السلام تحية لأمتنا » .. ويقول :» السلام قبل الكلام » .. المحبة هي الجسر الذي يؤلف بين القلوب، ويفشي السلام، ويطهر النفوس من أدران الحقد وأسباب البغضاء والعداوة .. لا إيمان بلا محبة، ولا محبة بلا تآلف ومودة .. وفي حديث رسول القرآن عليه السلام : » لا تؤمنوا حتي تحابوا .. ألا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟، أفشوا السلام بينكم » .. وفي الحديث الشريف : » إن من عباد الله أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانتهم من الله تعالي . قالوا : يا رسول الله، تخبرنا من هم ؟ قال : هم قوم تحابوا بروح الله علي غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها . فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلي نور .. لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس » .. لذلك كان المؤمن آلف ومألوف، ولا خير فيمن لا يَأْلف ولا يُؤْلف . وقيل أيضا : » ما دخل الرفق في شيء إلاّ زانه، وما خرج من شيء إلاّ شانه : » إن الله سبحانه وتعالي رفيق يحب الرفق في الأمر كله » .. لم تنزل الأديان السماوية لبث العداوة والكراهية، وإنما لإيمان وهداية الناس .. والإيمان معرفة بالله وثقة به ويقين فيه سبحانه، ومحبة وعطاء ومنفعة للناس .. لا يوجد في الأديان أسباب ولا حض أوتحريض علي الكراهية والعداء .. فالمصالح والأهواء والمآرب والعداوات صناعة آدمية، وليست ولا يمكن أن تكون دعوة إلهية .. وكما رأينا دعوة الإسلام للإخاء والمحبة، نري ذلك حاضرا أيضا في المسيحية : ديانة المحبة .. كان مجد المسيحية الحقيقي الهداية والمحبة، دعت وتدعوإلي ملكوت السماء في الضمير والوجدان، ويقول السيد المسيح عليه السلام للناس : » لن تربح شيئا إذا كسبت كل شيء وخسرت نفسك » !.. لا تبال هداية المسيح بظاهر الدنيا كله إذا سلم للإنسان باطن ضميره .. مجده الحقيقي هذه الدعوة الهادية إلي نقاء السريرة، وإشاعة المحبة .. من علي الجبل يلقي عليه السلام موعظته إلي جموع الناس فيقول لهم :» طوبي للمساكين بالروح، فإن لهم ملكوت السماوات، طوبي للحزاني، فإنهم سيعزون . طوبي للودعاء، فإنهم سيرثون الأرض . طوبي للجياع والعطاش إلي البر، فإنهم سيشبعون . طوبي للرحماء، فإنهم سيرحمون . طوبي لأنقياء القلب، فإنهم سيرون الله . طوبي لصانعي السلام، فإنهم سيدعون » أبناء الله » . طوبي للمضطهدين من أجل البر، فإن لهم ملكوت السماوات . طوبي لكم متي أهانكم الناس واضطهدوكم، وقالوا فيكم من أجلي كل سوء كاذبين . افرحوا وتهللوا، فإن مكافأتكم في السماوات عظيمة . فإنهم هكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلكم » ! ( متي 5 : 3 12 ) . مثلما يقرأ المسلم في القرآن المجيد، قول الحق جل وعلا : » وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ » ( البقرة 224 )، فإن المسيحي يقرأ من موعظة السيد المسيح علي الجبل : » سمعتم أنه قيل للأقدمين : لا تخالف قسمك .. أما أنا فأقول لكم : لا تحلفوا أبدًا » ( متي 5 : 34، 35 ) .. » وسمعتم أنه قيل : تحب قريبك وتبغض عدوك . أما أنا فأقول لكم : أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا معاملة الذين يبغضونكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم . » ( متي 5 : 43 45 ) .. يمضي المسيحي في قراءة الأناجيل فيري فيما يراه قول السيد المسيح عليه السلام : » لا تدينوا لئلا تدانوا . فإنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم » ( متي 7 : 1 3 ) .. هذه الباحة الإنسانية الفياضة المعطرة بالمحبة والود والتسامح والإخاء، تقيم جسور المودة بين المسيحي وبين غيره من أبناء الديانات .. هذه المودة التي تحدث عنها القرآن المجيد، وبذلها النجاشي ونصاري الحبشة للمسلمين، حتي حزن نبي القرآن عليه السلام حزنا شديدا حينما بلغته وفاة النجاشي عرفانا بما قدمه للمهاجرين من كرم الضيافة وصدق المودة وعطر المحبات .. وكما لا يوجد في الإسلام دعاوي للإثم والعدوان، فإنه لا يوجد بمدونات المسيحية، لا في الأناجيل، ولا في الرسائل الملحقة بالعهد الجديد، ما يوري بعداوة مضمرة للأغيار، ولا حض علي كراهة أومقت أوعداء .. العداوات صناعة آدمية، أما الأديان والمدونات المقدسة فتفيض بعطر المحبة والإخاء .