وصلتني هذه الرسالة من أحد الأصدقاء تعليقًا علي مقالة »دائرة الخير» التي نُشرت الأسبوع الماضي، تقول بعض كلماتها: »عزيزي نيافة الأنبا .. لقد طالعتُ مقالتكم »دائرة الخير»، وأشكر لكم رسالة الخير التي تحملها في طِياتها، والتي يحتاج إليها العالم اليوم أشد الاحتياج. ولكن: ألا تري أن دائرة الخير التي تحدثتَ عنها يمكن أن تُكسر بأعمال الشر من أولئك الذين فقدوا المعني الحقيقيّ للإنسانية؟ ... ألا يتسبب كسر دائرة الخير في انتشار الشر؟ ... وماذا عن مقدمي الخير؟ ألا يتسرب اليأس إلي قلوبهم؟ ...». بدايةً أشكر الصديق العزيز والأخ الفاضل الذي أرسل لي هذه الرسالة، نعم هناك الخير النابع من تلك السمات الإنسانية العظيمة التي منح الله البشر إياها، وهناك أيضًا من يحاول التخلص منها معتقدًا أنها مظاهر للضعف، في حين هو يبحث عن القوة بمفهوم البشر؛ ولكنه في أثناء ذلك الصراع ينسي أن الخير، يا عزيزي، لا يرتبط إلا بالله تبارك اسمه لأنه هو صانع كل خير في المسكونة. وكل خير يصنعه البشر يكون مصدره الله وفي الوقت نفسه هو اعتراف عمليّ من صانعه بمحبته لله؛ وكما قيل: »إن فعل الخير هو أفضل عبادة يمكن أن نقدمها إلي الله.»، وكما يقول الشاعر: يَجُودُ عَلَيْنَا الْأََكْرَمُونَ بِجُودِهِمْ وَنَحْنُ مِنْ جُودِ الْأَكْرَمينَ نَجُودُ وهكذا نحن نقدم من الخير الذي هو من الله؛ لذلك فإن شعرتَ، ولو لحظات، أن الشر يمكنه أن يغتال الخير، فلا تصدِّق، هو يحاول أن يُعوق طريقه فقط. وفي النهاية هناك شمس فجر جديد تبزُغ من قلب الظلام، تحمل معها آمالًا جديدة وخيرًا لا يتوقفان من الله. إن حافظ الخير والخيّرين هو الله؛ وإن سمح تبارك اسمه بانتصار مؤقت للشر، فإن ذلك لحكمة مخصوصة سامية لن تؤدي إلا إلي مزيد من الخير، وإنه لوقت محدد فقط فإن لكل شيء تحت السماء وقتًا محددًا لدي الله ضابط الكَون.. أما عن أولئك الذين يصنعون الخير، فعليهم متي رأَوا الشر يقاوم خيرهم أن لا يفقدون سلامهم وإيمانهم برسالة الخير التي يقدمونها في الحياة، وأن لا يتوقفون عن صنعه، متذكرين دائمًا أن الظلام لا يمكن أن يثبت أمام ضوء شمعة مهما صغرت بل ينقشع أمامها! وهكذا أيضًا فعل الخير: لا يمكن أن يضيع، أو أن يُفقد، مهما صغُر، بل حتمًا يأتي بنتائجه الإيجابية في حياة من استقبله ومن أعطاه. اصنع الخير أينما كنت، ولا تقلق، فثماره لن تتوقف، مهما اعترضتك صعوبات، وهو الكَنز الذي ستحمله معك عندما تغادر الحياة.