أمضيت أوقاتاً ممتعة مساء الاثنين الماضي داخل قاعة »أفق« بمتحف محمد محمود خليل مع معرض الفنان التشكيلي الكبير الوزير فاروق حسني الذي استطاع رغم أعباء وزارة الثقافة الجسيمة أن يظل ممسكاً بفرشاته ومستخدماً لمفردات ألوانه ويقدم 04 عملاً فنياً رائعاً من لوحاته التجريدية في منظومة لونية مثيرة للخيال وتدعو إلي التفكير والتأمل بصدق فيما يجري من حولنا ولعل هذا هو السبب في اختياره لاستخدام عبارة »الغوص إلي قلب المعني« لتكون عنواناً يخطف العقل والقلب وأنت تخطو خطواتك الأولي داخل قاعة العرض التي ازدانت جدرانها بهذا الكم من الأعمال المبهرة التي تعانق عين المشاهد لها في تناغم بديع يحقق أسمي معاني الجمال والسمو الروحي بل والرقي أيضاً في مخاطبة العقول والعزف علي أوتار القلوب. ولعل أهم ما يميز اللوحات التي تحمل توقيع الوزير الفنان فاروق حسني هي تلك الألوان المبهرة والخطوط الصريحة التي تهتم بإبراز جوهر الأشياء ومعانيها الدفينة داخل النفس بصورة واضحة تحمل وجهة نظره وفقاً لأسلوبه في رؤيته للأشياء التي لا يتقيد فيها بمحاكاة الواقع أو تقليده ومطابقته كما تفعل مدارس أخري في مجال الفن التشكيلي. وقد أعجبني ما قاله الناقد الأمريكي دان كاميرون عن المذهب التجريدي للفنان فاروق حسني حيث قال عن لوحاته إنها علي الرغم من افتقادها لموضوع محدد فإن تلك اللوحات قابلة للفهم عندما تشاهدها فهي تفسير تجريدي لظواهر بصرية في عالم الواقع مثل المباني ومناظر الطبيعة بل وحتي في مجال الفضاء الخارجي. ويضيف دان كاميرون أن العفوية جزء من الجاذبية التي تحظي بها لوحات فاروق حسني حيث إن اللمسة الجريئة لفرشاته يعززها وابل من الإيماءات المرتبطة بها أو المتناثرة ببساطة علي سطح اللوحة كما لو كانت نتاج حدث عفوي. وعلي الجانب الآخر تؤكد الناقدة الأمريكية إيرفين ليبمان أن لوحات فاروق حسني مشبعة بالألوان الزاهية ومشيدة من عناصر الخط الدقيق ويبدو أنها تنبثق من الضوء المشرق النقي للبحر الأبيض المتوسط في وطنه مصر ومؤلفة في توازن رائع ومتميزة بديناميكية أطياف الألوان، إنها أي تلك اللوحات تتحدث لغة العالم الحديث. ومن ناحية أخري يتحدث د. ياسر منجي عن الغوص داخل المعني في لوحات الفنان فاروق حسني فيقول إنه في معرضه الحالي يطرح المعني وقلب المعني وجوهره وهو تحول تتفاوت معه الدلالات الناجمة عن تنوع صياغاته فالمعني هو المفهوم الظاهر في عموم الصورة أما قلب المعني فمرحلة تتجاوز كل المعني الظاهر إلي المستوي الباطني في الإشارة والاستعارة وهي مرحلة يكون فيها التفاوت في مغزي الصورة مديناً لتكثيف الصياغة. إن قلب المعني علي حد تعبير د. ياسر منجي يقوم علي مستويات متفاوتة في الدلالة والتأثير معاً وأعمال فاروق حسني هي وسيلته للتعبير عن ذاته واكتشاف العالم من حوله. إنني أردت بهذه السطور التي قدمتها في مقالي هذا عن فاروق حسني أن أوضح مكانة هذا الفنان التشكيلي الكبير من وجهة نظر النقاد المتخصصين الدارسين لأعماله والذين تابعوا تجاربه علي مدي 04 عاماً حيث مر بعدة مراحل كثيرة جديرة بالدراسة والتحليل فهو صاحب فكر خاص ورؤية إبداعية حالمة لا تهيمن عليها أفكار سابقة التجهيز مثلما نري ذلك واضحاً عند فنانين آخرين من نفس مدرسته وهو الأمر الذي جعله علي المستويين المحلي والعالمي شديد التميز في كل خطوطه ومفرداته اللونيةالتي تمثل منهجاً خاصاً به يحمل توقيعه ويضعه في برواز شيك بين كبار فناني العالم من مبدعي المدرسة التجريدية.