لاتزال تداعيات احداث تونس تتوالي علي الرغم من مرور اكثر من اسبوع علي هروب الرئيس زين العابدين بن علي من بلاده امام غضب الجماهير التي عاشت القهر والارهاب في عهده علي مدي 32 عاما. وكان إشعال شاب تونسي النار في نفسه هو الشرارة التي حركت الجماهير لتعلن رفضها لحاكم ونظامه اذاقهم طوال سنوات حكمه الذل والهوان ولم يدرك حالة السخط والغضب التي يعيشها شعبه إلا بعد فوات الاوان وظهر علي شاشات التليفزيون عشية هروبه في محاولة اخيرة لاسترضاء المواطنين وكسب عطفهم واغدق في وعوده لهم وهو يعلم انهم يتطلعون إلي نسيم الحرية التي طالما حرمهم منها طوال فترة حكمه حين كمم الافواه وملأ السجون بالمعتقلين واغلق كل نوافذ الحرية والتعبير عن الرأي ولم يستمع إلا لصوته فقط فلا مؤسسات دستورية ولا احزاب ولا صحافة أو اعلام حر حتي »الانترنت« لغة العصر الحديث حرم شعبه منه اضافة لمشكلة البطالة ومعاناة الشعب اليومية. وفوجيء الرئيس في صباح اليوم التالي ان وعوده وتوسلاته لم تجد صداها لدي المواطنين الذين ازداد غضبهم ووصلوا إلي قلب العاصمة وحاصروا مبني وزارة الداخلية واوشكوا علي حصار قصره لم يجد امامه سوي الهرب ليلا وزوجته وعائلته باحثا عن مأوي آمن يقيم فيه ولو مؤقتا حتي تهدأ العاصفة ليعود لسلطانه مرة اخري.. ووافقت المملكة العربية السعودية علي استضافته لظروف انسانية بحتة ومن منطلق القيم العربية لرحمة عزيز قوم ذل. وتتواصل المظاهرات في تونس تطالب برحيل اركان نظام بن علي الذين يتحملون مسئولية ما حدث. وللاسف الشديد لم يستوعب الكثيرون حقيقة ما حدث في تونس ولم يدركوا انه كان نتيجة طبعية لممارسات خاطئة طوال 32 عاما من حكم بن علي تعرض فيها المواطنون التونسيون لكل ألوان القهر والذل والحرمان في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الإصلاح والتقدم والحريات في العديد من الدول العربية المجاورة لهم علي الرغم من التحديات التي يواجهونها.اختزل البعض هذه الاحداث في حادثة واحدة هي اشعال الشاب التونسي النار في نفسه حتي فارق الحياة واعتبروا ان هذه الحادثة هي التي اطاحت ببن علي وحكومته ولم يدركوا انها كانت الشرارة وان النار كانت تحت الرماد بسبب حالة القهر والذل والارهاب التي عاشها التونسيون في ظل حكم بن علي.. فرأينا بعض الشبان في مصر والجزائر واليمن يحاولون اشعال النار في انفسهم ليس لنفس الاسباب التي جرت في تونس ولكن لان احدهم تعرض لازمة عاطفية حين تركته خطيبته وتزوجت بآخر أو صاحب مطعم يريد الحصول علي كمية اكبر من الخبز المدعم أو من لم يجد 51 جنيها لينفق علي اسرته أو من لم يحصل علي ترقية في عمله وغير ذلك من اسباب ومبررات واهية لاترقي إلي ان يزهق انسان نفسه ويموت منتحرا كافرا خسر الدنيا والآخرة. إن العالم يراقب بلاشك ما جري ويجري في تونس الشقيقة ويتطلع العالم العربي بصفة خاصة إلي ان يتجاوز الاشقاء في تونس هذه المحنة وتستعيد بلادهم حريتها وتتواصل مسيرتها لتعويض ما فاتها طوال سنوات حكم بن علي وتعود إلي المنظومة العربية قوية قادرة علي ممارسة دورها العربي في اطار امة عربية واحدة تسعي لان تأخذ مكانتها وسط الامم.