خلال شهر رمضان الماضي شهدت الدراما المصرية تراجعا في الكيف ورغم وجود اسماء براقة لنجوم السينما والتليفزيون يتصدرون الاعمال الدرامية الا ان المستوي الفني لهذه الاعمال لا يليق باسم وتاريخ الدراما المصرية وارجع الجميع السبب في ان هذه الاعمال يتم تفصيلها علي مقاس النجوم والنجمات ضاربين بقواعد صناعة الدراما عرض الحائط والتي تعتمد علي النص الدرامي والاخراج في المقام الاول ثم بعد ذلك يأتي باقي العناصر من تمثيل وانتاج وغير ذلك. ما حدث للدراما المصرية يذكرنا بما حدث للسينما المصرية خلال فترة الثمانينات والتي شهدت موجة افلام المقاولات التي ادت لانهيار صناعة السينما فهل تنتقل هذه الظاهرة للدراما التليفزيونية وتشهد موجة لدراما المقاولات ؟ قبل طرح القضية للنقاش علي صناع الدراما المصرية لابد ان نشير الي السينما المصرية شهدت في منتصف الثمانينات ما عرف ب »سينما المقاولات» والتي تحكم فيها مزاج وذوق الموزع سواء كان الخليجي او اللبناني والذي كان يطلب فيلما للنجم الفلاني بغض النظر عن الموضوع الذي يتناوله الفيلم وكان المنتجون يفصلون الافلام علي مقاس هؤلاء النجوم والنجمات فكانت النتيجة صناعة أفلام لا تحمل من الفن بمقدار ما تحمله من عناصر جذب المتفرج بغرض تحقيق الربح السريع: مجموعة نكات، بطل وبطلة، قصة تافهة وشيقة في نفس الوقت وكانت تلك الوصفة ورقة رابحة، فالمواطن البسيط الذي يبحث عن حلم الثراء أو حتي الحب يجد نفسه في ذلك الفيلم ويضع نفسه مكان الأبطال وفي نهاية التسعينات ظهرت مسلسلات المقاولات، وإن بشكل أقل ضراوة من نظيرتها السينمائية، وأخذت تنتشر مع انتشار ظاهرة الإعلانات التي تتخلل حلقات المسلسل وتتحكم فيه لدرجة ان الكاتب الراحل اسامة انور عكاشة وصف الحالة بتعبير بليغ بقوله:» نحن نشاهد اعلانات »متعاصة»دراما»ولكن وجود الدولة ممثلة في»قطاع الانتاج وصوت القاهرة ومدينة الانتاج الاعلامي» في سوق الانتاج الدرامي جعل هناك حالة من التعادل لكفتي الميزان ؛ وخلال السنوات الاخيرة خرجت الانتاج الدرامي الحكومي من السوق واستأثر منتج القطاع الخاص ؛الذي قدم اعمالا لا يبغي من ورائها سوي تحقيق الربح بغض النظر عن نوعية الموضوعات المقدمة وتحكمت الوكالات الاعلانية والتي تشبه الموزع الخليجي واللبناني وفرضت نجوم بعينهم في السوق فكانت النتيجة دراما ضعيفة المستوي بل ورديئة لا تناقش قضايا حقيقة وتدعو للعنف والبلطجة.. بعد انتهاء شهر رمضان الماضي اعلن عدد كبير من النجوم مثل ( عادل امام ومحمد رمضان ومني زكي وهاني سلامة واحمد السقا وزينة ومحمد امام وامير كرارة ومي عز الدين وغادة عبد الرازق ونيللي كريم ومصطفي شعبان ويوسف الشريف ) عن تعاقدهم علي مسلسلات رمضان القادم ولم يعلن اي من هؤلاء النجوم عن النصوص ولا المخرجين وهو ما حدث العام الماضي وكانت النتيجة اعمال دون المستوي ليكرروا سيناريو الكارثة ولا نتوقع خروج اعمال جيدة تم تفصيلها علي المقاس وهو ما كان يحدث في »سينما المقاولات» يقول المؤلف محمد الحناوي: ظاهرة دراما المقاولات ليست وليدة العام الماضي بل بدأت قبل ذلك بعدة سنوات ولكن في العامين الاخيرين ظهرت بشكل فج بعد تراجع دور الدولة في الانتاج الدرامي فأصبح الهدف الاول في سوق الانتاج الدرامي الربح وهذا ترتب عليه أنه اصبح لا يوجد أحد يبحث عن أصل الحكاية في الانتاج وهي »الحدوتة الدرامية» وأصبح الامر طبقا لهوي الوكالات الاعلانية فهي التي تدفع للمحطة التي تشتري المنتج وهذه الوكالة تشتري اسماء النجوم وتفرض نجوما بعينهم ولا يعنيها اذا كان هناك اعتبارا للنص الدرامي واصبحت المسألة معتمدة علي الاستسهال خاصة مع انتشار» دكاكين التأليف» واصبح السيناريو في المرتبة الرابعة بعد (النجم وشركة الانتاج وباقي فريق العمل) وهذه تركيبة مدمرة للدراما المصرية والتي تقريبا تم سحب بساط الريادة من تحت اقدامها. واشار محمد الحناوي الي ان الحل يمكن في عودة الدولة للانتاج وهذا واجب وطني وضرورة من ضرورات الحياة في مصر الجديدة ؛ فاذا كانت الدولة تريد بلدا جديدا يثبت اقدامها عربيا ودوليا وتعيد لنفسها الريادة من جديد وترجع ما تم استنزافه منها لابد ان تعود لساحة الانتاج وفي اسرع وقت ممكن. وأضاف المخرج مجدي ابو عميرة: اود العودة بالتاريخ قبل انشاء قطاع الانتاج كان هناك شركات خليجية مثل»الدلة ودبي واستديوهات عجمان»مسيطرة علي سوق الانتاج الدرامي وكان المنتجون يسافرون لتصوير الاعمال الدرامية في الخارج ليتهربوا من دفع الضرائب في مصر وكانت هذه الشركات تقدم اعمالا دون المستوي ؛ لذك كان التفكير الصحيح هو انشاء قطاع الانتاج والذي منذ بدايته قدم اعمالا عالية الجودة فتورات هذه الشركات وبعضها تم اغلاقه ؛ وما يحدث اليوم يشبه لما حدث في الماضي وحلت وكالات الاعلان محل الشركات الخليجية وتحكمت في المنظومة فكانت النتيجة دراما المقاولات التي تعتمد علي النجم فقط فالمنتج يعرض علي المعلن نجما معينا فيشتري العمل بدون نص ومخرج ويقوم النجم باختيار كل العناصر وهذا يستغرق وقتا ويكون الوقت سرقهم فيقدمون النصوص المتاحة والتي غالبا ما تكون ضعيفة ؛ ثم يتم تصوير المسلسل في نصف عدد ايام تصويره الطبيعية فيتم »سلقه»وتكون النتيجة لحالة»الكروته»عمل غير جيد وهذا لا يمنع ان هناك اعمالا جيدة ولكن قليلة جدا واشار مجدي ابو عميرة الي ان وكالات الاعلان التي تفرض سياستها علي العمل الفني هي الوجه الاخر لموزع السينما في السابق وقال: المسلسل الذي يتم تصويره في شهرين فقط هذه هي المقاولات في حد ذاتها وخلال رمضان الماضي تم تقديم ما يقرب من 50 مسلسلا اتحدي ان يتذكر احد اسماء مسلسلات تم تقديمها خلال الموسم الماضي باستثناء عمل او اثنين فقط ؛ ان ما يحدث حاليا في سوق الدراما لا هدف له سوي تغييب العقل المصري وطمس الهوية المصرية. ويري الناقد طارق الشناوي أن أزمة الدراما المصرية في الوقت الحالي انها تسير في نفس الاتجاه وتعاني من نفس المأزق الذي وقعت فيه السينما المصرية من قبل وأدي لازمتها الشهيرة وهو سيطرة النجم علي العمل السينمائي وكانت النتيجة ليست في صالح السينما المصرية التي تراجعت وقتها كما وكيفا ؛ ومنذ سنوات انتقل قانون السينما الجائر و»سيطرة النجم» الي الدراما التليفزيونية وما ساعد علي انتشاره تعدد القنوات الفضائية وانتشارها واصبح النجم أكثر سطوة في العمل الدرامي فهو الذي يختار الكاتب والمخرج وباقي عناصر العمل ويتم التسويق اسمه وبالتالي انتهت سطوة المخرج ودور النص الدرامي واصبح الجميع يخضع للنجم ويحاول ارضاءه صحيح ان لكل قاعدة استثناء فمثلا كاملة ابو ذكري كانت البطل والنجم في »واحة الغروب» ومحمد ياسين في »افراح القبة» لم يخضع لسطوة نجومه ولكن تظل هذه النوعية من الاعمال قليلة مقارنة بما يتم انتاجه ويضيف طارق الشناوي: اذا استمرت قاعدة سطوة»النجم» بالتأكيد ستواجه الدراما المصرية أزمة كبري »كأننا داخلين في حيطه سد» ولابد ان تعود الدراما لاصولها بان يكون المخرج والنص الدرامي هما سيدا الموقف وإلا ستنهار الدراما المصرية.