في هذا الزمن أصبح التعليم إحدي العجائب والغرائب التي يتحتم دفع ضريبتها لمجرد التفكير في تأمينها بصورة جيدة وحقيقية قدر الإمكان، ولم يعد الاختيار بين مدارس حكومية ضعيفة الكفاءة والقدرة، وبين مدارس خاصة تشبهها مع قليل من الإمكانيات التعليميه، بل أصبح الخيار الثالث الذي حاصر الطبقة الوسطي في مصر هو المدارس التي تحمل لقب »اللغات» و»الدولية» حتي لو كانت محلية مائة بالمائة. هذه المدارس راج سوقها مع غياب وجود مدارس محترمة تتبع الدولة وتلتزم بقواعد وحدود واضحة، وتقدم خدمة تعليمية لائقة، وبأسعار معقولة ومتاحة لشرائح الطبقة الوسطي في مصر، وهي الطبقة التي مازالت تنظر للتعليم الجيد باعتباره الوسيلة الوحيدة لضمان حياة كريمة للأبناء، وفي المقابل تقبل أن »تكسر ظهرها» لسداد مصروفات هذه المدارس، ويدور الآباء بين المعارف والأصدقاء بحثا عن »واسطة» لقبول الأبناء، لأن كثرة أعداد المتقدمين تفوق طاقة المدارس، ورغم أن المصروفات آلاف مؤلفة من الجنيهات، وأحيانا من الدولار، إلا أن هذه هي البداية فقط لقبول طفل في حضانة المدرسة، أما المضحك إلي حد الألم فهو طلبات المدرسة التي تعقب قبول الطفل، والتي يتم إرسالها إلي أولياء الإمور تحت إسم »السبلايز»، وهو المسمي الذي يليق بحجمها وتكلفتها، وهي تتضمن كل الأدوات التي يفترض أن يستخدمها الطفل خلال العام الدراسي الأول له، محددا بها »ماركة» كل بند ونوعه، والعدد المطلوب في كل نوع، والتي تصل قيمتها إلي عدة آلاف من الجنيهات، حتي أن أحد الآباء سخر من »السبلايز» المطلوبة في مدرسة إبنه بقوله أنها أكبر مما إستخدمه شخصيا من أدوات خلال دراسته بكلية الهندسة! في زمن »السبلايز» ترتفع تكلفة كل شيء بشكل مبالغ فيه، حتي الزي المدرسي، وتتجاوز المطالبات حدود المعقول، ويتحول أولياء الأمور إلي كبش فداء لتعليم الأبناء، وكأنها عقوبة عليهم تحملها وتكبد نفقاتها علي حساب كل بنود الحياة الأخري، خاصة أن لا أحد يحاسب أحد في هذا المجال، وكل مدرسة حرة في فرض »السبلايز» الذي تراه. رحم الله زمان تعلمنا فيه بأقل القليل في مدارس محترمة تعليما حقيقيا أثر في وجداننا وأنار عقولنا، قبل أن يتحول التعليم إلي مزاد لمن يدفع أكثر، وليته يحقق نفس الأثر.