»قضية فلسطينالمحتلة» مدينة القدس والأرض المتنازع عليها بالاحتلال والاستيطان من الجانب الاسرائيلي، وبكافة أشكال الكفاح والمقاومة من الجانب الفلسطيني والعربي. نختلف أو نتفق حول تلك المفردات أو يمكن ممارسة عليها بعض التعديل أو التبديل في صياغات المعاني أو ترتيب الكلمات، لكنها ستبقي حاضرة وبقوة أيا كانت مساحات الاختلاف أو المرجعيات. طوال مسيرة تلك القضية وما اعتراها من محطات دراماتيكية، ظل حضورها الأبرز خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة مصاحبا لتولي إدارة أمريكية جديدة لمهام قيادة وصناعة القرار بالولاياتالمتحدة، حيث يفترض لها أن تقوم برعاية مسار التعاطي مع تلك القضية الشائكة والعالقة منذ العام 1948م. بالنظر إلي أننا اليوم إزاء إحدي محطات هذا الحضور الأبرز للقضية بوصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، فلهذه المحطة بعضا من المشاهد الدالة والقادرة علي صناعة استشراف أولي للفصل القادم شديد الخطورة والأهمية . حيث أثار فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية التفاؤل لدي الحكومة الإسرائيلية ومعها قطاع واسع من المجتمع الإسرائيلي، بأن القادم قد يمنح إسرائيل فرصة تاريخية للقيام بانقلاب استيطاني واسع في جميع أنحاء الضفة الغربيةوالقدسالشرقيةالمحتلة. استثمر نتنياهو الفترة التي سبقت التنصيب الرسمي لترامب للحصول علي بعض الاجابات الشافية من الإدارة القادمة، عندما أرسل سرا كلا من »رئيس الموساد، يوسي كوهين» و»القائم بأعمال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، يعقوب نيجل» إلي الولاياتالمتحدة مرتين للاجتماع مع مستشاري الرئيس ترامب، بهدف التعرف علي المواقف وتبادل المعلومات وتنسيق المواقف بين الجانبين. جرت الزيارة الأولي في 1 ديسمبر 2016م، والزيارة الثانية كانت في 8 يناير 2017م قبل يومين من تنصيب ترامب رئيسا. وفيهما اجتمعا ب »مستشار الأمن القومي السابق، مايكل فلين» ومسؤولين آخرين. قابل ذلك أنه في 26 يناير زار إسرائيل »رئيس بلدية نيويورك السابق، رودي جولياني» المقرب من الرئيس ترامب، حيث اجتمع بنتنياهو ونقل له رسالة من ترامب لم يكشف النقاب عنها، ويعتقد حتما أنها تطرقت إلي مبدأ حل الدولتين وقرارات إسرائيل بشأن الاستيطان تمهيدا للقاء نتنياهو بترامب. تلك السلسلة من الاتصالات والمشاورات مع مستشاري ترامب وإدارته الجديدة، خلقت انطباعا متكاملا لدي نتنياهو بأن قيام إسرائيل بحملة استيطانية مكثفة في هذه الفترة لن تقود إلي رد فعل حاد من إدارة ترامب، لا سيما في ضوء دعم تصريحات ترامب للاستيطان في حملته الانتخابية، لترتكز خطة نتنياهو علي استغلال الأيام الأولي من رئاسة ترامب لتعزيز الاستيطان وخلق أمر واقع، فبعد تولي ترامب مقاليد الحكم بيومين أعلن نتنياهو في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي »السياسي الأمني»، أنه قرر إزالة جميع القيود السياسية المفروضة علي بناء الوحدات السكنية في القدسالشرقيةالمحتلة، وأكد أن جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربيةالمحتلة ستبقي تحت السيادة الإسرائيلية. وفي اليوم نفسه أقرت بلدية القدسالغربية بناء (556 وحدة استيطانية) في القدسالشرقيةالمحتلة، سبقها إقرار من ذات البلدية ببناء (450 وحدة استيطانية) فور الإعلان عن فوز ترامب في انتخابات الرئاسة. لم يقف الأمر عند هذ الحد ففي 24 يناير الماضي أعلن نتنياهو ووزير الأمن أفيجدور ليبرمان أنهما أقرا بناء (2500 وحدة سكنية) في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربيةالمحتلة، وفي 31 من الشهر نفسه أقر ليبرمان بناء (3000 وحدة سكنية) جديدة في مستوطنات الضفة. ليتوج هذا الانقلاب الاستيطاني في 7 فبراير بإقرار الكنيست الإسرائيلي قانونا خطيرا للغاية يستبيح الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ويمكن سلطات الاحتلال من نهب الأراضي الفلسطينية الخاصة والعامة في الضفة الغربيةالمحتلة ومصادرتها ومنحها للمستوطنين الإسرائيليين، ويمنح في الوقت نفسه صفة قانونية للبؤر الاستيطانية التي أقامها المستوطنون عنوة علي الأراضي الفلسطينية الخاصة في العقود الماضية. وخلافا لمواقف الإدارات الأميركية السابقة وخروجا عن موقف مجلس الأمن بالأمم المتحدة الذي أجمع علي إدانة قرارات إسرائيل الاستيطانية، لم تدن إدارة ترامب هذه القرارات، وكذلك لم تدن قانون نهب الأراضي الفلسطينية الذي سنه الكنيست مؤخرا، بل أنها أصدرت بيانا أوضحت فيه أنها »لا تري» أن المستوطنات القائمة تشكل عقبة أمام تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. في يوم 12 فبراير عقد نتنياهو اجتماعا لمجلس الوزراء »السياسي الأمني» خصص لبحث لقائه الأول مع ترامب، استمر ما يزيد عن أربع ساعات واتفق فيه علي معظم القضايا التي جري طرحها باستثناء القضية الفلسطينية، حيث طلب »نفتالي بنيت، وأييلت شاكيد» من حزب (البيت اليهودي) أن يعرض نتنياهو علي ترامب موقفا واضحا يعارض »حل الدولتين»، ويرفض إقامة دولة فلسطينية في المناطق الفلسطينيةالمحتلة باعتبار أن إسرائيل ستستمر في الاستيطان بمختلف أنحاء الضفة الغربيةوالقدسالشرقية. مع التأكيد أن ترامب سيضمن أن لا تضع إدارته قيودا علي استمرار الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية.