لا يمكن للمتأمل، إلاَّ أن يصيبه الذهول وهو يري هذه المكانة التي صارت للمرأة في الإسلام ثم نمت وترعرعت حتي امتلأت الدنيا من حولنا بأعلام من النساء في كل باب، بينما تفجعه العبارات المشوشة التي تنسب للإسلام أو لخطابه، أنها عنده كالكلب والحمار، وأنها شؤم في البيت، ومشجوبة بالزنا إذا تعطرت! ودعنا نري معًا، كيف اعتني الإسلام بالمرأة، وحفظها ورعاها، وهيأها وأعدها للقيام بهذه الرسالة الرفيعة المهمة التي أنيطت بها، ولتبدأ المكانة التي بوأها الإسلام إياها بعد قرون وئدت فيها حقوقها، ولم تنج روحها من الوأد الذي كانت تتعرض له في الجاهلية! رفع الظلم والوأد والإجحاف! تغيا القرآن الكريم، والسنة النبوية، رفع المظالم عن المرأة، ورد الكرامة إليها، وتهيئتها وتهيئة المجتمع لقيامها برسالتها، وحفظ ما يجب أن يُحفظ لها من كرامة ومكانة.. فنري القرآن الحكيم يهيئ الناس والمجتمع، للإقرار بما للمرأة من مكانة وكرامة، فيلفت الأنظار إلي أن المرأة والرجل قد خلقا من نفس واحدة، فيقول عز وجل في مستهل سورة النساء التي سميت باسمها: »اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء» (النساء 1) ونقرأ مثل هذا المعني في سورة الزمر (الآية 6) وفي الآية (189) من سورة الأعراف.. وكان المجتمع في الجاهلية يكره إنجاب الإناث، ويئد البنات خشية العار، أو خشية الإملاق والفاقة، وإلي هؤلاء نزل القرآن الكريم يقول للوائدين منذرًا ومحذرًا ومرهبًا: »وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ» (التكوير 8، 9)، وينبه ضعاف العقول والأفهام بقوله سبحانه: »وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَي ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَي مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَي هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ»، ويقول لفاقدي الثقة والإيمان، الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر والإملاق: »وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خطأً كَبِيرًا». الله تعالي واهب الإناث والذكور نوه القرآن الكريم إلي أن الإناث والذكور، هبة الله تعالي، وبدأ بذكر الإناث قبل الذكور، ليحول ما درجت عليه الأفهام في الجاهلية من تفضيل الذكور، وكراهة إنجاب الإناث، فيقول تعالت حكمته: »لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ».. فالله تعالي هو واهب الذكور والإناث، ورسوله المصطفي عليه الصلاة والسلام هو صاحب الأحاديث الصحيحة، المشهورة والمتتالية، التي حثت علي رعاية البنات، ووعدت بالجنة من يصبر علي هذه الرعاية في السراء والضراء، وظلت هذه الرعاية للمرأة موصولة حاضرة في الإسلام في كل أطوار حياتها. رعاية الإسلام للأنثي في كل أطوار حياتها فالتربية والتأديب والتهذيب، واجب في الذرية من الإناث كما هو واجب في الذرية من الذكور وطلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة، وإعداد الأنثي أظهر فيما يتعلق بعملية الخلق في الأرحام، وفي مسئولية الحضانة ورعاية وتربية الأجيال، وهي لذلك لم تعد تُساق إلي الزواج بمن لا ترغب حتم أنفها، فلم يكتف الإسلام بحقها في الصداق خلافًا لشرائع تفرض علي أهلها »دوطة» لتزويجها، وإنما جعل الأمر لها بكرًا أو ثيبًا في زواجها. وجاء في الحديث النبوي: »لا تنكح (أي لا تُزوج) الأيم حتي تُسْتأمر، ولا تنكح البكر حتي تُسْتأذن»، وقد ردّ عليه الصلاة والسلام زواج ابنة أحد الأنصار لأنه زوجها - كما اشتكت - من ابن عم له دون موافقتها، فلما رَدَّ الزواج، عادت الفتاة مريدة مختارة تبدي الموافقة مضيفة أنها قصدت أن يعلم الآباء أنه ليس لهم من الأمر شيء، وأن رغبتهم لا تلغي إرادة البنت أو تجيز لهم إكراهها علي زواج لا ترضاه.. أما الزواج نفسه، للبكر والثيب، فهو عقد رضائي في الإسلام، قوامه الإيجاب والقبول، وكلاهما منسوب إلي طرفيه، ما لم يفوضا أو يوكلا -أحدهما أو كلاهما- أحدًا في إبرام العقد، وكالةً جري العرف الإسلامي علي الإشهاد عليها كفالة لثبوتها وتجنبًا للإدعاء كذبًا بها! ومعاشرة الزوجة تكون بالمعروف، وهذه المعاملة الطيبة قوامها الخير والإكرام، فجاء في الحديث الشريف: »خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، »ما أكرمهن إلاَّ كريم وما أهانهن إلاَّ لئيم»، وأثر عن عمر بن الخطاب برغم ما عرف عنه من شدة لم تطل ما يجب أن يكون من حسن المعاملة بين الرجل وزوجته أنه قال: » أحب أن يكون الرجل في أهله كالصبي، فإذا احتيج إليه كان رجلاً»، وقبل حكم الصديق أن يترك صغيره في حضانة مطلقته لأن ريح أمه إليه أطيب، وحث الرجال علي العناية بملبسهم وزينتهم ومظهرهم بمثل ما يحبون من زوجاتهم أن يتهيأن لهم به، وقال لمن في مجلسه: »هكذا فاصنعوا لهن فوالله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزينّ لكم».. وهو الذي أوقف في مصر العادة الفرعونية التي كانت توجب إلقاء بكر في النيل احتفالاً بفيضه، وأرسل بورقة تلقي في النيل بدلاً من الفتاة، مكتوب فيها: »إن كنت تجري من قبلك فلا تجري، وإن كنت تجري من قبل الله فنسأل الله أن يجريك». حتي الانفصال لا يكون إلاَّ بالمعروف وبلا إعضال! فإذا أخفقت سفينة الزوجية، فلا يكون الفراق إلاَّ بالمعروف والإحسان، وبلا إعضال، فمما جاء بالآية (229) من سورة البقرة: »فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ»، ومما جاء بالآية (231) من سورة البقرة: »وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»، وقال تعالي: »وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ» (البقرة 232)، وأتبع القرآن ذلك ببيان حقوق المطلقة قبل وبعد الدخول، بما استنه في الآيتين (236، 237) من سورة البقرة. حتي رضاع الأم لأطفالها وكفالتهم مرعيٌّ في القرآن الكريم قال سبحانه وتعالي في كتابه العزيز: »وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (البقرة 233). المكانة العامة ومكانة المرأة في القرآن الكريم تتمثل في مريم البتول التي قال فيها: »وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاء الْعَالَمِينَ». والمغفرة والأجر العظيم موعودان للمسلمات المؤمنات الخاشعات القانتات الصادقات العابدات المتصوفات، مثلما هما موعودان لمن يحمل هذه الصفات من الرجال، بلا تمييز بين الرجل والمرأة، وبذلك جرت الآية (35) من سورة الأحزاب.. وقوام الصلاح في رعاية الزوج، معقود للصالحات القانتات اللائي يحفظن غياب أزواجهن بما حفظ الله، فيقول سبحانه وتعالي: »فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ» (النساء 34). مساواة في الحقوق والواجبات وفي التكاليف الشرعية تجلت هذه المساواة في مواضع كثيرة، منها تمثيلا لا حصرًا إبراء القرآن لحواء من التهمة التي رماها بها العهد القديم من أنها المسئولة عن غواية آدم في الجنة، وقد أسلفنا إنصاف القرآن الكريم لها، وهو لم ينصفها من هذه التهمة وكفي، وإنما شملها بالمساواة الشاملة إلاَّ ما تعارض مع تكوين الخلقة والواجبات المتقابلة، وامتدت هذه المساواة إلي التكاليف الشرعية، فغض البصر وحفظ النفس مطلوب من المؤمنين ومن المؤمنات (النور 30، 31)، والفرائض مفروضة علي الإناث كما هي مفروضة علي الذكور، فإذا حال حائل كان التعويض فريضة علي من فاته الفرض لسبب أو لآخر ذَكرًا كان أم أنثي، وهما يتساويان في الثواب وبشارة الله تعالي، فيقول عزّ من قائل: »مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» (النحل 97)، والله تعالي لا يضيع عمل عاملٍ من ذكر أو أنثي (آل عمران 195). وقد قال تعالي: »وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة 71 ،72). ويحرم الإسلام علي المسلمين أن يرثوا النساء كرهًا، ولا يحل لهم إعضالهن لإهدار حقوقهن، أو استرداد ما سبق أن فرضوه لهن، فإن ذلك بهتان وإثم عظيم. (النساء 19، 20).