خلال السنوات الماضية عانت المهرجانات السينمائية المصرية من ازمات مالية طاحنة بسبب انحفاض ميزانياتها مقارنة بالمهرجانات السينمائية العربية الاخري ولم تفلح اي جهود لدعم هذه المهرجانات وقبل ان يودع عام 2016 فوجئت بقرارات »تعويم الجنيه» مما جعلها تقع في مأزق شديد الصعوبة يمكن أن يهدد بإغلاق بعضها فقد غرقت هذه المهرجانات في بحر»ارتفاع الدولار»..فكيف يري رؤساء ومديرو المهرجانات هذه الازمة وسبل مواجهتها؟ في البداية يقول الناقد يوسف شريف رزق الله - مدير مهرجان القاهرة السينمائي - بالتأكيد ان تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار بشكل كبير سيكون له تاثير سلبي حاد علي أي مهرجان سينمائي وبالتالي سينعكس علي مهرجان القاهرة فقد تضاعفت اسعار ايجار الافلام الحديثة من كافة دول العالم وقد واجهنا هذا الامر في الدورة الاخيرة لمهرجان القاهرة بالاضافة الي الارتفاع الكبير في اسعار تذاكر الطيران وايجار دور العرض والمعدات والمطبوعات واجور العاملين ؛ واذا استمر الوضع علي ما هو عليه فهذا ينذر بكارثة علي المهرجانات واضاف رزق الله: في دورة العام الماضي لمهرجان القاهرة عملنا بميزانية تبلغ ستة ملايين جنيه مع وعد من وزارة السياحة بدعم المهرجان بمليوني جنيه وحتي الآن لم تقدم السياحة الدعم المطلوب مما دفع الشركات لمطاردة ادارة المهرجان للحصول علي مستحقاتهم.. لذلك اطالب وزارة المالية بمضاعفة ميزانية مهرجان القاهرة في دورته القادمة لتصل الي 12 مليون جنيه بعيدا عن أي دعم ممكن ان يتلقاه المهرجان من اي وزارة اخري ؛ كما اطالب رجال الاعمال المصريين الوطنيين بضرورة دعم المهرجانات السينمائية المصرية ومساعدتها في الخروج من ازمتها. أزمة حقيقية وقال الناقد الامير اباظة رئيس مهرجان الاسكندرية السينمائي: معاناة المهرجانات السينمائية في مصر ليست وليدة»تعويم الجنيه»وما حدث بعدها من انفلات في أسعار كل شيء من ارتفاع في أسعار الفنادق وتذاكر الطيران والأوراق والاحبار والمطبوعات وغيرها من مصروفات تنظيم المهرجانات وأن جاء التعويم ليضع المهرجانات في ازمة حقيقية تهدد مستقبلها وإذا كان البعض قد حاول تقديم بعض الحلول كأن يتحمل الإعلام ونجوم الفن إقامتهم أو تتحمل شركة مصر للطيران تكلفة النقل وغيرها دعما للمهرجانات إلا أن مثل هذه الحلول لا يمكن أن تستقيم علي أرض الواقع طبقا لتجربة كبيرة ومريرة مع. معظم الهيئات في مصر خاصة أن الجهات الداعمة ليس من بينها رجال أعمال مثلما يحدث في مصر ويقتصر الدعم علي وزارات الثقافة والسياحة والشباب ورغم التباين الواضح في أرقام دعم كل واحدة من هذه الوزارات لكل مهرجان إلا أنها مطالبة الآن خاصة وزارة المالية بإعادة النظر في قيمة الدعم حتي تستمر هذه المهرجانات في أداء رسالتها لأن توقفها أو بعضها الآن قد يضع كلمة النهاية لمسيرة طويلة للبعض مثل القاهرة الدولي والإسكندرية لدول البحر المتوسط أو الإسماعيلية للفيلم القصير بجانب مهرجانات أخري مهمة مثل الأقصر للسينما الأفريقية أو مهرجان السينما العربية والأوروبية في شرم الشيخ في دورته الأولي..واشار اباظة الي أن ميزانية مهرجان مثل الإسكندرية السينمائي الحالية لن تمكننا من تحقيق ثلث اوربع ما تحقق في دورات سابقة. دعم الثقافة وتقول المخرجة عزة الحسيني مدير مهرجان الاقصر للسينما الافريقية - لاشك أن »تعويم الجنيه» اثر بشكل كبير علي كل الأنشطة في حياتنا »الأكل والشرب والسفر والدواء» وغيرها اما بالنسبة لمهرجان الاقصر للسينما الافريقية في دورته السادسة التي ستطلق خلال شهر مارس القادم فقد تأثرت ميزانيته بشكل كبير، فأي مهرجان سينمائي تتلخص عناصره الاساسية في الافلام والضيوف ولجان تحكيم المسابقات وسينمائيين يستضيفهم المهرجان في برامجه الموازية وبالاضافة إلي النقاد والاعلاميين سواء المحليين أو الدوليين كل هذه العناصر تترجم الي تذاكر طيران وغرف فندقية للاقامة وبالتالي يعتبر الطيران والاقامة الأساس الأول لاقامة المهرجان وهذين العنصرين دايما يتم حسابهم بالدولار وعندما يتضاعف سعر الدولار مقارنة بالجنيه فبالتأكيد تضاعفت الاسعار فورا وأصبح من الصعب جدا حساب الفنادق والطيران بالطريقة القديمة فأصبحت الموازنة التقديرية غير مجدية وارتفاع سعر الدولار مفيد للاجانب جدا لانه فجاة اصبح يملك الضعف لكن السوق لا يرحمنا ولا وزارة الثقافة رحمتنا فبدلا من ان تضاعف الدعم المقدم نجد انها قررت تخفيضه الي النصف واذا لم يحل هذا الموقف لا يوجد أمامنا إلا إما تقليص الفعاليات أو تقليل عدد الضيوف أو أيام المهرجان فبدلا من ان تقف الدولة بجوار مهرجان ناجح بتشجيعه علي الاستمرار والنجاح بتحديد ميزانية سنوية لضمان هذا الاستمرار نجد هذه القرارات في لحظه عصيبة وصعبة تدفعنا الي اليأس بدلا من الأمل. واشارت عزة الحسيني إلي ان الارتفاع الجنوني لسعر الدولار خلال الشهور القليلة الماضية اثر علي كل بنود الميزانية الاخري والتي ارتفعت تكلفتها بنسب مختلفة كالمطبوعات وتأجير أجهزة العرض السينمائي واجور المهنيين والفنيين ومنسقي الفعاليات غير الاتصالات والدعاية والشحن ومستلزمات التشغيل المختلفة.يجب علي الدوله ان تعاملنا بالمثل بأن تضاعف المرتبات والدخول والميزانيات والدعم. إصابة في مقتل وأكد الكاتب الصحفي حسن أبوالعلا، مدير مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، أن تعويم الجنيه أصاب جميع المهرجانات السينمائية في مقتل، وليس مهرجان أسوان فقط لأن الميزانية المرصودة لحجز تذاكر الطيران تضاعفت تقريبا، بعد رفع أسعار تذاكر السفر علي كافة الخطوط، مشيرا إلي أنه رغم تكفل وزارة الثقافة بحجز تذاكر الطيران إلا أنه كان من الممكن الإستفادة بفارق الزيادة في تغطية بنود أخري مهمة في المهرجان. وأوضح أبوالعلا، أن هناك مشكلة أخري مهمة تتعلق بالمقابل المادي الذي يتم دفعه لشركات التوزيع بالخارج بالعملة الصعبة مقابل عرض بعض الأفلام، لافتا إلي أن المهرجان مضطر لدفع مبالغ مالية باليورو مقابل عرض عدد من الأفلام نظرا لإرتفاع مستواها، وهو ما يعتبر إضافة للمهرجان في دورته الأولي. وشدد علي أن مهرجان أسوان يعتبر أكثر المهرجانات المصرية التي غطت جزءا كبيرا من تكاليفها بعيدا عن الدولة، مؤكدا أن الدولة لم تتكفل إلا بحجز تذاكر السفر والإقامة، وهو مبلغ كبير بالتأكيد لكنه لا يكفي لإقامة مهرجان سينمائي، خاصة أن هناك مهرجانات تغطي كافة احتياجاتها من ميزانية الدولة. مواجهة التطرف ويضيف المخرج أحمد حسونة - مدير مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والاوربية: لا شك أن تعويم الجنية له تأثير سلبي علي المهرجانات بشكل عام، فمعظم الأفلام المتميزة لها رسوم لعرضها قد تصل إلي ألف يورو ومع تعويم الجنية أصبح السعر الفعلي الضعف أو أكثر، بالإضافة إلي أرتفاع الأسعار في كل شئ من تذاكر طيران وإقامة...إلخ. مع ميزانية محدودة للغاية، ويرتبط تعويم الدولار أو أزمة الدولار بشكل عام بعملية شراء أو تحويل عملة صعبة إلي الخارج مقابل شراء حقوق العرض، وهو ما يدخلنا في متاهات عديدة، وهو أمر عانينا منه في أسبوع النقاد الدولي، وفي تصوري أنه علي الدولة المصرية متمثلة في مؤسساتها أن تستوعب هذه الأزمة، وأن تجد حلولا بديلة في ظل أزمة أقتصادية طاحنة تحتاج إلي توفير أموال خاصة بصناعة الثقافة والسياحة حتي تستطيع أن تخرج من الدائرة الشيطانية للإرهاب والفكر المتطرف المتغلغل في المجتمع المصري، وأن تستعيد السياحة عافيتها بعد هذا الأنهيار الذي حدث لها.