لم يمر سوي ساعتين علي بدء عملية فض اعتصام الإرهابية بميداني رابعة والنهضة.. كان المشهد داخل مستشفي الشرطة بمدينة نصر يؤكد سقوط كل أكاذيب الاخوان بأن اعتصامهم سلمي.. استقبل المستشفي المصابين والجثث من رجال الشرطة بالعشرات من ضباط وأفراد..لم تكن اصابات الضحايا تكشف ادعاءات السلمية الكاذبة فقط وانما تفضح هذه المجموعات من القناصة المحترفين الذين تم توزيعهم بعناية لاصطياد رجال الشرطة.. فقد كانت كل الاصابات مباشرة في الرأس أو العنق والصدر بالاضافة الي استخدام طلقات محرمة كانت تخترق دروع الجنود والضباط فتصيب اجسادهم في الحال.. اليوم وبعد مرور 4 سنوات علي هذه الايام الفارقة في تاريخ البلاد نستعيد ذكري نماذج هؤلاء الابطال الذين دفعوا حياتهم ثمنا لبقاء الوطن خاصة بعد حالة الهيستريا التي اصابت قيادات الجماعة لاحداث حالة من الفوضي بمهاجمة الاماكن الشرطية ودور العبادة.. وكانت نتيجة مواجهة مخططهم الاجرامي في الفترة من 14 حتي 31 اغسطس سقوط 114 شهيدا من بينهم 30 ضابطا و82 مجندا وفرد شرطة. مسئولو وزارة الداخلية كانوا يدركون تماما ماذا ستدعيه الجماعة زورا علي رجال الشرطة من استعمال العنف والقسوة وباعتبارهم مسالمين.. ولذلك وقبل ساعات من بدء عملية الفض كانت ابواب وزارة الداخلية في مبناها القديم بعابدين تفتح »قبل الفجر»..الزائرون في هذا الوقت كانوا ممثلي منظمات حقوق الانسان واجهزة الاعلام المختلفة واهمها القنوات الفضائية حيث استقر الامن علي اصطحابهم ليكونوا شهود عيان علي ما سيحدث.. وهو ما حدث حيث انطلق الجميع في اتجاهي رابعة والقليل ناحية ميدان النهضة. في ميدان النهضة سقط اللواء نبيل فراج وشاهده الجميع عندما اصطادته رصاصات الغدر وهو يترجل من سيارته امام مشاهدي محطات التليفزيون دون ان يطلق رصاصة واحدة.. في ميدان رابعة وحيث سجلت بطولات مجموعة ضباط العمليات الخاصة الذين لم يطلق احدهم رصاصة واحدة.. الغريب ان كل الشهداء الاوائل في فض اعتصام رابعة كانوا جميعا اصدقاء وابناء دفعة واحدة وكلهم سقطوا غدرا.. أول الشهداء النقيب محمد جودة كان يمسك ميكروفونا ينادي علي المعتصمين بالخروج ولن يتعرض لهم احد وان هناك ممرات آمنة للمغادرة وحمايتهم وبمجرد انتهاء نداء الأمان الذي وجهه كانت رصاصات القناصة تستهدفه ليموت في الحال. أسد العمليات الخاصة أول الشهداء لقب الأسد هو الذي اطلقه ضباط وجنود قطاع اللواء سلامة عبدالرءوف علي زميلهم النقيب محمد جودة.. كان معروفا بجرأته الشديدة اثناء تنفيذ المهام المكلف بها. كانت مهام صعبة ومعقدة دائما ما ينتظر الموت صاحبها.. كان النقيب محمد جودة لا يهاب الموت وهو يطارد عناصر الارهاب والجريمة ومصرا علي الامساك بهم رغم التحذيرات من زملائه وقادته.. كل زملاؤه يتذكرونه في عملية اقتحام وتطهير بحيرة المنزلة كانت مهمته اقتحام احدي البؤر الخطيرة خاصة ان نيران مدفع الجرينوف التي يطلقها قائد البؤرة باتت تهدد القوات، قفز النقيب محمد جودة من قاربه وظل يسير متخفيا وسط الاحراش ممسكا ببندقيته الآلية حاول زملاؤه اقناعه بالعودة دون جدوي حتي تمكن من اختراق البؤرة وشل حركة المجرم ومعه الجرينوف ويننجح في انقاذ مجموعات زملائه.. شقيقه مصطفي يتذكر في احد الايام عاد شقيقه جودة وملابسه غارقة في الدماء واخبرهم انه كان يشارك في ضبط اخطر عصابة لسرقة السيارات بالاكراه علي الطريق الدائري يقتلون اصحابها وقت الانفلات الامني واصيب زعيم العصابة برصاصات قاتلة وبينما كان يلفظ انفاسه عاد اليه النقيب محمد جودة وامسك به ليلقنه الشهادتين رغم صعوبة حالته قبل استشهاد النقيب جودة بأيام كان يمر علي المحور عندما وقع حادث مروع ومات عدد من السيدات فلم يتردد في خلع ملابسه ليستر بها جثث السيدات الضحايا. قبل بدء عملية فض الاعتصام مباشرة تم استدعاؤه بالاسم ليتولي قيادة تأمين المقر الرئيس لمبني الامن الوطني بمدينة نصر ثم توجه ليشارك في تأمين عملية الفض. يقول شقيقه مصطفي: فوجئت بأخي علي غير عادته يتصل بي فجرا ويطلب مني ابلاغ سلامي لكل الموجودين وأوصاني برعاية والدي واشقائي.. لم تمر دقائق حتي اذيع نبأ استشهاده كأول شهيد في اللحظة التي كان يصدر تعليماته لجنوده كما قالوا بمراعاة ظروف السيدات وكبار السن وحسن معاملتهم اثناء الانسحاب. ولكن طلقة غادرة اخترقت خوذته لتدخل وتهتك المخ ويستشهد في الحال. شهيد المكتبة كان الموقف متأزما أمام مكتبة الاسكندرية بعد ساعات من فض الاعتصام في رابعة والنهضة فقد تجمع المئات من انصار الارهابية يحاصرون مبني مكتبة الاسكندرية استعدادا لاقتحامها واشعال النيران بها. لحظتها وجد النقيب حسام البهي نفسه أمام مهمة غير عادية رغم انه وحده مع مجموعة صغيرة من الجنود في مواجهة المئات بعضهم يحمل الاسلحة النارية، رفض التراجع أو الانسحاب رغم عدم محاسبته فالموق ف اخطر من ان يفكر انسان في مواجهته اتخذ قرارا شجاعا بالاستمرار في حماية وتأمين المكتبة حتي لو كانت حياته الثمن. والدة الشهيد النقيب حسام بهي تتذكر الكثير من المواقف الانسانية التي سبقت استشهاده قائلة :كان لدي ابنان ضمن القوات الخاصة كان حسام متواضعا للغاية حتي إن كثيرا من معارفه علي المقهي لا يعرفون انه ضابط شرطة كان ودودا مجاملا للجميع ورغم ان مجموعة في الثانوية كان يؤهله لكلية قمة الا انه اختار كلية الشرطة وعند تخرجه خيروه بين الأمن العام و الامن المركزي ولكنه فضل الامن المركزي باعتباره يحقق احلامه في التصدي للمخاطر. تشير الام الي شهادات التقدير التي كان يحصل عليها عقب مشاركته في كل مهمة ناجحة وتقول : قبل فض رابعة مباشرة صدرت التكليفات لحسام بالاستعداد للسفر مع زملائه الي السلوم لتصفية بؤرة ارهابية هناك واثناء وجوده معي بالمنزل كان يقوم بإعداد قوائم المدعوين لحفل زفافه حينما تم استدعاؤه صباح يوم الفض للتوجه في الحال لحماية مكتبة الاسكندرية حيث يتجمع امامها انصار الارهابية تمهيدا لحرقها.. وعقب وصوله اكتشف ان هناك سيدة محاصرة داخل مسجد قريب من المكتبة فأوقف مواجهة الحشود الارهابية رغم وابل الرصاص المنهمر عليه حتي يتمكن من انقاذ السيدة ونجح فعلا في ذلك ثم بدأ يطارد حشود الارهابية واستطاع منعهم من تحقيق هدفهم وظل يطاردهم علي طريق الكورنيش حتي نالته طلقات قناصة واستشهد في الحال. وتتذكر الام كيف شعرت بالقلق لحظة تلقيه مكالمة استدعائه وعبرت له عن مخاوفها فابتسم قائلا: الا تريدينني شهيدا يا أمي؟ وتؤكد والدة الشهيد حسام بهي انها فخورة بابنها وما قام به في العديد من المهام. عشق سيناء واستشهد في رابعة كانت تبدو متماسكة واعتقدت انها سترفض الحديث معي بسبب ما لمسته من طبيعة صوتها ويبدو انها ادركت انطباعي.. لا بأس ولكن الان تكون قد مرت 4 سنوات علي تحقيق السماء لرغبة ابني في الشهادة.. ولكن الاشتياق اليه يزيد مع مرور الايام فابني الشهيد النقيب محمد سمير لم يكن مثل غيره.. كان شغوفا وحريصا علي الموت شهيدا ويكاد يبكي وهو يدعو الله لينالها. وتقول الام :في العاشرة مساء ليلة فض الاعتصام تم استدعاؤه..طلب مني اعداد حقيبته بملابس كثيرة ربما يحتاج الامر للبقاء فترة طويلة.. وفي السادسة صباحا كانت جميع القنوات تذيع علي الهواء بدء عملية فض الاعتصام..استمررت في المشاهدة في منطقة رابعة من السادسة صباحا وحتي السابعة والنصف عندما فوجئت بقلبي ينقبض بشدة اضطررت الي اغلاق التليفزيون.. لم أكن أعلم انه مشارك في فض الاعتصام. بعد ساعة حضر شقيقه للمنزل وجدته متجهما والدموع محبوسة في عيناه بادرته متسائلة هل حدث لشقيقك شيء ؟هل استشهد؟ أجاب: نعم كان مصابا برصاصة اسفل البطن وطلب منه عدم ازعاجي لان اصابته خفيفة.وتختتم والدة النقيب محمد سمير كلامها نعم اشتاق اليه ولكن ما يهون علي امري انه طريقي الي الجنة. وفاء.. بلا حدود فوجئت بمعظم عائلات الشهداء من ضباط العمليات الخاصة يتحدثون عنها نموذجا للوفاء من الصعب للغاية ان تجد مثله هذه الايام.. كنت اتواصل مع عائلات الشهداء حينما تحدثوا عن الشهيد نقيب باسم محسن فاروق البطل الذي استشهد في سيناء يوم فض الاعتصام وهو يدافع عن زملائه في قسم ثالث العريش الذي حاصرته جحافل الشر عقب نجاح فض الاعتصام في رابعة والنهضة.. كان أمل الشهيد دائما ان تحقق له امنيتان الأولي هي زواجه بتلك الفتاة التي احبها بكل فؤاده. تقول زوجته سحر وهي تسترجع ذكرياتها معه: كان رجلا بكل ما تحمله الكلمة من معني يتمني الخير للجميع يحاول دائما ان ينصر اي مظلوم وتقول سحر باسم كان زوجي وشقيقي وابي طالت فترة خطبتنا 6 سنوات وقبل استشهاده بقليل عقد قراننا وكنا نستعد للزفاف حينما تم استدعاؤه للسفر الي سيناء حيث سيتولي تأمين قسم ثالث العريش ويوم فض اعتصام رابعة حدث الهجوم بكل الاسلحة علي القسم دافع ببسالة كما اخبرني زملاؤه ولكن امر الله كان نافذا في تلك اللحظة كانت معي والدته نعد ترتيبات زفافنا حينما حاولت محادثته ولكن كان تليفونه مغلقا شعرت بالقلق وبعد اسبوع من استشهاده كان شقيقه الاصغر يتقدم بأوراقه الي كلية الشرطة التي قبلته ليتخرج هذا العام. اما أنا فسأبقي احمل اسم اغلي وأهم شهيد في حياتي ليبقي هو زوجي الوحيد.