فجرت ثورة 25 يناير في مصر حالة من النقاش والجدل في الولاياتالمتحدة حول السياسات التي يجب أن تتبعها واشنطن في المرحلة القادمة حتي لا تخسر المزيد من حلفائها في الشرق الأوسط . ويقول الكاتب الأمريكي روجر كوهين إن الترياق الوحيد لما حدث لأمريكا في 11 سبتمبر عام 2001 عندما تعرضت لأكبر هجوم إرهابي في تاريخها هو ما حدث في مصر يوم 11 فبراير عام 2011 عندما أطاح الشعب المصري بنظام الرئيس السابق حسني مبارك. وبمعني آخر فإن الثورة المصرية واحتمالات تكرارها في دول عربية أخري بنفس الطريقة سوف تكون حلا لكل الأوضاع التي أدت إلي نمو ظاهرة الإرهاب والتطرف في العالمين العربي والإسلامي. ويؤكد كوهين أن الولاياتالمتحدة جربت كل شيء مع العرب والمسلمين طوال السنوات الماضية دون جدوي.. جربت غزو أراضيهم.. وجربت أن تفرض عليهم أنظمة جديدة للحكم.. وجربت إعلان الحرب علي الإرهاب.. وجربت إنفاق الملايين من الدولارات.. ولكن الشيء الوحيد الذي لم تجربه واشنطن هو السعي لمعالجة "الأوضاع العفنة" في العالم العربي من خلال تشجيع الحركات المطالبة بالتغيير والتي بوسعها تحويل الدول البوليسية التي تعيش علي الدعم الأمريكي إلي ديمقراطيات مستقرة. وهذه بالتحديد هي الفرصة الكبري التي تقدمها الثورة المصرية للعالم ، علي حد قول الكاتب الأمريكي. فقد استفاد المتطرفون الإسلاميون كثيرا من المعايير الأمريكية المزدوجة في التعامل مع قضية الديمقراطية والتي اتضحت تماما من خلال دعم الأنظمة المستبدة في المنطقة العربية رغم الشعارات التي يرفعها الأمريكيون حول دعمهم للحريات ومساندتهم للديمقراطية. وقد استفادت هذه الأنظمة أيضاً من سياسات القمع الوحشي التي كانت ضرورية لمواجهة المتطرفين والجهاديين في استمرار بقائها رغم افتقادها لكل مبررات هذا البقاء. ويؤكد روجر كوهين أنه إذا استطاع العلمانيون التعايش مع الإخوان المسلمين في الجمهورية المصرية الثانية فإن احتمالات ظهور محمد عطا جديد، وهو أحد منفذي هجمات سبتمبر، سوف تصبح أقل بكثير مما كانت عليه طوال السنوات الماضية. ونفس المنطق صحيح في البلدان العربية والإسلامية الأخري. ويمضي روجر كوهين قائلا إن التعامل الأمريكي الصحيح مع مصر والمصريين في هذه المرحلة يمكن أن يكون هو العلاج لمشكلة التطرف والإرهاب التي عجز الأمريكيون وربما العالم كله عن حلها. ومما يؤكد مصداقية هذا الرأي أن ثورة شباب مصر قلبت بالفعل الكثير من المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة حول العالم العربي والشرق الأوسط. وتجلي ذلك بوضوح من خلال ذلك الأسلوب الراقي في بناء التحالف الوطني الذي أطاح بالنظام المصري السابق. كما تحول ميدان التحرير بالقاهرة إلي مركز للتعاون بين جميع فئات وطبقات المصريين دون استثناء. والاهم من كل ذلك تلك الحرفية والكفاءة العالية التي ظهر بها الجيش المصري أثناء وبعد الثورة وهو ما يشير بكل وضوح إلي أن مصر في طريقها لبناء مجتمع عصري ديمقراطي جديد إلي الدرجة التي قلبت كل المفاهيم السابقة حول طبيعة الشارع العربي. ويؤكد كوهين أن مشهد الشباب الذين ينظفون شوارع العاصمة المصرية بعد نجاح ثورتهم يجعل من المنطقي أن يتوقع الجميع تحول القاهرة التي كان التراب يغطي شوارعها من قبل إلي صورة من زيوريخ أو أي مدينة أوروبية خلال سنوات قليلة قادمة.