الكل في مركب واحد هذا هو شباب مصر. شباب لم يحاوره احد، فحاور نفسه، ليقود ثورة نظيفة، لم يعكر صفوها الا تصرفات »همجية أمنية« تركت شرخا عنيفا في الوجدان.. وشباب آخر نزل الي الشارع ليحمي بيوته في اوقات عصيبة. عبر سنوات طويلة.. لم يحسن المسئولون مخاطبة الشباب فاتسعت الهوة بين الحكومات المتتالية، وهذا القطاع الضخم الذي كانوا يطلقون عليه قاعدة الحاضر، وانطلاقة المستقبل. واذا كانت الرغبة او الهدف من ثورة 52 يناير هو الانتقال الي عالم افضل من الحرية والديمقراطية، فان كل المؤشرات او معظمها يشير الي ان هذا الهدف تحقق، او في طريقه الي التحقيق. الكل في مركب واحد. واذا كان البعض في الداخل والخارج يحاول تصوير ان ما يجري علي ارض مصر، يمثل انقساما بين من يدعو الي التغيير وبين من يحلم ويتطلع الي الاستقرار، الا ان الواقع يؤكد غير ذلك.. يؤكد ان الاطراف التي تبدو مختلفة شكلا.. تتفق في المضمون وتبحث فقط في آليات تنفيذ الخطط والبرامج. لقد اثبتت كل الاحداث وتداعياتها في الاونة الاخيرة اهمية العودة الي كل اشكال الحوار الهاديء والعقلاني، حتي يمكن ايجاد مساحة مطمئنة من التلاقي عند نقاط محددة تدفع الحالة الي الافضل، وتؤدي الي الخروج من عنق الزجاجة الذي يمثل خطرا لا حدود له. ورغم ان الصورة تبدو غير واضحة.. بل وملبدة بغيوم غير مسبوقة، الا انه كان يمكن ازالة اي شكل من اشكال عدم الثقة اذا تواجدت اساليب الحوار والمناقشات العقلانية.. والمنطقية. للأسف.. لم يكن هذا متوافرا من قبل، لا من الجهة او الوزارة او المجلس المعني بذلك، ولا من الحزب الوطني، ولا غيره.. ومع ذلك ليس هذا وقت الخلاف، وانما وقت الالتفاف حول مصلحة وأمن البلاد. بغض النظر عن اي اعتبارات سابقة.. فقد ثبت ان هناك سلبيات وازمات وفساد لا حصر له.. والمنطق العاقل يؤكد دائما ان الحوار الهاديء هو السبيل للوصل الي كل حلول ممكنة، طالما ان هناك اتفاق علي ان أمن مصر وسلامتها هو الطريق الذي يضمن الاستقرار. ان هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد لن يتصدي لها الا اولاد البلد.. سواء من قاموا بثورة 52 يناير لاهداف سامية طموحة، او هؤلاء الذين نزلوا الي الشارع وقت الفراغ الامني لانسحاب الشرطة، ليحموا اهلهم وذويهم وبيوتهم. كم كانت المخاوف شديدة علي ثورة الشباب ان تتحول عن اهدافها التي حصلت عليها.. لانه بمرور الوقت تزايدت هذه المخاوف الي ان وصلت الحالة الي درجة صعبة ومعقدة. تحتاج الي عمل وطني جماعي للنجاة من المحنة.. دون استثمار الازمة لتحقيق مطالب فئوية الان. بكل المعايير.. ينبغي ان يحكم المرء عقله وضميره لكي يدرك ان الخطر سيطال الجميع في غياب الحوار الوطني الحقيقي الذي يسعي للمصلحة العامة، بعيدا عن تصفية اي حسابات. او مجرد النظر تحت القدمين. هذا هو الوقت الذي لابد ان يحب المواطن بلده، اكثر من نفسه، واذا كان هناك من افسد او تربح، او استفاد بغير حق، او تآمر.. فكل هؤلاء مصيرهم الي الذبح والمحاكمة. وفي المقابل.. ينبغي للقاعدة العريضة من الشعب ان تتلاحم مع قواتنا المسلحة حتي يمكن تجاوز واحدة من اصعب المراحل في تاريخ مصر، بمزيد من التفاؤل والاصرار والايمان بأن أمن وسلامة البلاد هو الضامن للمستقبل. إن القوات المسلحة التي اعادت الكرامة في 37 بمقدورها أن تحفظ هذه الكرامة وتعبر واحدة من اصعب الازمات في تاريخ مصر.