الحكومة تزيل عشش البسطاء وتترك قصور الأثرياء عامان علي انطلاق الحملة القومية والنتيجة مخيبة للآمال نهر النيل مازال يئن من كثرة التعديات عليه وسط اهمال حكومي..المباني الشاهقة والفلل والقصور مازالت موجودة علي جانبي النيل من اسوان حتي فرعي دمياط ورشيد دون وجود رادع لاصحاب هذه المنشآت ليس إلا لأنهم من علية القوم.. النيل المفتري عليه لا يجد من يحنوعليه وخاصة انه تفرق دمه بين جميع الوزارات..فلا نجد جهة واحدة مسئولة لمحاسبتها نتيجة تعدد الوصاية عليه.. فالري والزراعة والسياحة والداخلية والبيئة والمحليات والاسكان كلها وزارات مسئولة عن هذا النهر وجميعهم يتبادلون الاتهامات حول الاعتداءات التي يتعرض لها نهر النيل .. في بداية العام الماضي اطلقت وزارة الري الحملة القومية لحماية نهر النيل من التعديات والتلوث وتحديدا في 5 يناير 2015 إلا ان هناك تباطؤاً في تنفيذ الخطة القومية حتي الآن بالرغم من مرور عامين علي انطلاقها، ومع الكم الهائل من التعديات مازال قانون النيل الموحد حبيس الادراج .. وباتت التعديات تهدد الأمن المائي المصري والمجري الملاحي، حيث انتشرت هذه الظاهرة بشكل لافت للنظر وذلك بقيام المواطنين في كل المحافظات الواقعة علي نهر النيل بردم أجزاء من نهر النيل والبناء عليه حتي وصلت تلك التعديات علي مستوي الجمهورية الي 50 ألف حالة تعدٍ طبقا للإحصائيات الرسمية لوزارة الري، والتي تقل كثيرا عن الواقع الفعلي الذي يصل الي ما يزيد عن 150 الف حالة تعد. والغريب ان وزارة الري لم تنجح في إزالة إلا 14 ألف حالة تعدٍ فقط، هناك تساؤلات عديدة هل قوانين حماية نهر النيل كافية لردع المعتدين ؟ وهل هناك عقوبات وغرامات كبيرة تكون رادعة ؟ وعلي من تقع المسئولية الكبري في حماية نهر النيل بعد تعدد الجهات المشرفة عليه؟ وهل هناك تعاون بين تلك الجهات لحمايته من التعديات؟ .. قامت »أخبار اليوم» برصد المخالفات والتعديات علي النهر الخالد وخلال جولتنا علي ضفاف النيل رصدنا أشكالاً متعددة للتعديات علي النهر منها التعدي بأعمال خرسانية وحوائط من الطوب والتعدي من خلال اعمال ردم داخل مجري النهر وإقامة مبان وعشش وقصور ضخمة تسببت في التأثير علي طول وعرض النهر وحركة تدفق المياه داخل المجري المائي. وكانت البداية بمنطقة الوراق وعلي بعد عدة امتار من وزارة الموارد المائية والري وعلي الضفة الاخري من النهر شيد المواطنون عدداً من المنازل بشكل عشوائي في المنطقة المحرم البناء فيها علي النيل بالاضافة الي المراسي المتهالكة التي تم حصرها وانها غير صالحة متروكة علي ضفاف النهر ولم يتم ازالتها. وفي القناطر الخيرية ستجد العديد من التعديات علي نهر النيل ببناء قاعات أفراح، ومئات اخري من التعديات موجودة من منطقة الوراق بالجيزة حتي مدينة الخطاطبة بمحافظة المنوفيه مرورا بمدينة نكلا. وعلي مسافة قريبة من الوراق وتحديدا في منطقة امبابة نجد بعض المواطنين اعتدوا علي حرمة النهر وقاموا بردم جزء منه وتشييد المقاهي التي شوهت الصورة الجمالية لنهر النيل. واثناء سيرنا علي ضفاف النيل بالجيزة كانت التعديات بشكل يرثي لها ففي منطقة العجوزة كان تحديا واضحا للحكومة وحملة ازالة التعديات حيث قام بعض اصحاب المراكب النيلية باستغلال حرم النهر وتحويله الي مساكن واستراحات لهم أشبه بأوكار البلطجية والخارجين عن القانون. اما بجوار كوبري جامعة القاهرة علي الكورنيش لم يختلف الوضع كثيرا عن المناطق الاخري ورغم ازالة وزارة الري مرسي عشوائياً وهدمه قام صاحبه بترميمه من جديد واعادة تشغيله في تحد صريح للاجهزة التنفيذية وهذا نتاج عدم وجود قانون رادع يضرب بيد من حديد المخالفين .. وعلي امتداد النهر في القاهرة تشاهد بعض العائمات والمراكب المتهالكة متوقفة علي جانبي النهر لم تزل بحجة انها لم تمثل ضررا علي النهر وتسدد الرسوم كل عام، حجبت الاسوار والحواجز العالية التي انشأتها قاعات الافراح ونوادي المؤسسات الحكومية رؤية النهر لتخفي عن المواطنين المظهر الجمالي للنهر وتمنعهم من حقهم في الاستمتاع به.. وبالرغم من ان المساحة المصرح بالبناء عليها هي 30 متراً من النهر الا ان الاهالي في جزيرة الدهب بالمعادي كسروا القوانين وقاموا بالبناء علي المسطح المائي مباشرة، بالاضافة الي أكوام القمامة التي ألقوها علي ضفاف النيل بالجزيرة، بالاضافة الي المراسي العشوائية التي اقامها الاهالي. وفي منطقة منيل شيحة لم يختلف الأمر كثيرا عن غيرها من التعديات وما زالت الوزارة عاجزة عن التعامل مع كبار المتعدين علي النيل فالقصور والفلل الضخمة التي شيدها رجال الأعمال وعدد من الأثرياء علي نهر النيل مازالت كما هي لا يجرؤ أحد علي المساس بها. وفي حلوان جنوبالقاهرة يتم ردم نهر النيل منذ سنوات عديدة جهارا نهارا، ويتم الاعتداء عليها بالمباني وعمل الاستراحات واستغلالها للمنفعة الخاصة من قبل بعض المواطنين. وفي جنوبالجيزة، حدث ولا حرج فأغلب مراكز جنوبالجيزة بداية من أبوالنمرس والبدرشين والحوامدية والصف وأطفيح والعياط يسكن المواطنون فيها بالقرب من نهر النيل وقام بعضهم بالاعتداء علي حرم النهر، إضافة إلي قيام آخرين باستغلالها وعمل المقاهي وغيرها من المنازل والاستراحات بعد ردم جزء كبير من نهر النيل ومنهم من قام بردم أكثر من نصف كيلوا متر وقام ببيعها للمواطنين بالمتر للبناء عليها. ويقول د. ضياء القوصي الخبير العالمي في الموارد المائية ومستشار وزير الري السابق ان شيوع المسئولية بين الوزارات هي السبب الرئيسي في مشاكل وازمات نهر النيل، مشددا علي انه لا توجد جهة واحدة مسئولة عن النهر ويتم محاسبتها عند الازمات، مضيفا أن وجود كثير من الهيئات التي تشارك في صناعة القرار بالنسبة للنهر يؤدي لتضارب الاختصاصات، وفي النهاية يعود الضرر علي نهر النيل، مضيفا أن هناك جهات كثيرة تشرف علي النيل منها وزارة الري وحماية النيل ووزارة البيئة والمسطحات والطرق والكباري وغيرها من المؤسسات التي تشرف علي النيل، مطالبا بإنشاء وزارة خاصة بنهر النيل يتولاها وزير خاص، وأضاف أن القانون الحالي يمنع البناء علي حرم النهر، ولكن هناك آلاف المباني القريبة جدا من النيل وتخترق هذا الشرط، منها مباني حكومية ونواد، موضحا ان عدد التعديات علي النيل أضعاف الإحصائيات الرسمية لوزارة الري التي تؤكد علي وجود 54 الف تعدي فقط، مشيرا الي انه منذ توقيع الرئيس علي وثيقة النيل منذ عامين ولم يتم إزالة سوي 13 الف حالة فقط، مؤكدا اننا نحتاج الي 30 عاما لإزالة باقي التعديات. وقال ان استمرار التعديات علي نهر النيل ناتج بسبب عدم المتابعة من وزارة الري بالاشتراك مع وزارة البيئة، مضيفا ان الازالات التي تنفذها الحملة ضعيفة جدا والمخالفات الضخمة مثل القصور والمباني الحكومية والمساكن الشعبية لم يتم المساس بها والازالات لم تطبق علي الجميع وهي مجرد شعارات لان جميع المخالفات التي ارتكبها الكبار في الدولة معروفة بالاسم وتم رصدها ومع ذلك لم يتمكن احد من المساس بها وعلي الدولة الاستفادة منها في حالة عدم القدرة علي هدمها حتي تجلب للدولة عشرات المليارات مثل الفلل والقصور من خلال المصالحة والحصول علي ثمن الارض، بالاضافة الي رفع قيمة الايجار للعائمات والمراسي.. ويضيف إن القانون ضعيف ولا يردع المعتدين علي النيل، ورغم ذلك لم يخرج قانون النيل الموحد الي النور، مضيفا ان أكثر هذه التعديات حدثت بعد ثورة يناير، ولها آثار سلبية علي مجري النهر والتكوينات البيولوجية والبيئية للنيل، مؤكدا إنه تتعدد أوجه الاعتداءات من إلقاء الصرف الصحي والصناعي والملوثات الأخري والاعتداء علي حرم النهر وردمه واستخدام الجزر الموجودة به، فالنيل مهان علي طول الخط من أسوان وحتي رشيد، مضيفا أن إزالة الاعتداءات علي النيل لا تتخطي 20% وبقية المخالفات ما زالت مستمرة مثل الاعتداءات أيضا علي الأراضي الزراعية. ويؤكد عبد العاطي الشافعي رئيس جمعية حراس النيل أن وزارة الموارد المائية والري إمكانياتها وقدراتها محدودة، وبالتالي لم تستطع أن تزيل بقية التعديات، مضيفا أن القوانين ضعيفة جدا وأغلب عقوباتها غرامات بسيطة وهزيلة لا تمنع ولا تردع اي مخالف، مطالبا مجلس النواب بسن تشريعات وقوانين جديدة بها عقوبات صارمة ومشددة، وان تكون العقوبات في القانون جنائية وليست جنحة، بحيث إن المتعدي ينذر لإزالة التعدي بنفسه وإن لم يقم بإزالته يتم إزالة التعدي علي نفقته الخاصة حتي يكون عبرة لغيره، وتوقع عليه عقوبة الحبس لأن الاعتداء علي النهر هوالاعتداء علي الأمن المائي المصري كله وحياة مصر والمصريين، مشيرا الي ان أكثر هذه التعديات حدثت بعد ثورة يناير، وهذه التعديات لها آثار سلبية علي مجري النهر . ويؤكد د.هاني رسلان رئيس وحدة الأهرام لدراسات حوض النيل إن تقرير الحكومة عن إنجازاتها في إزالة التعدي علي نهر النيل لا يعد إنجازا خاصة أن التعديات مازالت مستمرة، مشيرا الي أنه رغم جهود الحكومة الحالية لإزالة التعديات لكن حتي الآن لا توجد آليات فعالة تشير إلي أن الإزالات ستنتهي فالحملة بدأت اول 2015 وتقترب من عامين وعدد الازالات ضعيف جدا مقارنة بعدد التعديات التي تم رصدها، مؤكدا ان استمرار التعديات نتيجة لعدة اسباب اهمها تفشي وانتشار الوسطة والمحسوبية داخل الاجهزة الادارية والتنفيذية المكلفة بتنفيذ القانون سواء في المحليات اوفي الحملات المعنية لازالة التعديات علي حرم نهر النيل، مضيفا انه من ضمن الاسباب ايضا ان القانون لم يطبق علي الجميع وهذا يخلق روحاً من اللامبالاة والفوضي وخاصة انه يتم محاسبة الضعيف ويترك القوي الذي يزيد في جرائمه.