حالات الانفصال داخل الدولة الواحدة أصبحت ظاهرة تتكرر في العديد من الدول يسارع بعضها في الاعتراف بتلك الأجزاء المنفصلة أو المغتصبة بالاستيلاء أو الاستيطان. وهناك شبه إجماع علي أن وطننا العربي سيشهد العديد من حالات التجزئة التي ستكون واقعاً مفروضاً والأمثلة علي ذلك كثيرة ومنها شمال العراق الكردي والصحراء الكبري والدول الصومالية التي تنشأ من جسم الكيان الأم، وأخيراً جنوب السودان. وكل هذه الدول المنفصلة ستحصل علي الاعتراف الدولي ورفع الأعلام وتبادل السفراء وسيكون لها علاقات خارجية متكاملة. والضجة تثار الآن حول انفصال الجنوب السوداني والمسألة معلقة بعامل الزمن، رغم زيارة السيد الرئيس حسني مبارك والعقيد معمر القذافي والرئيس الموريتاني للخرطوم واجتماعهم مع الرئيس السوداني عمر البشير ونائبه رئيس الاقليمالجنوبي سلفاكير ميارديت في محاولة منهم لتطويق احتمالات وقوع صدام بين الشمال والجنوب عقب ظهور نتائج الاستفتاء وتوقع انفصاله عن الشمال وقيام دولة مستقلة. ولكن بالرغم من هذا الجهد الدبلوماسي الكبير وبالرغم من تحذيرات نائب الرئيس الأمريكي »جو بايدن« من احتمالات تفجر العنف بسبب عدم توصل الطرفين إلي تفاهم شامل حول مسائل الحدود والثروة وهوية الجنوبيين المقيمين في الشمال والشماليين المستوطنين في أراضي الجنوب بعد انفصاله وكذلك موضوعا منابع الأنهار المتدفقة إلي الشمال وجيران السودان. كل هذه المؤشرات تدل علي أن المنطقة، وليس السودان وحده، ستشهد وضعاً خطيراً لا يستهان به.. ولابد أن تتضافر الجهود الاقليمية والدولية بقوة أكبر لتجنب هذا المستقبل المخيف الذي يتوقع حدوثه. لا سيما وأن قضية »إيبي« علي وجه التحديد لم تسو بعد.. وأن شمال السودان وجنوبه قد يدخلان في حروب طويلة ومدمرة.. نتيجة تصارع الطرفين علي هذا الاقليم، وقد يجد مواطنو هذا الاقليم أنهم الأجدر بحكم أنفسهم حكماً ذاتياً أيضاً.. وذلك بقيام دولة ثالثة تفصل بين شمال السودان وجنوبه.. وتلك مصيبة جديدة أخري. لأن هذا لو حدث فإن اقليم دارفور المشتعل قد يتحرك هو الآخر في الحكم الذاتي، لتنقسم السودان إلي دويلات صغيرة. وهكذا فإن البلد الشقيق يواجه مصيراً مخيفاً في الوقت الذي لا تبدو الحلول العملية المطروحة قادرة علي عمل شيء.. فيما تقف بعض الدول العربية موقف المتلكئ.. فمن الذي يمكن أن ينقذ السودان من مغبة ما سيحدث وتجنيب المنطقة بأسرها كارثة محققة تتجه إليها بسرعة فائقة؟ والسؤال الآن هو.. أليس من حق السودان وشعبه، وهو بلد عربي افريقي أن تعقد من أجله قمة عربية خاصة لمناقشة الوضع المتفجر وتطويق جميع الاحتمالات المرتقبة بجدية أكبر؟ هل حان الوقت الذي نقول فيه للعجز العربي كفي ونقوم بتقدير الموقف بصورة مختلفة ونعمل علي رسم سياسة جديدة لاحتواء قضايانا ومشاكلنا ومعالجتها عربياً حتي لا يقال إن العرب، الذين يجمعهم الدين واللغة، لا يجمعهم رابط قومي ويفرقهم التنوع المذهبي والقبلي. وحتي لا يقال إن أي مرحلة تاريخية جسدت امبراطورية عربية أو إسلامية هي صدفة زمنية لا تقبل التكرار، لأن ميراث التجربة لا يفرض من الخارج بل هو جين مستوطن في كل فرد لديه قابلية تلقي هذا التغيير بالرغبة أو القسر!! لابد أن نعي أنه لا أحد يستطيع دفع الخطر الأكبر عن وطننا إذا عجزنا نحن عن حل مشاكله الصغري.