عندما استمع الي سير مجدي يعقوب متحدثا، يخيل لي كأن قديسا يتكلم، مع أني لا أعرف مواصفات القديس، إنما لابد وله مثل هذا الصفاء والنقاء لا يخطئهما الحس بينما الصدق من عينيه يطل.. (كلمات من خارج السياق وانطلقت من محبسها بين الضلوع). ولنستكمل موضوعنا مع العالم المصري الامريكي د. فؤاد قنديل الذي يرأس الأبحاث العلمية وعلاج مرض السكر في ذلك الصرح الطبي (سيتي اوف هوب) بلوس انجيليس - كاليفورنيا.. هذا العالم المصري الامريكي تلقي تعليمه في مصر واستكمل علوم الطب في جامعة برمنجهام بالمملكة المتحدة، ثم هاجر الي الولاياتالمتحدة عام 1981 للتدريس بجامعة كاليفورنيا، ومنها انتقل عام 1990 إلي سيتي أوف هوب، وبعد ثماني سنوات فقط أختير ليرأس شعبة مرض السكر بشقيها، العلاج و.. البحث العلمي الذي يضم حاليا 112 عالما متخصصا.. هذا العالم الطبيب عندما يستكمل أبحاثه الحالية يتمم اكتشاف الاكتشافات تتوالي علي طريق التقدم، وطفرات تطرأ من حين لآخر وتقوم علي الأبحاث العلمية وتؤدي حاليا إلي تغيير جذري ويطرأ علي الطب في هذا القرن من حيث سبل تشخيص الأمراض وتحديد العلاج بمفهومنا الحالي بسبيله أن يتواري خلال حقبة واحدة، ربما أقل لأن طب المستقبل - القريب - هو من حيث التطور جد مختلف.. ولنعرض قليلا لهذا المركز الطبي ذائع الصيت سيتي أوف هوب هذا الأقرب إلي كلية للطب بالمفهوم العصري، إلا أنه نموذج للمشروعات التي تبدأ من لا شيء ثم تنمو وتكبر وتزدهر وتطاول آفاق التقدم.. حكي لي هذا العالم المصري الأمريكي عن تاريخ ذلك الصرح الطبي الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي ببضع خيام ضربت في أرض خاوية لعلاج مرضي السل، وبأموال التبرعات والهبات والجهود الذاتية تحولت الخيام الي مبني أخذ ينمو ثم أضيفت مبان إلي المباني وأصبح يعد من أكبر مستشفيات ومراكز أبحاث السرطان التي نالت شهرة في الولاياتالمتحدة.. في أول السبعينيات أضيفت شعبة خاصة بمرض السكر، ومركز للأبحاث والعلاج سرعان ما حقق شهرة ذائعة من خلال اكتشافات متتالية أهمها تلك الطفرة في أول الثمانينيات عندما اكتشف أحد علمائهم التركيبة الكيميائية لهرمون الأنسولين البشري وقام بتصنيعه، ذلك الاكتشاف الذي عم العالم كله وعرضنا له الأسبوع الماضي. مجيء بروفسور فؤاد قنديل هذه المرة لمصر استهدف فتح الباب أمام عدد من شباب الأطباء المتخصصين ليتدربوا لديهم هناك، ويكونوا طليعة الممارسات الحديثة، واتصالاته هنا في هذا الشأن تمت من خلال المعهد القومي لعلاج السكر، وجامعة عين شمس، فهو يريد أن تكون مصر موصولة بأحدث وسائل الطب الجديد، وتم اختيار ثلاثة من شباب الأطباء المتخصصين ليسافروا إلي هناك كمبعوثين، وقال إنه سيفتح الباب حتي عشرة أطباء من الدول العربية، هذا غير طبيبة مصرية لها الآن عامين (د. رشا العماشي) يشهد لها بروفسور قنديل بالجدارة الملحوظة بين زملائها. ولم أكن أعلم أن طبيبا من قدماء المصريين (هاسي رع) هو أول مكتشف لمرض السكر في تاريخ الإنسانية، وأراني د. قنديل طابع بريد مصريا يحمله معه ويعود لحقبة السبعينيات يشيد »هاسي رع« الأهم أن أحدا علي مر التاريخ لم يضف جديدا إلي علم هاسي رع حتي القرن التاسع عشر.. ثماني دول يشملها المد العلمي والتعاون المشترك في هذا المجال هي السويد وألمانيا والصين واليابان والبرازيل وجنوب أفريقيا وتضم إليها مصر والسعودية التي تقدمت بطلب إنشاء فرع مخصص لديها في علاج مرض السكر... فهمت من هذا العالم المصري الأمريكي أن الطفرات العلمية الفارقة قلما تتحقق في هذا العصر منفردة، إنما الاكتشافات العلمية صارت تبني فوق بعضها فتؤدي إلي ما يعرف بالطفرات.. الاكتشافات من يختار التعاون ويجري اتفاقيات وتبادل خبرات، ومن يحتفظ بأبحاثه لا يطلقها إلا عن طريق النشرات العلمية العالمية أو يعلن تفاصيلها في المؤتمرات العالمية المتخصصة وهذه لا أقل من ثلاثة أو أربعة منها كل عام تعقد كل مرة في مدينة شتي بين أنحاء العالم.. 20 مارس موعد انعقاد المؤتمر العالمي القادم لمرض السكر بمدينة باسادينا جنوب ولاية كاليفورنيا، في مثل هذه المؤتمرات تعرض النتائج العلمية التي تم التواصل إليها وتكون براءة التسجيل قد تمت والاكتشاف صار متاح.. وحسب فهمي وأرجو أن أكون قد فهمت، العلم البازغ الآن من أبحاث الطب العلاجي يقوم علي ما يعرف بفارماكو - جينوميكس و.. سل - ثيرابي أي علاج الخلايا، والمركز الطبي سيتي أوف هوب يعد أحد سبعة مراكز من نوعها في الولاياتالمتحدة كلها، تزرع الخلايا التي تودي لإنتاج الأنسولين الطبيعي في الجسم، وهذه هي الثورة الأحدث الآن في علاج السكر من الدرجة الأولي (الشديد).. أما أبحاث د. قنديل فهي حول تصنيعها من خلايا جذعية وليس كما يجري حاليا باستخلاصها من بنكرياس سليم لمتبرع متوفي كما يجري حاليا، ويحدث أحيانا أن يلفظها بنكرياس المريض. أخيرا ننهي هذا الحديث بفقرة إيمانية فاجأني بها إذ وجدته يقول »وفي أنفسكم أفلا تبصرون« لا يدرك عمق هذا المعني القرآني الحكيم مثل الأطباء وسكت.. أومأت برأسي فاستطرد: نحن معشر الأطباء عندما ندرس الجسم البشري ونتعمق في تشكيله من الداخل، ونري رأي العين كيف تعمل وظائف الجسم البشري بتوازن متناهي الدقة، وفق ناموس خارق وبتكامل مذهل، ندرك معجزة الخلق مكتملة.. ملايين الخلايا تنبض بإعجاز إلهي، تؤدي وظائف محددة بلا زيادة أو نقصان، كأنها بلاغة الدليل الحي علي قدرة المدبر الأعظم لهذا الكون.