في ربيع عام 1960 صدرت جريدة » الأخبار » وهي تحمل علي صدر صفحتها الأولي خبراً مثيراً يقول عنوانه : » سارق فيلا أم كلثوم تحول فجأة إلي سفاح » ! وكان ذلك الخبر بداية لقصة أكثر إثارة . توالت فصولها خلال الشهور التالية. وأصبحت الموضوع المفضل للصحافة المصرية . التي ساهمت في صناعة قصة » سفاح مصر » محمود سليمان . حتي نهايته المأساوية في إحدي مغارات صحراء حلوان. كان محمود أمين سليمان لصاً محترفاً يعيش في مدينة الإسكندرية . وكل بضعة أيام يستقل القطار إلي القاهرة . ليسطو علي أحد المنازل أوفيلات الأثرياء . ويعود في نفس اليوم إلي الإسكندرية محملاً بالغنائم والمسروقات . وحدث أن تسلل محمود أمين سليمان إلي فيلا كوكب الشرق أم كلثوم لسرقتها . وكان قد سطا قبلها علي بيت أمير الشعراء أحمد شوقي وفيلا المليونير المعروف سباهي . لكن البوابين والسفرجية امسكوه بعد أن تسلل إلي فيلا أم كلثوم . وسلموه إلي البوليس الذي ألقي القبض عليه . أنكر اللص أنه كان ينوي السرقة . وزعم أنه علي علاقة حب مع إحدي خادمات أم كلثوم . وأنه دخل الفيلا لرؤيتها لا أكثر . وبعد أن قضي محمود أمين سليمان عدة أيام في الحبس علي ذمة التحقيق معه في الحادث . تم الإفراج عنه بينما واصلت النيابة تحقيقاتها . وعاد إلي الإسكندرية إلي زوجته نوال وابنه وابنته الصغيرين. وكان محمود قد تعرف إلي احد المحامين بالإسكندرية . وتولي هذا المحامي مهمة الدفاع عنه في كل حادث سرقة يرتكبه ويُقبض عليه فيه . ثم نشأت صداقة عائلية بين المحامي واللص . الذي كان يصطحب زوجته نوال معه في كل مرة يزور فيها المحامي. ويتم القبض علي محمود مرة أخري . لكنه بعد أيام يتلقي في السجن صدمة كبيرة . عندما يخبره أحدهم أن زوجته تخونه مع محاميه . ولا يطيق محمود أمين سليمان صبراُ . حتي يخرج من سجنه للانتقام لشرفه الضائع بين زوجته ومحاميه. ويدبر خطة ذكية للهروب من السجن. فيبتلع بعض الدبابيس وينقل علي المستشفي لإسعافه . لكنه ينجح في الهروب من المستشفي. بعد أن يرتدي بالطوأحد الأطباء. ويسرع إلي الإسكندرية لينفذ انتقامه. ويذهب محمود أمين سليمان أولاً إلي منزل عائلة زوجته نوال ليقتلها . لكنه بدلاً من ذلك يصيب أختها برصاصات طائشة . ويهرب ليترك مع سائق تاكسي خطاباً إلي رجال المباحث . يقول فيه إنه لن يستريح حتي ينفذ انتقامه من زوجته الخائنة والمحامي. وعندما يعلم أن المحامي قد ترك الإسكندرية إلي القاهرة . يسرع إلي العاصمة. ويتنكر في زي ضابط . لكنه أيضاً يخطئ ويطلق الرصاص علي بواب عمارة في المنيل اعتقد أن المحامي يختبيء في إحدي شققها . لكن البواب يلقي مصرعه بهذه الرصاصات . ليكون أول ضحية يقتلها السفاح . وتبدأ الصحافة حملة محمومة في نشر أخبار السفاح الهارب . في الوقت الذي يطارده فيه البوليس في كل مكان من أنحاء القاهرةوالإسكندرية وتنشر وزارة الداخلية صورة محمود أمين سليمان علي الصفحات الأولي من كل الصحف . مع خبر يقول أن هناك مكافأة قدرها ألف جنيه لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلي القبض علي السفاح الهارب . ووسط كل ذلك تحول الصحافة السفاح من مجرد لص عادي إلي ظاهرة أسطورية . ويقولون أنه ابرع المجرمين في التنكر . وانه يعيش وسط الناس دون أن يكتشف أحد شخصيته . فهوقادر علي التنكر في ملابس ضابط أوعامل أوسائح أوحتي في شخصية امرأة ! وكل يوم كانت الصحف تكتب القصص المثيرة عن السفاح . فهوأمس أرسل خطاب تهديد للفنانة مريم فخر الدين أوالراقصة تحية كاريوكا . أما اليوم فقد سطا علي أحد المنازل. وعندما وجد أن أهل البيت فقراء. عاملهم معاملة طيبة . بل وترك لهم بعض الأموال وانصرف في سلام ! وتنشر الصحف مذكرات زوجة السفاح . وحكايات من عرفوه عن أسرار حياته وشخصيته الغامضة .ويضيق كل ذلك من حصار الشرطة حوله . لكنهم في كل مرة يتوصلون إلي خيط يقود إلي المكان الذي يختفي فيه . يتمكن في اللحظة الأخيرة من الهروب وكأنه شبح خفي . لكن نهاية السفاح محمود أمين سليمان تأتي سريعاً وعلي شكل درامي مأساوي . ويرسم له القدر الفصل الأخير من حياته . عندما يبلغ بعض الأهالي رجال البوليس انه شوهد في مدينة حلوان . وتسرع إلي هناك قوات كبيرة من رجال البوليس المدججين بالسلاح ومعهم الكلاب البوليسية . وتبدأ المطاردة المثيرة . ويحاصر البوليس محمود أمين سليمان في إحدي المغارات بالصحراء . ويطلبون منه تسليم نفسه . لكن يرفض ويطلب إحضار زوجته والمحامي أولاً . وينتهي حصار السفاح بتبادل لإطلاق النار بينه وبين رجال البوليس . ويلقي محمود أمين سليمان مصرعه أخيراً وحيداً في المغارة . هكذا كانت نهاية لص حولته الصحافة إلي سفاح خطير . ويكتب نجيب محفوظ بأسلوبه الرائع قصة حياة السفاح في رواية تحولت إلي فيلم لا ينسي بنفس العنوان .. اللص والكلاب !